هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "مذكرات عبد الكريم الخطابي"
تحبير: جاك روجيه ماتيو
ترجمة: إسماعيل العثماني
دار النشر: دار الأمان
عدد الصفحات: 144
الطبعة الأولى 2021
تستأثر شخصية عبد الكريم الخطابي باهتمام كبير من الباحثين، ليس فقط بسبب الدور الذي قام به في مقاومة الاستعمار الإسباني، ولكن أيضا بسبب بقاء جوانب كثيرة من شخصيته في منطقة الظل والعتمة.
ولئن كنا في كتابات سابقة، قمنا بمراجعات لكتب بحثية، تتناول بعض القضايا الإشكالية التي لم يستطع البحث التاريخي لحد الآن أن يفك رموزها مثل علاقة عبد الكريم الخطابي بالسلطان، وتوقفنا على محاولات جادة قدمت إحدى الأجوبة التي تزيل نقاط الالتباس في هذه العلاقة، فإن الجهود التي بذلت لحد الساعة، في إخراج مذكرات هذه الشخصية، لم تكتمل بعد، ولا يزال يكتنف بعض المحاولات كثير من القصور، مما صار معه من الضروري القيام بجهدين اثنين، أولهما إعادة إخراج بعض مذكراته المنشورة في صورتها الأصلية، بعد تصحيح الأخطاء التي وقعت فيها بسبب ضعف الترجمة، ثم العمل على إخراج ما تبقى من هذه المذكرات، وبشكل خاص، ما يسمى بـ"مذكرات القاهرة" التي لم يتيسر نشرها إلى اليوم.
المذكرات الثلاث لعبد الكريم الخطابي
حين تذكر مذكرات عبد الكريم الخطابي، يتبادر إلى الذهن مصدران إثنان منهما، يخص الأول، "مذكرات لاريونيون"، التي تضم الأجوبة المطولة التي أجاب بها عبد الكريم الخطابي على بعض الأسئلة في محاور متفرقة، في أحداث تعود إلى الفترة الممتدة ما بين تاريخ منفاه بجزيرة لاريونيون، أي العاشر من أكتوبر 1926، وشهر دجنبر من السنة ذاتها، والتي صادفت عودة الضابط موريس صاني، مرافقه العسكري الذي كان مكلفا بمرافقته منذ استسلامه، وذلك من الجزيرة إلى فرنسا، حاملا معه مخطوط هذه المذكرات، وقد كتب لهذه المذكرات أن تنشر بالمتن العربي، بخط عبد الكريم الخطابي، وبترجمة التهامي الأزموري إلى اللغة الفرنسية، وصدرت الطبعة الأولى من هذه المذكرات بالرباط.
أما المصدر الثاني، فيخص، "مذكرات عبد الكريم الخطابي"، التي نقلها عنه روجيه ماتيو مراسل جريدة "لوماتان" الفرنسية، خلال الأيام الثلاثة التي استغرقها الإبحار على ظهر الباخرة "عبدة" التي كانت تبحر من الدار البيضاء إلى أرخبيل "فريول" بمرسيليا الفرنسية، في الطريق نحو جزيرة "لاريونيون". وتضم هذه المذكرات تصريحات شفوية، وشهادات خطية أدلى بها عبد الكريم الخطابي وأخوه محمد الذي قام أيضا بدور الترجمان. وقد جمع الصحفي "ماتيو" مادة هذه المذكرات، وقدم لها بطريقته، ونشرها باللغة الفرنسية، بعنوان: "مذكرات عبد الكريم الخطابي"، وذلك سنة 1927.
وإذا كان حظ المصدرين الأول والثاني، أنهما نشرا، مع فارق في التحقيق، فإن المصدر الثالث، المتعلق بـ"مذكرات القاهرة"، لا يزال إلى اليوم غير منشور. مع أن عددا من الباحثين اطلعوا عليه، واعتمدوه في بعض دراساتهم، وهي تضم حوالي ثلاثة آلاف صفحة، موزعة على ثلاث محاور، محور يرصد حال المغرب وحكم سلاطينه قبيل دخول الاستعمار والمسمى " مأساة مراكش". ومحور ثان، قدم فيه عبد الكريم الخطابي وصفا دقيقا للسياسة الاستعمارية بالريف وخلافة الأمير لوالده على رأس المقاومة الريفية، وتحالف الاستعمارين الفرنسي والإسباني ضده حتى استسلامه، والمسمى: "الشعب يواجه الاستعمار الإسباني"، ومحور ثالث، خصصه للأحداث التي عاشها في المنفى، أي مدة عشرين سنة بجزيرة "لاريونيون" رفقة أسرته إلى غاية نزول الأمير ببورسعيد.
في الحاجة إلى إعادة تحقيق مذكرات عبد الكريم
بعد أن يذكر الأستاذ إسماعيل العثماني بهذه المصادر الثلاثة، يحمل عائلة عبد الكريم الخطابي المسؤولية عن عدم نشر "مذكرات القاهرة"، ويبرر الحاجة إلى إعادة نشر "مذكرات عبد الكريم الخطابي" التي حبرها جاك روجيه ماتيو، بكون الترجمة التي أنجزها عمر أبو النصر، ونشرت في بيروت سنة 1934، ضمن كتاب له بعنوان" بطل الريف الأمير عبد الكريم" تضمنت أخطاء لغوية ومعرفية فادحة، تهم تعبيرات وأساليب بالفرنسية، وأسماء الأعلام والأمكنة، بالإضافة إلى إخلال بالمعنى في كثير من العبارات التي تخص مضمون النص الأصلي، وأن ذلك هو ما دعاه إلى تنويع العرض، ووضع القارئ أمام خيارين اثنين، للمقارنة بينهما، والنظر في ايهما أكثر أمانة ومصداقية في نقل مضمون النص الأصلي، وأيهما يحظى بالجودة الضرورية التي تفرضها الأمانة في ترجمة المعاني والعبارات.
يندرج هذا الكتاب: "مذكرات عبد الكريم الخطابي" إذن، في سياق التحقيق والتحقق والوفاء للنص الأصلي، ومحاولة تقديمه للقراء باللغة العربية، بشكل يطابق نصه الفرنسي، وبالطريقة ذاتها التي صاغها مراسل جريدة "لوماتان" الفرنسية، وذلك بطريقة سؤال بالفرنسية، وجواب بالعربية يترجمه أخ الأمير إلى الفرنسية، ويصوغه "روجيه ماتيو" بأسلوبه. وما يميز هذه المحاولة، أن الأستاذ إسماعيل العثماني، حاول تجاوز التشويش والخلط الذي حصل في ترجمة عمر أبو النصر، فميز بين كلام "ماتيو"، وبين أقوال الخطابي وأخيه، وأضاف شروحا بين معقوفتين لتوضيح المقصود من الكلام في بعض العبارات.
يقر إسماعيل العثماني في مقدمة هذا الكتاب، أن مذكرات عبد الكريم الخطابي التي خطها "ماتيو" تشوبها عيوب كثيرة، ناتجة عن الانحياز الإيديولوجي المقنع للمراسل الصحفي، فضلا عن الزيادات والإضافات، التي أضافها بمحض هواه، دون أن تكون واردة في نص أجوبة الأمير، لكنه مع ذلك، يؤكد أهميتها التاريخية وضرورتها بحكم ما تضمنته من مادة تاريخية عن الأمير لا يمكن الاستغناء عنها.
في المادة التاريخية الثرية لهذه المذكرات:
قدم الصحفي "ماتيو" لهذه المذكرات بمقدمة ضافية ضمنها رؤيته وتحليله (الرؤية الفرنسية الاستعمارية) للموقف الفرنسي من المقاومة التي قادها عبد الكريم الخطابي، والدواعي التي دفعت فرنسا للتدخل والتواطؤ مع إسبانيا ضده، رغم أن عبد الكريم الخطابي لم يكن يوجه مقاومته لمنطقة النفوذ الفرنسي. وبعد ذلك بدأ يطرح أسئلة مهمة عن أصول عبد الكريم الخطابي وتعليمه وعلاقاته الأولى مع الإسبان، والإكراهات التي سعوا إلى فرضها عليه، وكيف كان يعتبر أن إسبانيا هي المسؤولة الوحيدة عن حرب الريف، حيث ينسب الخطابي إليها وإلى ألمانيا المسؤولية في نشوب هذه الحرب بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك بقصد طرد فرنسا من المغرب. ويكشف الخطابي في هذا السياق عن معلومات مهمة تخص التواطؤ الإسباني الألماني، وكيف كانت الغواصات الألمانية تمون في المنية بسرقسطة بواسطة عملاء ألمان مدعومين بقوة من عملاء إسبان، بحيث كانوا يهربون الأسلحة عبر مليلية وتطوان وسبتة وعبر طنجة أيضا.
وتتضمن هذه المذكرات أيضا حديث عبد الكريم الخطابي عن سجنه من قبل الإسبان، وكيف كانوا يقنعونه بحمل السلاح ضد فرنسا، ورفضه مثل هذا العرض. ويعرض عبد الكريم الخطابي أصول الصراع بين الإسبان ومنطقة الريف، ويعزو ذلك إلى رغبتهم في إقامة نظام حكم الحماية، الذي كان يعني إحكام السيطرة، وبسطها على المنطقة، وذكر أن رفض والده لهذا النظام هو الذي دفع الإسبان إلى تمديد أسره.
وقد تناولت هذه المذكرات جوانب مهمة من فترة شباب عبد الكريم الخطابي وتعليمه، وكيف قاده التفوق إلى نيل منحة توفرها الحكومة الإسبانية لمتابعة الدراسة في مالقا في معهد لتكوين المعلمين، إذ تخرج منه مدرسا بعد عامين من الدراسة، فرجع إلى أجادير، وساند والده في سياسته الرامية إلى تحقيق التآلف الريفي. وبعد العودة إلى مليلية، سيجتاز عبد الكريم الخطابي الباكلوريا بنجاح عام 1917، وستوجه إلى مدريد، بمبادرة من الجنرال "خورضانا" وعلى نفقة من الحكومة الإسبانية للتحضير لامتحان ولوج مدرسية المناجم، التي سينجح فيها في سنة 1919، وذلك في المحاولة الثانية بعد الرسوب في الأولى سنة 1918.
ويحكي عبد الكريم في هذه المذكرات سعيه في الفترة التي كان فيها بمدريد للتواصل مع سياسيين إسبان ومسؤولين في الدولة، وكيف حظي باستقبال من لدن الملك "ألفونصو الثالث عشر" الذي اوصاه بالمثابرة على مساعدة الإسبان على جعل الريف ينعم بالازدهار، وعلى تخلصيه من حالة الفوضى. ويشير في هذا السياق إلى أن مواقف الإسبان وتصوراتهم كانت على النقيض من مبادئ والده، الذي لم يكن يطمح إلى الازدهار فقط، وإنما كان يطمح إلى الحرية المرادفة لاستقلال الريف.
تضمنت هذه المذكرات معطيات تاريخية مهمة عن مصادر تسلح المقاومة في الريف، وكيف تحول القاضي عبد الكريم الخطابي إلى قائد عسكري، هزم الإسبان في معركتي أنوال وجبل العروي، وكيف عرضت عليه إسبانيا عشرين مليون بسيطة من أجل مهاجمة "المغرب الفرنسي"، وكيف أصبح عبد الكريم الخطاب عقب هاتين المعركتين، أميرا للريف، والجهود التي بذلها لتوحيد الريفيين وتوطيد كتلتهم.
وتورد هذه المذكرات رؤية والد عبد الكريم الخطابي (كان قائد قياد قبيلة بني ورياغل)، وكيف كان يبنى تصوره للحياد، لاسيما بعد أن أخذت الهوة بينه وبين الإسبان تتسع، ويذكر عبد الكريم الخطابي أن فترة عشر سنوات التي قضاها وأخوه في إسبانيا ابانت به عن عجز إسباني مطلق في فهم السياسة الريفية، بل وجهل كبير بالروح الإسلامية، وأن ذلك دفعهم لارتكاب همجية وقساوة غير مسبوقة بسكان المنطقة. ومع ذلك احتفظ والده بنفس موقفه، أي البقاء في منطقة الحياد، حتى ولو اقتضى الأمر اللجوء إلى المنفى في منطقة النفوذ الفرنسي بفاس أو مراكش.
لكن هذا الموقف لم يكن يرضي الإسبان، لأنهم كانوا يريدون من أسرة الخطابي أن تكون خادمة لهم، ولذلك كانون يحاولون نسبة كل الحوادث التي تقع خارج نطاق مسؤولية والده، الذي كان قائد قياد بني ورياغل إليه، سواء تعلق الأمر باضطرابات سياسية، أو جرائم الحق العام، أو جنح عادية. وكان تبريهم لذلك أن والد عبد الكريم الخطابي كان يتبنى الحياد في الظاهر، ويحرك في الباطن العناصر المستفزة للإسبان ممن يعملون لتخريب مصالحهم في المنطقة.
وتشير مذكرات عبد الكريم إلى تغيير تكتيكي في سياسة الإسبان اتجاه والده، حصل في سنة 1920، إذ وجهوا إلى عبد الكريم الخطابي رسالة لاستئناف عمله قاضي القضاة بمليلية، واقترحوا على أخيه متابعة دراسته في مدريد، ووجهت إسبانيا رسالة مماثلة لوالده في نفس الشأن، فكان رده رفض ذهاب عبد الكريم إلى مليلية وأخيه إلى مدريد ما لم تعزم إسبانيا على التعاون مع الأسرة، وتقيم نظاما يحمي المصالح العامة، مما دفع الإسبان إلى شن حملة تشويه في حق والده، بعد أن انتقد بشدة في رسالة موجهة إلى الجنرالين لويس أيثبورو وداماصو بيريغير همجية السلطلات الإسبانية ضد الورياغليين المقيمين في مليلية وتطوان للاعتقال التعسفي وحملات النهب والحرق ضدهم، إذ كانت هذه المحطة بمثابة المنعطف الحاسم في رؤية والد عبد الكريم الخطابي، إذ فارق الحياد، واتجه إلى تنظيم المقاومة.
وتشير مذكرات عبد الكريم لملابسات الوفاة المريبة لوالده، ولا يستبعد الابن (عبد الكريم الخطابي) أن يكون وراءها تسميم بإيعاز من السطات الإسبانية وتنفيذ من طرف القايد عبد السلام التفرسيتي. كما تشير إلى سعي الأخوين إلى تجنب الحرب مع إسبانيا، ومكاتبتها للقائد العام لمليلية الجنرال سلبيستري، ورئيس قسم الشؤون الأهلية المعيد موراليص لمناشدتهم الإقلاع عن سياستهم العدوانية اتجاه الريف، وأن يحاولوا بجدية وبتعاون من أسرة الخطابي على إرساء نظام حكم في الريف، يعود بالنفع على إسبانيا والريف في آن واحد.
وتسجل المذكرات أيضا الجهود التي بذلها الأخوان من أجل تصحيح صوتهما في مزاج أهل الريف، الذين كانوا ينظرون إليهما باعتبارهما عميلين للإسبان، وأنهما مكثا حوالي ستة أشهر في إقناع الريف بأن سياستهما لا تختلف في شيء عن سياسة والدهما، وأنهما يعملان من أجل تحضير الأذهان لخوض حرب وشيكة ضد الإسبان ووضع حد للفوضى وإنشاء التآلف الريفي.
المذكرات والكشف عن الجوانب العسكرية في حياة عبد الكريم الخطابي
تضمنت هذه المذكرات معطيات تاريخية مهمة عن مصادر تسلح المقاومة في الريف، وكيف تحول القاضي عبد الكريم الخطابي إلى قائد عسكري، هزم الإسبان في معركتي أنوال وجبل العروي، وكيف عرضت عليه إسبانيا عشرين مليون بسيطة من أجل مهاجمة "المغرب الفرنسي"، وكيف أصبح عبد الكريم الخطاب عقب هاتين المعركتين، أميرا للريف، والجهود التي بذلها لتوحيد الريفيين وتوطيد كتلتهم.
تقدم هذه المذكرات معطيات مهمة عن نهاية المقاومة الريفية، وأسباب انهيارها بعد الزخم العسكري الذي حققته في معركة أنوال وجبل العروي، إذ يرجع عبد الكريم الخطابي سبب ذلك إلى دور الاستعمار الفرنسي في زرع رجالاته في صفوف القبائل الريفية، واستهدافه الوحدة الريفية ومحاولته استقطاب رجال لقبائل لتقويض الولاء لعبد الكريم الخطابي.
كما تضمنت المذكرات معلومات مهمة عن سفر محمد أخو عبد الكريم الخطابي إلى الجزائر ثم باريس سنة 1922، وكان القصد من السفر لفرنسا محاولة إقناع حكومتها بمصلحتها الكبيرة في مساعدة الريفيين ولو سياسيا، وأن الأمر لم يكن يتعلق بالتحضير للحرب، بل بإيجاد ضمانات لازدهار واستقلال الريف. وتذكر المذكرات أن القصد من زيارة أخ عبد الكريم الخطابي للجزائر هو إقناع بعض التجار بالمساعدة على شراء طائرات، وذلك حتى تستعين المقاومة الريفية بها في رد عدوان الإسبان.
معطيات تاريخية مهمة عن هجوم فرنسا على الريف
إذا كانت معظم الحيثيات التاريخية المتعلقة بحياة عبد الكريم الخطابي وعلاقة أسرته بإسبانيا، وبداية الانعطافة إلى المقاومة، ثم تنظيمها وتحقيق انتصار على الإسبان، والسعي نحو التواصل مع الخارج من أجل الإقناع باستقلال الريف قد أتم تسجيلها في الجزء ألأول من هذه المذكرات، فإن الأجزاء الأخرى (الثلاثة)، ذكرت تفاصيل مهمة عن أسباب هجوم فرنسا على الريف، وأصول بداية الصراع معها، رغم حرص المقاومة الريفية بزعامة عبد الكريم الخطابي على الحفاظ على علاقة جيدة مع فرنسا، وعدم استعدائها في منطقة نفوذها، كما ذكرت حقيقة علاقاته بأنجلترا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا، وموقفه من مؤتمر الخلافة الإسلامية الذي انعقد بالقاهرة سنة 1926، وذكرت موقفه من الدعوة الوهابية، ودعمه لموقفها المنكر للخرافات والبدع، ورفضه تبعية ابن سعود العمياء للسياسة البريطانية.
هزيمة المقاومة الريفية جاءت من الداخل
وتقدم هذه المذكرات معطيات مهمة عن نهاية المقاومة الريفية، وأسباب انهيارها بعد الزخم العسكري الذي حققته في معركة أنوال وجبل العروي، إذ يرجع عبد الكريم الخطابي سبب ذلك إلى دور الاستعمار الفرنسي في زرع رجالاته في صفوف القبائل الريفية، واستهدافه الوحدة الريفية ومحاولته استقطاب رجال لقبائل لتقويض الولاء لعبد الكريم الخطابي. وتقدم المذكرات أيضا معلومات مهمة عن الدور الاستباقي الذي قام به عبد الكريم الخطابي لمواجهة تداعيات هذه السياسية، وكيف سعى لبدء محادثات من أجل إنهاء الحرب، وأنه لهذا الغرض، قبل المشاركة في مؤتمر وجدة، وأن الذي أفشل هذه المحادثات، هو شرط أملته فرنسا على المقاومة الريفية فرنسا، وهو إبعاد عبد الكريم الخطابي إلى المنفى خارج المغرب، وأن هذا الشرط لم يكن مذكورا ضمن الشروط الأربعة التي تم بعثها مع وفد عبد الكريم الخطابي للنظر فيها قبل عقد المؤتمر.
وتروي هذه المذكرات كيف كان مؤتمر وجدة محطة أساسية بالنسبة لعبد الكريم الخطابي ليدرك وجود تواطؤ إسباني فرنسي ضده لتقويض المقاومة في الريف، فاجتمع العامل الداخلي المتمثل في تقويض الوحدة الداخلية للريفيين عبر استقطاب رجالات القبائل وزرع عملاء للاستعمار الفرنسي داخل الريف، مع اتفاق فرنسي إسباني ضد عبد الكريم الخطابي، فانتهى به الموقف إلى الاستسلام بعد يقينه بتعب القبائل وضعف الوحدة الداخلية وتواطؤ الأداء ضدها. ويذكر عبد الكريم الخطابي أن خياره الاستراتيجي كان هو الحرب مع رجاله إلى الموت لو أن فرنسا بقيت في خط الحياد ولم تتواطأ مع إسبانيا لحربه.