تقارير

مدينة الفحم والأخشاب ومهرجان "الأقصى في خطر"

كاريكاتير للفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي لأم الفحم
كاريكاتير للفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي لأم الفحم

شهرتها تحت اسم "أم الفحم" لم يمنع أهلها من تسميتها "أم النور"، ليس هروبا من اسمها المتداول على مدى مئات السنين وإنما نوعا من العرفان لصناعة الفحم التي اشتهرت بها هذه القرية التي أُطلق عليها في عهد السلاطين، بعد معركة حطين، اسم "السلطانة" لقربها من طريق وادي عارة التاريخي الذي مر منه العديد من السلاطين والملوك أثناء توجههم إلى بلاد الشام ومصر.

تقع مدينة أم الفحم شمال فلسطين المحتلة عام 1948، ضمن منطقة حيفا وفق التقسيم الإداري الحالي، وأصبحت منذ عام 1985 مدينة معترفا بها. وتقع على الشارع الرئيسي الممتد بين مدينتي الخضيرة والعفولة، وتبعد عن مدينة القدس 120 كم تقريبا إلى الشمال منها.

 

                               منظر عام لمدينة أم الفحم


تغيرت مساحة أم الفحم كثيرا منذ احتلالها عام 1948، فقد وصلت مساحة أراضيها قبل الاحتلال إلى 145 ألف دونم، وتقلصت إلى 27 ألف دونم بفعل المصادرات والضغوط التي يمارسها الاحتلال، وخاصة الاستيطان الذي حاصر المدينة.

تتمتع المدينة التي تبعد نحو 25 كلم غربي جنين شمال الضفة الغربية، ببيئة جميلة كثيرة الأشجار والغابات، شكلت في كثير من المراحل مصادر رزق لأهالي المدينة، وخاصة في صناعة الفحم والأخشاب. ويقال إن أحد أسباب تسمية "أم الفحم" بهذا الاسم هو الفحم الذي كان ينتج في المدينة بكثرة ويعد أحد أهم مصادر رزق السكان، وعرف به تجار المدينة أيضا لسنوات طويلة.

تعتبر أم الفحم مركزا تجاريا لقرى ومدن المثلث المحيطة بها، وتنتشر فيها المراكز التجارية المختلفة التي يؤمها سكان البلاد، كما تشتهر فيها الزراعة إضافة إلى تجارة القماش.

وتعد جبال أم الفحم امتدادا لسلسلة جبال نابلس التي تمتد شمالا حتى مرج ابن عامر، ومن الجنوب حتى جبال القدس، وهي مكونة من العديد من المرتفعات والتلال المحيطة بالبلدة من كل جوانبها، وأشهرها جبل إسكندر وارتفاعه 521 مترا عن سطح البحر.

 

                    جبل إسكندر تعتبر قمته الأعلى في منطقة المثلث

ويصل عدد سكانها إلى نحو 60 ألف نسمة. وهي من المدن القليلة التي بقي أهلها العرب فيها ولم يهجروها، وأصبحت اليوم ثالث أكبر مدينة عربية في شمال فلسطين المحتلة من حيث عدد السكان الذين يعيش بينهم العديد من العائلات التي نزحت من مختلف المناطق الفلسطينية أثناء النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967 التي تعرضت لها فلسطين، فقد جاء قسم منهم من مدينة الخليل، وتحديدا من بيت جبرين، وتل الصافي، كما جاء قسم منهم من مصر أثناء حملة محمد علي باشا في بلاد الشام.

تاريخيا فقد دلت المكتشفات الأثرية التي عثر عليها في أم الفحم وضواحيها على أن هذه البلدة قائمة منذ آلاف السنين، منذ العصر الكنعاني أو ربما قبل ذلك، مع الاعتقاد بأنها كان لها اسم آخر غير المتعارف عليه اليوم.

كما أنه عثر على مقابر تعود إلى العصر الكنعاني في المنطقة، ما يثبت أن تاريخ البلدة يعود إلى ما يقارب الخمسة آلاف عام، ويوجد على قمة جبل إسكندر مقام تاريخي يعرف باسم مقام الشيخ إسكندر.


وتأسست المدينة المعاصرة حوالي عام 1265 للميلاد، حينما ورد اسمها لأول مرة في وثيقة توزيع الممتلكات التي أجراها السلطان الظاهر بيبرس بين جنوده، وكانت أم الفحم من نصيب الأمير جمال الدين آقوش النجيبي نائب السلطنة.

وبعد توقيع اتفاقية رودوس بين الاحتلال والأردن تقرر تسليم أم الفحم وقراها ومنطقة المثلث لـ"الدولة العبرية" وفي صباح يوم 20 أيار/ مايو عام 1949، دخلت القوات الإسرائيلية قرية أم الفحم واجتمعت بالأهالي وسلم الجميع سلاحهم إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي لتبدأ صفحة جديدة من حياة أم الفحم تحت الحكم الإسرائيلي.

وتحتضن أم الفحم بشكل أساسي نشاط الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، ومنها ينحدر رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين 1948، الشيخ رائد صلاح المعتقل حاليا.. وكان وراء "مهرجان الأقصى في خطر" الذي يقام سنويا في أم الفحم وكان يحضره عشرات الآلاف من فلسطينيي الداخل. 

وفي العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة تظاهر نحو 4 آلاف فلسطيني في التظاهرة التي دعت إليها اللجنة الشعبية بمدينة أم الفحم تحت عنوان "نحمي شعبنا.. ويحمينا"، ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية، وأنشدوا أغاني وطنية، من بينها "بكتب اسمك يا بلادي".

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت زيارة مقررة إلى مدينة أم الفحم بسبب دعوات فلسطينية لمنعه من الزيارة.

وكانت الزيارة ستتزامن مع الذكرى الـ21 لاستشهاد 13 فلسطينينا في "هبة الأقصى" التي اندلعت في المناطق العربية في فلسطين المحتلة عام 1948.

 

               حي الميدان- منطقة الإغبارية من أقدم الأحياء في المدينة 


وكانت الأحداث وقعت عندما رفض المواطنون العرب في الداخل الفلسطيني اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون، لساحات المسجد الأقصى نهاية أيلول/ سبتمبر عام 2000، و"المجزرة" التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية عقب اقتحام ساحات المسجد، والتي قتل فيها عدد من الفلسطينيين الموجودين داخل الحرم.

وثمة صورة نمطية لمدينة أم الفحم لدى الوسط اليهودي بكونها المدينة العربية الأكثر "تطرفا" بسبب صمود واحتفاظ أهلها بالهوية الوطنية الفلسطينية، ويقال إن هناك مخططا لضمها إلى السلطة الفلسطينية في أي تسوية محتملة للتخلص من مقاومة المدينة لأي خطط استيطانية على أراضيها. 

المراجع

ـ موقع بلدية أم الفحم.
ـ وجدي حسن جميل، أم فحم واللجون رحلة عبر الزمن، كتاب.
ـ الجزيرة نت، أم الفحم، 8/11/2014.
ـ شهيرة دعدوع، موقع موضوع، معلومات عن مدينة أم الفحم، 14/6/2017.
ـ مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، جنين وطولكرم، ص 174. 


التعليقات (0)