هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم تتوقف مواجهة ومقاومة جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال هجومه وحصاره لبيروت صيف عام 1982، لم تتوقف عند حدود الجبهات العسكرية، بل ابتكرت ثلة من المثقفين الفلسطينيين وإخوانهم العرب وسيلة أخرى للمقاومة؛ هي الكلمة لشحذ همم المقاتلين على خط النار، فانطلقت خلال الحصار صحيفة "المعركة" ناطقة باسم المقاومة..
ومن المثقفين الذين ساهموا بها الأديب الراحل غالب هلسا والأديب والناقد عز الدين المناصرة، وعبد القادر ياسين، والرسام منير متولي، ومن خلفهم الشاعر الراحل الحاضر محمود درويش؛ ليترأس تحريرها الروائي والكاتب زياد عبد الفتاح على امتداد (66) عددا. كما أصدر الشهيد علي فودة صحيفته رصيف 81 لتكون هي الأخرى كلمة أقوى من الرصاص، فما هي سيرة كل من الصحيفتين؟
زياد عبد الفتاح وقصة صحيفة المعركة
زياد عبد الفتاح؛ هو روائي وكاتب فلسطيني ولد في مدينة طولكرم بالضفة الغربية بتاريخ 3 آذار/ مارس 1939، تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس مدينته طولكرم، وأنهى الثانوية العامة في المدرسة الفاضلية العريقة بالمدينة، حصل على دبلوم في التربية وعلم النفس، وعمل معلمًا لمدة ثلاث سنوات في عدد من المدارس، ثم انتقل إلى الكويت حيث عمل هناك معلمًا لمدة خمس سنوات، وقد شهدت تلك الفترة آنذاك انطلاقة حركة "فتح"، فانتسب زياد إلى الحركة، ثم طلبت منه القيادة الفلسطينية عام 1968 الذهاب إلى مصر لتأسيس "إذاعة العاصفة" في القاهرة.
مع بداية العمل في القاهرة التحق زياد بجامعة عين شمس في تخصص الحقوق، حيث تخرج ونال الشهادة الجامعية لاحقًا في عام 1975. في عام 1971 أسس إذاعة درعا في سوريا وبعدها بتسعة أشهر انتقل إلى بيروت، حيث أسس هناك وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) عام 1972، وتولى مباشرة رئاستها بموجب قرار صدر عن منظمة التحرير الفلسطينية بتاريخ 5 حزيران (يونيو) 1972، كما تولى هناك رئاسة تحرير "مجلة فلسطين الثورة" وهي المجلة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في عام 1974 تولى رئاسة الفريق الإعلامي الفلسطيني في نيويورك، حيث رافق ياسر عرفات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي عام 1978 تولى رئاسة اتحاد وكالات الأنباء العربية، وفي عام 1982 أسس "صحيفة المعركة" في بيروت تحت نيران الحرب، وقد نجا من الموت في أكثر من حادثة.
بعد ذلك غادر مع الرئيس ياسر عرفات إلى تونس، واستمر هناك في رئاسة وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" حتى توقيع اتفاقية أوسلو وعودته إلى فلسطين عام 1994، ثم كلفه الرئيس ياسر عرفات مجدداً برئاسة وكالة "وفا" عقب الوصول إلى الوطن وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية.
وفي 12 شباط (فبراير) 1996 صدر مرسوم رئاسي من الرئيس ياسر عرفات يقضي بتأسيس الهيئة العامة للاستعلامات الفلسطينية، وتكليف زياد عبد الفتاح برئاستها كأول رئيس لها إلى جانب مهامه في "وفا". وفي عام 1997 صدر مرسوم رئاسي يقضي بإنشاء المكتبة الوطنية الفلسطينية وكان زياد عبد الفتاح أول رئيس لها. كما تولى رئاسة تحرير "مجلة رؤية" المختصة بالشأن الفلسطيني والصادرة عام 2000 عن الهيئة العامة للاستعلامات. في تاريخ 26 أيار (مايو) 2005 أنهى زياد عبد الفتاح رئاسته لكل من وكالة الأنباء الفلسطينية والهيئة العامة للاستعلامات الفلسطينية.
شارك زياد عبد الفتاح في عدد كبير من المؤتمرات العالمية والثقافية منها معرض القاهرة الدولي للكتاب، وقد زار معظم أقطار العالم خلال عمله الأدبي والإعلامي، كما تولى رئاسة تحرير مجلة "لوتس" الأدبية الناطقة باسم اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا لمدة خمسة أعوام. وهو أحد مؤسسي الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وعضو الأمانة العامة لاتحاد الصحفيين العرب.
أهم مؤلفاته: "بلاغ خاص لأحد الرجال العاديين"، مجموعة قصصية، صدرت عام 1976. "قمر على بيروت"، مجموعة قصصية، عام 1992، وصدرت عن دار العودة. "قطة سوداء في الشارع الأخير"، صدرت عام 1984. "الأسنان البيضاء"، صدرت عام 1986. "وداعًا مريم"، صدرت بتاريخ 1 يناير 1992، عن دار ابن رشد للطباعة والنشر في بيروت. "المعبر"، رواية، صدرت عام 2002، عن دار الهلال للطباعة في القاهرة. "ما علينا"، رواية، صدرت عام 2004 عن دار الهلال في القاهرة.
"دار الجيش"، رواية، صدرت عام 2010، القاهرة. "ورق حرير"، رواية، صدرت عام 2014، عن دار ميريت للنشر بالقاهرة. "البحر يغضب"، مجموعة قصصية، عام 2014، عن دار الرعاة للنشر. "القرى المهجرة"، كتاب صدر عام 2015. "الرتنو"، راوية، صدرت عام 2017، عن دار كل شيء للنشر، بحضور وزير الثقافة الفلسطيني إيهاب بسيسو، وتقع في 324 صفحة. "صاقل الماس"، كتاب صدر عام 2019، عن دار كل شيء للنشر، ويقع الكتاب في 308 صفحة، وقد كشف فيه زياد عبد الفتاح عن معلومات تنشر لأول مرة عن صديقه المقرب الشاعر محمود درويش.
يذكر بأن زياد عبد الفتاح كتب برفقة محمود درويش كافة خطابات الرئيس ياسر عرفات. وقد ترأس صحيفة "المعركة" في بيروت خلال حصارها من الجيش الاسرائيلي خلال صيف عام 1982 وبموافقة الشاعر الراحل محمود درويش؛ وهي الناطقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية؛ وكان هدفها شحد الهمم لصد العدوان الاسرائيلي ومقاومته ودحره؛ وقد عمل في الصحيفة خلال الحصار كل من الكاتب والمؤرخ عبد القادر ياسين، والاديب والناقد الراحل عزالدين المناصرة والراحل الأديب غالب هلسا وكان يخرج الصحيفة الرسام منير الشعراني ويشارك في الكتابة في صفحاتها وبحرية ثلة من المثقفين العرب؛ وقد صدر 60 عدداً من صحيفة المعركة .
علي فودة وقصة رصيف 81
عدد قليل من المثقفين الفلسطينيين والعرب يعرفون الشاعر علي فودة ونتاجاته الأدبية، لكنه عرف من قبل المقاتلين الفلسطينيين على نطاق واسع اثناء حصار الجيش الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية بيروت.
علي فودة؛ هو شاعر وكاتب فلسطيني مواليد قرية قنبر في قضاء حيفا عام 1946؛ وهجرّ إلى مخيم الجنزور قرب جنين علي فودة من مواليد قرية قنير ـ حيفا عام 1946م، وهجّر بعد أقل من عامين إلى مخيم جنزور قرب جنين، وبعدها بعامين انتقل أهالي المخيم إلى مخيم نور شمس في طولكرم، وفي سن السابعة فقد أمه.. أكمل تعليمه، ودرس في معهد المعلمين في حوارة ثم في إربد، وعمل مدرساً في أم عبهرة ـ مرج الحمام بالقرب من عمّان.
برز خلال فترة حصار بيروت كواحد من الجيل الثاني لـ"شعراء المقاومة"، واستُشهد إثر القصف الإسرائيلي لبيروت، بينما كان يوزّع صحيفة "رصيف 81"؛ التي كان يصدرها مع أصدقائه. كان شاعراً ملتزماً بهموم شعبه، ملتحماً بقواه الشعبية الداعية للثورة والمقاومة والتحرير". وهو كاتب قصيدة "إني اخترتك يا وطني" التي غناها مارسيل خليفة ولاقت شهرةً كبيرة.
وفي منتصف آب/ أغسطس 1982، وفي ذروة اشتداد القصف الإسرائيلي لبيروت من الجو والبر والبحر، كان علي فودة يوزّع على المقاتلين في عين المريسة ببيروت، جريدته التي أسسها مع زميله رسمي أبو علي، وأطلق عيها اسم "الرصيف". سقطت قذيفة على علي فودة فأصيب بجروح خطيرة، ليستشهد بعدها بأيام، ويكون من القلائل الذين قرأوا ما كتب فيهم من رثاء قبل موتهم، حيث أعلن استشهاده وهو حي.
وقد أصدر الشهيد علي فودة خمس مجموعات شعرية: "فلسطيني كحد السيف" (1969)، و"قصائد من عيون امرأة" (1973)، و"عواء الذئب" (1977)، و"الغجري" (1981)، و"منشورات سرية للعشب" (1982). كما أنه أصدر روايتين: "الفلسطيني الطيب" (1979)، و"أعواد المشانق" (1983).
ويبقى القول إنه عند استحضارنا لسيرة الرمزين زياد عبد الفتاح وعلي فودة؛ إنما نستحضر قصة صحيفتين مقاومتين بالكلمة تحت الحصار، ساهمتا في ترسيخ هوية الانتماء لفلسطين؛ وتلك هي مهمة المثقف الشامل .
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا