كتاب عربي 21

حسابات الربح والخسارة لتركيا في أزمة السفراء

سعيد الحاج
1300x600
1300x600
انتهت الأزمة بين تركيا وعشر دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ إثر البيان المشترك الذي أصدره سفراؤها بخصوص رجل الأعمال التركي عثمان كافالا.

فقد كان سفراء الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وهولندا والدنمارك وفنلندا والسويد والنروج وكندا ونيوزلندا؛ أصدروا تصريحا مشتركا يدعو تركيا لـ"إطلاق سراح كافالا فورا"، وتسريع البت في القضايا المرفوعة ضده، "بما يتناسب مع مسؤوليات تركيا الدولية وقوانينها المحلية".

وكافالا هو رجل أعمال متهم بالضلوع في أحداث جزي بارك (2013) والمحاولة الانقلابية الفاشلة (2016) وأعمال جاسوسية، وموقوف منذ 2017 على ذمة هذه القضايا التي لم يصدر بها حكم نهائي بعد، وترى فيه أنقرة امتدادا تركيا لرجل الأعمال المجري جورج سوروس؛ المتهم بمحاولة زعزعة الحكم في بعض البلاد، فضلا عن اتهامه بدعم حزب العمال الكردستاني.
نُظر للبيان على أنه تراجع ضمني عن البيان السابق، وخطوة تسعى لعدم تفاقم الأزمة بين تركيا وهذه الدول، بعد أن هدد أردوغان بإعلان سفرائها أشخاصا غير مرغوب بهم

انتهت الأزمة ببيان أصدرته السفارة الأمريكية في تركيا وكررت نشره بعض الدول التي شارك سفراؤها في البيان الأول، ويؤكد التزام هذه الدول وسفرائها بحدود العمل الدبلوماسي في ما يتعلق بعدم التدخل في الشؤون الداخلية التركية، فضلا عن توجيه تعليمات أو توجيهات للقضاء التركي. نُظر للبيان على أنه تراجع ضمني عن البيان السابق، وخطوة تسعى لعدم تفاقم الأزمة بين تركيا وهذه الدول، بعد أن هدد أردوغان بإعلان سفرائها أشخاصا غير مرغوب بهم (Personna Non Grata) على الأراضي التركية، أي طردهم، بل قال إنه أصدر تعليماته فعلا للخارجية التركية لتنفيذ ذلك.

فمن الذي كسب ومن الذي خسر في هذه الأزمة أو الجولة؟

في المقام الأول، كسبت تركيا موقفا مقابل هذه الدول، حين أصرت على مبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية من قبل السفراء، في خرق واضح - وغريب في الآن نفسه – للأعراف الدبلوماسية. فقد جاء البيان الثاني للسفارة الأمريكية في أنقرة – الذي أعادت نشره السفارات الأخرى – تراجعا ضمنيا مقابل تركيا واعترافا بالخطأ الدبلوماسي الذي حصل تجاهها.

كما أنه أظهر أنقرة، ولا سيما الرئيس أردوغان، في موقف حازم وحاسم، وأن الطرف الآخر هو الذي اضطر للتراجع أمامه، وهو أمر في غاية الأهمية لأردوغان داخليا في الفترة الحالية، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
أفاد هذا التطور تركيا من زاوية ثانية؛ أنه جنبها أزمة دبلوماسية مع الدول العشر، وربما دول أخرى كانت ستتضامن معها، لتكون الأزمة الدبلوماسية الأكبر لها منذ عقود طويلة، وبتداعيات سياسية واقتصادية هي في غنى عنها، في ظل الظروف الاقتصادية القائمة واقتراب الاستحقاق الانتخابي

وقد أفاد هذا التطور تركيا من زاوية ثانية؛ أنه جنبها أزمة دبلوماسية مع الدول العشر، وربما دول أخرى كانت ستتضامن معها، لتكون الأزمة الدبلوماسية الأكبر لها منذ عقود طويلة، وبتداعيات سياسية واقتصادية هي في غنى عنها، في ظل الظروف الاقتصادية القائمة واقتراب الاستحقاق الانتخابي نسبيا.

لكن، من جهة ثانية، يصعب القول إن تركيا خرجت من هذه الأزمة بانتصار كامل، وإنما هو مكسب تكتيكي ومرحلي. فمن جهة، لم يكن تراجع الدول العشر كاملا، إذ لم ترد إشارة للموضوع الرئيس وهو قضية كافالا، وإنما كانت التغريدة التي نشرتها السفارة الأمريكية في أنقرة مقتضبة جدا، بتأكيد التزامها بمبدأ عدم تدخل السفراء في الشؤون الداخلية للدول، كما أن التغريدة لم يكن فيها اعتذار مثلا أو تصحيح للموقف أو شرح له، وإنما هذا التأكيد النظري وحسب.

ومن ثم، وكأن الدول العشر بقيادة الولايات المتحدة تقول ضمنا؛ إنها ما زالت على الموقف ذاته من القضية ومن تركيا، ولكنها تصحح فقط الصورة التي ظهرت بها وكأنها تتدخل في شؤون تركيا الداخلية، أي الأسلوب وليس المضمون، الشكل وليس الجوهر. أكثر من ذلك، التغريدة نفسها يمكن فهمها على أنها تأكيد من هذه الدول أن البيان الأول لم يكن تدخلا في الشأن التركي، ويمكن فهمها من زاوية ثالثة على أنها سلم للنزول عن شجرة الموقف التركي عالي السقف الذي أعلنه أردوغان، لكن دون تغيير حقيقي في موقف هذه الدول.
كأن الدول العشر بقيادة الولايات المتحدة تقول ضمنا؛ إنها ما زالت على الموقف ذاته من القضية ومن تركيا، ولكنها تصحح فقط الصورة التي ظهرت بها وكأنها تتدخل في شؤون تركيا الداخلية، أي الأسلوب وليس المضمون، الشكل وليس الجوهر

أيضا، من المهم الإشارة إلى أن الثغرات التي تسلل منها الموقف الغربي في قضية عثمان كافالا، ماتزال قائمة، وفي مقدمتها طول فترة الاعتقال على ذمة القضايا وعدم الالتزام بقرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، وهو ما لا ينكره سياسيون وحقوقيون أتراك حتى من المقربين من الحكومة وحزب العدالة والتنمية.

ومن ثم، بناء على كل ما سبق، يبدو أن حل الأزمة كان مرحليا ومؤقتا، أو لنقل إنها كانت خطوة لنزع فتيل أزمة أكبر. لكن استمرار الملفات الخلافية بين الجانبين من جهة، واقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2023 من جهة ثانية؛ ينبئان بجولات جديدة وإضافية ولأسباب متنوعة في هذا المسار.

ويبدو، من عدة مؤشرات، أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى قد قررت الدخول على خط هذه الانتخابات التي بات يُنظر لها على أنها استثنائية وحاسمة، وسترسم شكل تركيا داخليا وسياساتها الخارجية لسنوات عديدة قادمة، ما يعني أننا تابعنا جولة واحدة فقط من أزمة مركبة من سلسلة من الجولات، وغالب الظن أننا سنشهد إحداها أو بعضها قريبا.

twitter.com/saidelhaj
التعليقات (0)