هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حظيت جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أنغولا وتوغو ونيجيريا بين ١٧ و٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) باهتمام بالغ من قبل المتابعين على أكثر من صعيد، وذلك قبل أيام من احتضان أنقرة منتدى الاقتصاد والأعمال التركي ـ الأفريقي الثالث، وقمّة الشراكة التركية ـ الأفريقية الثالثة.
هدفت الزيارة إلى تعزيز التعاون بين أنقرة وهذه البلدان على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنيّة، وحملت معها تأكيدا على استمرار تركيا في سياسة الانفتاح على الشراكة المتساوية مع دول القارة السمراء. الجانب التركي كان سبّاقاً في ما يتعلق بالتعاون في مجال المساعدات الإنسانية وهو يركّز في خطاباته على ضرورة التخلّص من مخلّفات السياسات الاستعمارية والتركيز على تحقيق الشراكة والتكامل وسياسة الربح المتبادل.
خلال العقدين الماضيين، نجحت أنقرة في زيادة نفوذها في أفريقيا بشكل تدريجي لكن سريع، فارتفع حجم التمثيل الدبلوماسي من ١٢ سفارة في العام ٢٠٠٣ إلى ٤٢ في العام ٢٠٢١. ترافق ذلك مع ارتفاع في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر لتركيا في دول القارة من ١٠٠ مليون دولار إلى حوالي ٦,٥ مليار دولار، وزيادة حجم التبادل التجاري أكثر من ٥ أضعاف، وتوسيع الخطوط الجوية التركية نطاق عملها إلى ٥١ مدينة أفريقية. ويعتبر الرئيس أردوغان الزعيم الأكثر زيارة للدول الأفريقية في العالم بواقع ٤٦ زيارة إلى ٣٠ بلداً أفريقياً.
رحلة تعزيز علاقات تركيا مع القارة الأفريقية بدأت عندما تمّ تعيين أنقرة كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي في العام ٢٠٠٥، وإعلانها شريكاً استراتيجياً في العام ٢٠٠٨. بعدها بخمس سنوات، أطلقت أنقرة سياسة الشراكة مع أفريقيا، وإن كان التركيز في علاقات تركيا بدول القارة قد طال في بداية الأمر المستويات الإنسانية والدبلوماسية والاقتصادية، فإنّ عنصراً إضافياً كان قد دخل على المعادلة بقوّة مؤخراً وهو التعاون الأمني والدفاعي.
المعدات الدفاعية محليّة الصنع في تركيا تلقى رواجاً كبيراً وسريعاً في أفريقيا وآسيا وأوروبا. وتحتل المدرعات والطائرات المسيّرة الهجومية رأس أجندة المباحثات عندما يتعلق الأمر بمناقشة التعاون الدفاعي بين تركيا وبلدان القارة الأفريقية، بينما يلقى التعاون الأمني اهتماماً أوسع في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف والاستفادة من خبرة تركيا في هذا المجال. خلال الزيارة التي قام بها أردوغان مؤخراً، تمّت مناقشة إمكانية بيع مسيّرات بيرقدار (تي بي ٢) التي اكتسبت شهرة واسعة نتيجة أدائها المتطور في سوريا وليبيا وأذربيجان لكل من أنغولا ونيجيريا.
وقد باعت أنقرة مسيّراتها المتطورة هذه إلى عدد من بلدان العالم بلغ عددهم خلال فترة وجيزة جداً ١٣ بلدا من بينها بلدان مثل أوكرانيا وبولندا؛ العضو في حلف شمال الأطلسي وأوروبا. وتعتبر قطر من أوائل الدول التي حصلت على مسيّرات (تي بي ٢) بوصفها حليفا استراتيجيا لأنقرة، أمّا في القارة الأفريقية، فتعتبر تونس إضافة إلى كل من المغرب وليبيا من أوائل الدول التي حصلت على مسيّرات تركيّة. وتشير بعض التقارير إلى أنّ إثيوبيا كانت قد تلقّت بالفعل عدداً محدوداً من المسيّرات التركية فيما تتقدّم بلدان أفريقيا بطلبات لمناقشة شراء المسيّرات التركية.
ويشير الانفتاح التركي المتعدد الأبعاد على القارة الأفريقية إلى أنّ أنقرة بدأت توازن قوّتها الناعمة هناك بقوّتها الصلبة أيضاً. ويعتبر تواجدها العسكري في الصومال وليبيا علاوةً على ارتفاع أسهم صناعاتها الدفاعية في أفريقيا مؤشرا على ذلك. الانفتاح السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري التركي على الدول الأفريقية لا يتناسب مع أجندات العديد من القوى في العالم، لا سيما بعض القوى الغربية التي لطالما اعتبرت أفريقيا بمثابة ساحة خلفيّة لها.
الاهتمام الفرنسي بالتحركات التركية في أفريقيا يعبّر عن هذه الشريحة من الدول الغربية التي تعمل على محاولة تقويض الانفتاح التركي على أفريقيا. باريس بوصفها قوّة متراجعة على المستوى الدولي بدأت تفقد نفوذها التقليدي في القارة السمراء بشكل تدريجي خلال العقدين الماضيين. العجرفة الفرنسية والاستعمار الثقافي إضافة إلى تاريخها الدموي يحول دون إمكانية الحفاظ على ثروات إرثها الاستعماري الى ما لا نهاية في وقت لا يبدو فيه اللاعب التركي مثقلاً بهذه الأثقال في تحركّه باتجاه أفريقيا.
الانفتاح السياسي والدبلوماسي والإقتصادي والعسكري التركي على الدول الأفريقية لا يتناسب مع أجندات العديد من القوى في العالم، لاسيما بعض القوى الغربية التي لطالما اعتبرت أفريقيا بمثابة ساحة خلفيّة لها.
خلال العقدين الماضيين، عزّزت سياسة الانفتاح التركي على أفريقيا واستراتيجية الشراكة القائم معها من وزن تركيا الدبلوماسي والاقتصادي وأمنّت زخماً لأنقرة بوصفها قوّة صاعدة. التركيز على الدبلوماسية الإنسانية كانت مدخلاً مهماً لأنقرة في أفريقيا يجب الحفاظ عليه وتعزيزه خلال المرحلة المقبلة لكن الشراكة الأمنيّة، إن نجحت، فستكون العنوان الأبرز في تثبيت دعائم هذه الشراكة على المدى الطويل وتوسيع مساحة التعاون الاقتصادي بشكل كبير.
يبقى أن نشير إلى أنّه ما كان لاستراتيجية أنقرة تجاه محيطها الخارجي أن تنجح خلال العقدين الماضيين لولا وجود إرادة سياسية واستقرار إجتماعي وأمني واقتصاد محلي قوي، فإذا ما تعرّضت هذه العناصر إلى أضرار داخل تركيا، فقد يحرمها ذلك من مواصلة استراتيجيتها على المدى المتوسط والبعيد، ويضيع جهد عقدين من الزمن.