نشرت السفارة الأمريكية لدى أنقرة، الاثنين، بيانا
تعهدت فيه بمراعاة المادة 41 من اتفاقية فيينا التي تنص على "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، كما صدرت من الدول التسع الأخرى التي سبق أن طالبت بإطلاق سراح رجل الأعمال التركي عثمان كافالا، بيانات مماثلة لبيان السفارة الأمريكية. وفي أول تعليق تركي، ذكرت مصادر في رئاسة الجمهورية التركية أن الرئيس رجب طيب أردوغان رحَّب بتلك البيانات.
هذه الخطوة التي يمكن اعتبارها "اعتذارا دبلوماسيا" وتراجعا عن الموقف السابق الذي أعلنته السفارات العشر في بيان مشترك دعت فيه إلى الإفراج عن كافالا، جاءت بعد أن صرح أردوغان بأنه أعطى وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو تعليمات لإعلان سفراء الدول العشر "أشخاصا غير مرغوب بهم"، وإعلام هؤلاء السفراء بالقرار في أسرع وقت. وبالتالي، سجلت في خانة أنقرة كـ"انتصار دبلوماسي".
البيان المشترك الذي أصدره عشرة سفراء في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري لم يكن مجرد محاولة للتدخل في شؤون
تركيا الداخلية وعدم الاحترام لسيادتها، بل كان أكبر من ذلك، حيث دعا رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، كافة البيروقراطيين والموظفين العاملين في وزارات الدولة ومؤسساتها، إلى التمرد على الحكومة وعدم تطبيق قراراتها التي وصفها بــ"غير المشروعة"، اعتبارا من ذات اليوم الذي صدر فيه بيان السفراء، وهددهم بأنهم سيتحملون مسؤولية الالتزام بتلك القرارات.
البيان المشترك الذي أصدره عشرة سفراء في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري لم يكن مجرد محاولة للتدخل في شؤون تركيا الداخلية وعدم الاحترام لسيادتها، بل كان أكبر من ذلك، حيث دعا رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، كافة البيروقراطيين والموظفين العاملين في وزارات الدولة ومؤسساتها، إلى التمرد على الحكومة وعدم تطبيق قراراتها
يبدو أن الدول العشر التي أصدرت البيان المشترك توهمت لوهلة بأنها يمكن أن تدفع أنقرة إلى الاستسلام والخضوع لمطالبها، خوفا من تفاقم الأزمة واستمرار تراجع
الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، كما ظنت أن الدعوة التي وجهها رئيس حزب الشعب الجمهوري إلى البيروقراطيين والموظفين ستزيد مفعول ذاك الخوف، إلا أنها أخطأت في حساباتها واصطدمت خطتها بحنكة أردوغان وموقفه الحازم.
هؤلاء السفراء لو درسوا شخصية رئيس الجمهورية التركي لعرفوا أن موقفه يتصلب أكثر أمام محاولات التهديد والابتزاز، كما أنهم نسوا أن تركيا اليوم ليست كتلك القديمة التي كانت الحكومة المدنية فيها ترتعش خوفا أمام مثل هذه البيانات. وكانت الحكومة المدنية المنتخبة كسرت حاجز الخوف في نيسان/ أبريل 2007، حين نشرت القوات المسلحة التركية في ساعات متأخرة بيانا على موقع رئاسة الأركان التركية، لتعلن فيه اعتراضها على ترشيح عبد الله غول لرئاسة الجمهورية دون ذكر اسمه. وردت الحكومة آنذاك على بيان العسكر وتدخله في الشؤون السياسية، بلهجة شديدة غير مسبوقة، مشيرة إلى أن رئاسة الأركان تابعة لرئيس الحكومة، كما ألح حزب العدالة والتنمية على ترشيح غول لرئاسة الجمهورية بعد الانتخابات المبكرة.
أردوغان، ولأول مرة في تاريخ البلاد المليء بالانقلابات، دعا الشعب التركي ليلة محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو 2016، للنزول إلى الشوارع والساحات والتصدي للانقلابيين، واختار المواجهة بدلا من الاستسلام، الأمر الذي أربك حسابات الانقلابيين وأفشل خططهم. وفي قضية بيان السفراء العشرة، أبدى الحزم ذاته للدفاع عن سيادة بلاده، كما فعل في تلك الليلة لحماية إرادة شعبه. وبدلا من الاستسلام خوفا من الأزمة، رفض البيان الذي يشبه بيانات الانقلابيين إلى حد كبير، وأعلن أنه مستعد للتصعيد ومواجهة أزمة أكبر، ليربك الدول العشر ويفشل حساباتها وأدواتها في الداخل.
تراجع السفارة الأمريكية عن البيان المشترك الذي لم يسفر عن النتائج التي كانت تحلم بها، يشير إلى أن الولايات المتحدة تدرك أهمية تركيا في المعادلات الإقليمية والدولية. وهذا ما أكده المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس
المعارضة التركية، على رأسها حزب الشعب الجمهوري، وقفت في الأزمة الأخيرة إلى جانب السفراء، وأيَّدت البيان المشترك، إلا أنها أصبحت في وضع حرج لا تحسد عليه بعد تراجع السفارات العشر. وبدأ بعض الإعلاميين المعارضين في الهجوم على السفارات التي نشرت بيانات لإعلان التزامها بالمادة 41 من اتفاقية فيينا، ووصفوها بـ"الخرقاء"، لعدم ثباتها على موقفها الأول، وإصدارها بيانات تصب في صالح الحكومة. وبعد انتهاء الأزمة بتراجع السفارات العشر، لم يبق لدى المعارضة التركية غير "عار الاصطفاف مع السفراء الأجانب ضد سيادة تركيا".
تراجع السفارة الأمريكية عن البيان المشترك الذي لم يسفر عن النتائج التي كانت تحلم بها، يشير إلى أن الولايات المتحدة تدرك أهمية تركيا في المعادلات الإقليمية والدولية. وهذا ما أكده المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، حين قال في إفادة صحفية، الاثنين، إن "إدارة الرئيس جو بايدن تسعى للتعاون مع تركيا في إطار الأولويات المشتركة"، مضيفا أن واشنطن "ستواصل اللجوء إلى طريق الحوار من أجل حل أي خلاف مع حليفتها في الناتو"، ما يعني أن
العلاقات التركية الأمريكية لن تتدهور أكثر في المستقبل القريب، وأن الإدارة الأمريكية لن تقوم بالتصعيد ضد أنقرة، مخيِّبة آمال المعارضة التركية.
twitter.com/ismail_yasa