كتاب عربي 21

الولايات المتّحدة وجهود إحياء نظام الأسد

علي باكير
1300x600
1300x600

نشرت مجلة نيوزويك الأمريكية الأسبوع المنصرم مقالاً رئيسياً للغلاف تحت عنوان "بشار الأسد يعود إلى المسروح العالمي.. هزيمة للولايات المتّحدة وانتصار لأعدائها". المقال كتبه توم أو كونور ويقول فيه إنّ بشار الأسد لم يكتف بالصمود والبقاء بعد أن تحوّل إلى منبوذ على الساحة الدولة لحوالي عقد من الزمان، وإنما يبدو مستعداً للعودة بقوة إلى المسرح الدولي. 

يشير توم إلى أنّ الأسد يقف قوياً على ركام دولة محطمة لديها القليل من الخيارات البديلة للقيادة. وبمساعدة الحليفين القدامى إيران وروسيا، تمكن الأسد من استعادة جزء كبير من سوريا من أيدي المتمردين والجهاديين الذين حاولوا الإطاحة به. الآن، وإدراكًا للواقع، بدأت العديد من الدول التي قطعت علاقاتها بالأسد قبل ١٠ سنوات ترحّب بعودته من جديد وذلك على الرغم من معارضة الولايات المتّحدة الأمريكية لحكمه.

هذا المقطع يشير الى حجم المغالطات الرهيبة التي يتمّ تسويقها في الإعلام الغربي (العالمي) عن سوريا وما آلت إليه الثورة السورية. صناعة "رواية الثورة السورية" لما جرى ويجري هناك منذ ما يزيد على الـ١٠ سنوات هي جزء من الخدمات الجليلة والعظيمة التي قدّمتها الولايات المتّحدة والدول الغربية لنظام الأسد وحلفائه. فلا الأسد قوي، ولا الجهاديون هم من قرروا الإطاحة به، ولا الفضل الأكبر في بقائه يعود إلى روسيا وإيران، ولا الولايات المتّحدة تعارض بقاءه بشكل حقيقي، ولا حلفاء واشنطن يطبّعون معه ذاتياً رغماً عن إرادة الولايات المتّحدة ودون علم أو معرفة أو حتى ضوء أخضر منها.

آن الأوان لكي يتم حذف هذه البروبغندا الأمريكية في سلة المهملات. كتابة التاريخ مسؤولية، والحفاظ على الحقائق وعلى السيرة الصحيحة لما جرى في سوريا مسؤولية أكبر خاصّة إذا ما أراد السوريون إبقاء الأمل بالتغيير قائماً لديهم. إدارة أوباما السابقة لها الفضل الأكبر في بقاء نظام الأسد حتى الساعة. صحيح أنّ إيران تدّخلت عسكرياً منذ اليوم الأوّل للثورة في محاولة للدفاع عن حليفها، لكنّها اضطرت هي الأخرى إلى طلب المساعدة من روسيا عندما كان الأسد قاب قوسين أو أدنى من السقوط. ولا أعتقد أنّ هناك من نسي تصريحات لافروف حول خشية موسكو من إقامة نظام يحكم باسم أغلبية السوريين (أي السنّة).

لكنّ الذي سمح لإيران بإرسال الآلاف من المرتزقة الموالين للحرس الثوري الإيراني علاوةً على جنودها إلى سوريا، وأمّن لها الحصانة من الملاحقّة، وقوّض جهود المنتفضين فضلاً عن الدول المنافسة لإيران في سوريا، هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما وليس أي أحد آخر. أوباما كان يريد التوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران وتحقيق إرثه العظيم الذي لم يسبقه إليه أحد مهما كان الثمن. لقد قدّم سوريا كواحدة من القرابين الرئيسية على مذبح الاتفاق النووي.

لم يكتف أوباما بذلك، بل منع كل جهد حقيقي لمعاقبة الأسد على خرقه كل الخطوط الحمر بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية وحتى خرق الاتفاق الكيماوي الذي تمّ مع إدارته برعاية روسيا. أوباما كان العائق الرئيسي أمام أي دعم حقيقي للثوّار، وتسببت سياسته بالسماح للأسد بخلق البيئة المناسبة لإنشاء وإنتشار التطرف والإرهاب، وقد قامت إدارته بتوظيف هذه النتيجة في تطوير تعاون مع دول مثل إيران وروسيا بحجّة محاربة الإرهاب، وإرغام أخرى كدول الخليج على الانخراط في هذا التحالف وتناسي موضوع الأسد وإيران. وبذلك نجح أوباما في تحويل الموضوع من ثورة ضد الأسد والنفوذ الإيراني إلى تحالف مع هذه الأطراف والأطراف الموالية لها في حرب ضد الإرهاب. 

 

قبيل فترة وجيزة طُرح مشروع لنقل الغاز من مصر إلى الأردن ومنه إلى سوريا وصولاً إلى لبنان. من الواضح أنّ المشروع جاء بناءً على مبادرة أمريكية بالأساس لأنّه من غير الممكن تفعيله عبر نظام الأسد من دون موافقة أمريكية في ظل العقوبات الموجودة.

 



ولضمان عرقلة اللاعب الأكبر والأكثر قدرة على التأثير في مصير الأسد في المنطقة، قامت إدارة أوباما بالتحالف مع ميليشيات (واي بي جي) الكردية ضد تركيا، ودعت عملياً روسيا إلى ملء الفراغ في سوريا. وتحوّلت سوريا بذلك إلى إرث دموي لإدارة أوباما. فموقف إيران وروسيا في نهاية المطاف مفهوم لناحية دعم حليفهم الأسد، لكنّ إدارة أوباما ضحت بسوريا للتقارب من إيران وإيجاد مجالات عمل مشتركة مع روسيا، وتقويض دور تركيا. 

لا تختلف أولويات إدارة بايدن الحالية كثيراً عن أوباما. إيران مرّة أخرى في دائرة الاهتمام، والتقارب معها يفترض تقديم المزيد من القرابين تماماً كما فعل أوباما. خلال أقل من عام على قدومها إلى البيت الأبيض، قدمّت إدارة بايدن جملة من التنازلات على شكل قرارات أو على شكل تسويات أو على شكل غض نظر. ومن الواضح أنّ هذه التنازلات ضخّت الروح من جديد في دور إيران الإقليمي ودور أذرعها في لبنان وسوريا والعراق واليمن بعد فترة قصيرة من التراجع نهاية عهد ترامب نتيجة سياسة الضغط القصوى التي مارسها. 

التصريحات الإيرانية الرافضة لإستئناف المفاوضات تشير إلى أنّ هذه التنازلات ليست كافية. ولإبداء المرونة اللازمة، لم تعترض إدارة بايدن على انفتاح الدول العربية على نظام الأسد، وتحاول تسويق هذه الجهود على أنّها جهود فردية نابعة من حسابات ذاتية لا علاقة للولايات المتّحدة بها. بدورها، تقوم الدول العربية بتسويق خطاب آخر مفاده أنّ الانفتاح على نظام الأسد هو للحد من نفوذ طهران وتأثيرها عليه. كلا الخطابين مخادعان ويستخدمان كذريعة لتبرير الانفتاح على نظام الأسد. 

الحقيقة أنّ هذه الدول تدور في الفلك الأمريكي، فإذا كان هناك إيمان حقيقي بقانون قيصر، وإذا كانت الإدارة جادة في تطبيقه وفي رفضها عودة نظام الأسد، فمن السهل جداً اتخاذ إجراءات تحول دون ذلك. في نهاية المطاف، الإدارات الأمريكية المتعاقبة اتخذت عقوبات بحق حلفاء لها في الناتو وشركاء تاريخيين كتركيا عندما أرادت عرقلة جهود أنقرة لتطوير سياسة خارجية ودفاعية أكثر استقلالية، ولذلك فهي أكثر من قادرة على اتخاذ خطوات بشأن الدول التي من المفترض أنّها تخالف مصالحها وتوجّهاتها في سوريا.

قبيل فترة وجيزة طُرح مشروع لنقل الغاز من مصر إلى الأردن ومنه إلى سوريا وصولاً إلى لبنان. من الواضح أنّ المشروع جاء بناءً على مبادرة أمريكية بالأساس لأنّه من غير الممكن تفعيله عبر نظام الأسد من دون موافقة أمريكية في ظل العقوبات الموجودة. المشروع بمثابة نقلة نوعية من التطبيع مع الأسد وكان له دور في تحفيز دول مثل الأردن على الانفتاح على الأسد. يقع المشروع في صلب التخادم مع إيران وإن تمّ الترويج له بخلاف ذلك. 

سيتيح هذا المشروع تمويل عودة الأسد وتهيئة الأجواء للتطبيع الإقليمي معه من بوابة الاقتصاد والطاقة، وسيساعد ذلك على تخفيف التزامات التمويل الإيرانية للأسد وحلفائه من خلال الاعتماد على شركاء آخرين من الدول العربية. فضلاً عن ذلك، سيفتح المشروع بوابة للتطبيع مع إسرائيل، التي تبيع الغاز بدورها إلى مصر!

من الواضح أنّ مشروع نقل الغاز الذي يتم الترويج له هو بمثابة نقلة نوعية من التطبيع مع الأسد عبر البوابة التقنية. وقد حفّزت هذه الخطوة من دون شك دولا مثل الأردن على الانفتاح على الأسد كجزء من محاولات إنقاذ الوضع الاقتصادي الداخلي. لكن الدول الأخرى مثل الدول الخليجية ليست في وضع حرج اقتصادياً، وليس لانفتاحها على الأسد أي علاقة بالوضع الاقتصادي. فإذا افترضنا جدلاً أنّ واشنطن غضّت الطرف عن قرار الأردن بسبب وضعه الداخلي، فما هي المبررات المتعلقة بالآخرين؟

خلاصة القول، أن واشنطن تريد أن تعود إلى اللعبة ذاتها، وحضورها من بوابة التطبيع عبر الآخرين يحقق لها موطئ قدم أكبر دون أن تكون في الواجهة، ويؤمن لها في نفس الوقت تحقيق تسويات مع إيران وروسيا من خلال تقديم تنازلات على شكل انفتاح عربي على نظام الأسد وتسهيل للعقوبات المفروضة، بانتظار ردود الفعل والخطوة التالية ليبنى على الشيء مقتضاه.


التعليقات (4)
غريب
الأحد، 17-10-2021 08:01 م
بكل بساطة يمكن قلب الأقوال مع بقاء نفس الحال أي كل ماحدث صحيح لكن مجبرة عليه أمريكا ومن معها وليس إختياريا ، فبعد أن ظهر أنه لايمكنهم إسقاط الأسد بدأت الدعاية بالإدعاء أنها ( أي أمريكا ) كانت تستطيع إسقاط الأسد لكنها لم ترد ذلك . هذا الأكاذيب لا يمكن أن يصدقها عاقل ، كما خروج أمريكا من أفغانستان أو التحضير للخروج من العراق هو أمر مخطط وتفعله طواعية .
محمود الحمزة
الأحد، 17-10-2021 07:07 م
عزيزي دكتور علي مقالتك ممتازة وتحليلك استراتيجي ويضع النقاط على الحروف في المشهد السوري وادوار الادارات الامريكية والتي تنفذ استراتيجية لا تتعلق بالرئيس الى حد جوهري. واتمنى عليك ان تتتابع التحليل وتعطي رأيك بسؤال يطرح نفسه بالحاح وهو ما هو السر في هذا التواطؤ الامريكي مع ايران علما ان اسرائيل وامريكا تشتمان ايران وتتحدثان عن خطرها ليلا نهارا ولكن على مايبدو كلام حق يراد به باطل ولك مني كل التحية محمود الحمزة موسكو
أبو العبد الحلبي
الأحد، 17-10-2021 01:37 م
من الخدع الكبرى في السياسة الدولية أن أمريكا كانت ملتزمة بسياسة العزلة عن العالم ((جميعه)) حتى نهاية الحرب العالمية الثانية باستثناء وقوفها ضد استعمار و تدخل الأوروبيين في نصف الكرة الأرضية الغربي بحسب مبدأ مونرو المعلن سنة 1832. في سنة 1866 ، قامت أمريكا بعمل سياسي في غرب سوريا و هو تأسيس الكلية البروتستانتية السورية في بيروت على يد المبشر الأمريكي "الدكتور دانيال بليس " الذي كان رئيساً لها و تحولت هذه الكلية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1920 أي نفس العام الذي سلخت فيه فرنسا لبنان عن سوريا . بعد تلك السنة بقليل ، قامت أمريكا بعمل سياسي آخر و هو تأسيس المحفل الماسوني الأول في دمشق الذي عرف فيما بعد باسم محفل الشرق و الذي كان من أعضاءه حافظ الأسد و شلَته . بعد خروج أمريكا (( الصريح)) من عزلتها السياسة عقب الحرب العالمية الثانية ، تحركت أمريكا لوراثة الاستعمار القديم " فرنسا و بريطانيا " عن طريق الانقلابات العسكرية و كان تحركها الأول نحو سوريا من خلال انقلاب حسني الزعيم سنة 1949 أي أنه كان قبل تدبيرها للانقلابات في مصر 1952 و إيران 1953 و العراق 1958 و تركيا 1960 و اليمن 1962 و السودان و ليبيا 1969 . من أجل أن لا ينازعها من الأوروبيين منازع ، قامت أمريكا بالسيطرة على حزب البعث في سوريا المؤسس سنة 1947 و نشرت فكرة "الدين لله و الوطن للجميع" . كان هدف الأمريكان من هذه الفكرة أن تتسلل الأقلية النصيرية " العلوية" بالذات للحزب و للجيش و تستولي عليهما ، و هذا كان جهداً متأنياً متواصلاً خلال فترة الخمسينات من القرن الماضي أي فترة الانقلابات المتتالية في سوريا . اكتمل معظم عمل أمريكا في بداية الستينات ثم كان أسوأ يوم في تاريخ سوريا و هو 8 آذار /مارس 1963 حين حصل انقلاب بتدبير أمريكا . تشكلت لجنة عسكرية مؤلفة من النصيريين "صلاح جديد ، محمد عمران ، حافظ الأسد الذي أعيد للجيش بعد أن كان مطروداً منه" . حصلت مهزلة حرب 1967 و قام حافظ بتسليم الجولان ، و استحق على ذلك ليس فقط جائزة مالية و إنما أيضاً أن يتسلم منصب الرئيس في نهاية 1970 و حبس جديد و عمران لينفرد في السلطة . الغريب أن حافظ استمر في منصبه 30 سنة من دون أية محاولة انقلاب "جدَية" لأنه كان محمياً من أقوى دولة في العالم . كانت غالبية النخبة المثقفة في سوريا تدرك أن حافظ الأسد عميل لأمريكا ، لكن من كان يجرؤ أن يقول ذلك و القتل بانتظاره في عهد ذلك الطاغية ؟ هلك حافظ سنة 2000 ، و كان الأصل أن تؤول الرئاسة إلى أحد نائبيه " النصيري زهير مشارقه أو عبد الحليم خدام المنحدر من أسرة مسلمة" . صدرت الأوامر من أمريكا أن يتولى المنصب "بشار ابن أنيسة" و أتت وزيرة خارجية أمريكا "مادلين أولبرايت" فوراً إلى دمشق و اختلت ب "بشار" عدة ساعات ، و عند انتهاء الخلوة بدأ الإعلام المحلي و الدولي يشير إليه بفخامة الرئيس قبل انعقاد المجلس الصوري المسمى مجلس الشعب ! حصل تهديد حقيقي للمدعو بشار عندما اندلعت الثورة المباركة التي كان جيشه الهزيل عاجزاً عن إخمادها فأمرت أمريكا عملاءها في إيران بإرسال مليشيات لمساندته لكن هؤلاء فشلوا أيضاً . في نهاية صيف 2015 ، كان الثوار الأبطال على مشارف دمشق فكان لا بدَ من تحرك عاجل لإنقاذ بشار و عصابته . ما يروى عن أن فلان أو فلان تواصلوا مع بوتين للمساعدة لا قيمة له لأن بوتين يحتقر طراطير الأعراب و طراطير الفرس و لا يمكن أن يتدخل بدون ضمانات. تدخل جيش روسيا كان بناءً على طلب رسمي من باراك أوباما و وزير خارجيته جون كيري مع تعهد بأن يدفع سفهاء الأعراب جميع نفقات الجيش الروسي في سوريا. كل من (مليشيا بشار الحالية ، مليشيات الفرس ، الجيش الروسي ، مليشيا قسد و الجماعات الإرهابية المسماة كردية ، و التنظيمات المنبثقة من تنظيم القاعدة) هي أدوات أمريكية. أما قصة إعادة تدوير النفاية المتمثلة بعصابة بشار ، فالطراطير القائمين عليها ليسو أصحاب قرار و إنما يعملون بالأوامر . طبيعي جداً أن يتظاهر الاستعمار الفرعوني بمعاداة عصابة الإجرام في دمشق لكن بالمقابل من هو الذي قرَر ضمَ ممثلي بشار لعدة هيئات أممية و للانتربول كأسلوب لإعادة التدوير ؟؟ إنها ليست موزامبيق أو زيمبابوي !! أرجو المعذرة على الإطالة حيث لم أستطع الاختصار .
من سدني
الأحد، 17-10-2021 12:15 ص
البديل والحل الوحيد هو حرب العصابات على الكل أبتداءً من نظام النصيري وانتهاءً بابران وروسيا وامريكا وان يجعل الثوار من طالبان قدوة لهم او كما فعل الفتيان الاشراف من (الطليعه المقاتلة ) ايام الثمانينيات ولا خلاص الا بالعمليات النوعيه حتى استنزاف العدو وتفكيك تحالفاته.