هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في السودان يؤكد نفوذ مصر لدى الجنرالات في هذا البلد، ويمثل تنصلا من الولايات المتحدة، الملتزمة جدا بالتحول الديمقراطي في الخرطوم، بينما تسعى الإمارات وروسيا وتركيا وبعض دول الخليج إلى توسيع نفوذها في منطقة القرن الأفريقي.
واعتبرت الصحيفة في مقال للصحفي المختص في أفريقيا جان فيليب ريمي،
أنه من النادر أن يتم الإعلان عن انقلاب عسكري مثل ذلك الانقلاب الذي نفذه الجيش
في السودان يوم الاثنين 25 تشرين الأول/ أكتوبر، ووضع به قائد الجيش الفريق أول
ركن عبد الفتاح البرهان على رأس البلاد التي كان يحكمها بالفعل، ولكن في تقاسم
قسري للسلطة مع مؤسسات مرتبطة بجدول زمني انتقالي، أوشك أن يزيح البرهان لصالح
قائد مدني على الأرجح.
وقالت الصحيفة إن اللعبة التي يتم لعبها حاليا في هذا الجزء من
العالم تتضمن طموحات أمريكية لمواجهة الصين، وطموحات روسيا لتوسيع منطقة نفوذها،
فضلا عن أهداف دول الخليج وتركيا والجهات الفاعلة الأخرى الأقل وضوحا، الذين توفر
لهم الفوضى المتزايدة فرصا مواتية.
اقرأ أيضا: FP: البرهان أحبط جهودا أمريكية لمنع الانقلاب في السودان
ويأتي هذا التطور في وقت تخوض فيه إثيوبيا حربا أهلية وتسعى للحصول على دعم خارجي، ويوشك الصومال على الانهيار، في حين ينظر إلى السودان منذ ما يقارب العامين على أنه قطب للاستقرار في طور التكوين، ومكان لتسويق فضائل الديمقراطية، إلى درجة أنه اكتسب أهمية غير مسبوقة على المستوى الدولي، إلا أن مرحلة أخرى تبدأ الآن على خلفية الصراع من أجل النفوذ الذي يكون غالبا على حساب تطلعات الشعوب.
التطبيع مع إسرائيل
ومنذ أن نجحت حركة شعبية في إسقاط الرئيس السابق عمر البشير عام
2019، والسودان تحكمه حتى صباح الاثنين سلطات انتقالية مجسدة في مجلس سيادة يشمل
كلا من المدنيين والعسكريين، مهمته قيادة الأمة حتى الانتخابات، ويترك تسيير
الأمور الجارية لحكومة يقال إنها من التكنوقراط.
وبفضل صيغة الحكم الجديدة، استعاد السودان مكانته على المسرح الدولي
بعد عقود من العزلة، وحصل على وعد بمساعدة مالية من واشنطن بعد رفع اسمه من
القائمة الأمريكية للدول الممولة للإرهاب، بعد أن وقّع ما تسمى اتفاقات
"أبراهام" في كانون الثاني/ يناير 2021 للتقارب مع إسرائيل، في خطوة قام
بها البرهان عندما أعلن "تطبيع" العلاقات مع الدولة العبرية من كمبالا
بأوغندا عام 2020.
ويقول الكاتب إن البرهان، الذي أصبح الآن وحده في قيادة البلاد، كرر
دعمه للتطبيع، في ما يبدو أنه رسالة غير مباشرة إلى الولايات المتحدة، لكنه عطل
الانتقال الديمقراطي، واعتقل جميع أعضاء الحكومة تقريبا، بمن فيهم رئيس الوزراء
عبد الله حمدوك، الذي نقل إلى منزله في عملية إطلاق زائفة بدليل أنه لا يزال غير
قادر على الظهور والتأثير في المشهد.
نصف نهائي
ويقول المقال إنه ومع تجميع القوة الآن بيد البرهان وحده، فإن الأمر
لا يبدو تتويجا له، ولكنه يعد تهديدا بالانفجار الداخلي، لأن انقلاب يوم الاثنين، على
حد تعبير أحد المراقبين الإقليميين، "ليس سوى نصف النهائي، وعلينا الآن
انتظار ما سيتمخض عنه النهائي". مما يعني مواجهة متوقعة بين أطماع الجنرالات
المتحالفين مع عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي،
على خلفية تباين المقاربات، خاصة في العلاقة بملف إثيوبيا.
ويرى الكاتب أن هذا الانقلاب يمثل ومنذ الوهلة الأولى انتصارا لإرادة
مصر التي ذهب إليها عبد الفتاح البرهان لإبلاغ الرئيس عبد الفتاح السيسي عن خططه،
أو لأخذ أوامره قبل الإطاحة بالسلطات الانتقالية، لأن مصر بدعم من دول الخليج تريد
حسب العديد من المراقبين انتهاء تجربة الانتقال المدنية باستيلاء الجيش على
السلطة، مجازفة بمواجهة الولايات المتحدة التي أعلنت تعليق "صرف 700 مليون
دولار"، من دون تأثير ملحوظ على مجرى الأحداث حتى إشعار آخر.
الملف الإثيوبي
وحسب الكاتب، تعتبر الولايات المتحدة السودان جزءا مهما في إستراتيجية
إعادة السيطرة في منطقة القرن الأفريقي المحورية التي ترتبط الآن ارتباطا وثيقا
بدول الخليج، من أجل هزيمة عدة أنواع من النفوذ، بدءا من تأثير الصين، واختارت
واشنطن في البداية إثيوبيا كنقطة ارتكاز، لكن كل شيء هناك خرج عن مساره بانخراط
رئيس الوزراء آبي أحمد في حرب أهلية.
يأتي هذا في وقت تعيش فيه مصر قلقا إزاء ملف سد النهضة الإثيوبي
وتأثيره على مياه النيل، إذ تصمم القاهرة على بذل كل ما في وسعها لمنع أديس أبابا
من السيطرة على مياه النهر، لا بشن حرب عليها، ولكن بزعزعة استقرارها من خلال دعم
متمردي قوات الدفاع بتيغراي أو حلفائهم في جيش تحرير أورومو، وهما حركتان في حالة
حرب مع السلطة المركزية، حسب الكاتب.
ويختتم الكاتب بأنه وخلال عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت الانقلاب
مباشرة، جاء المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان إلى الخرطوم
يطلب متابعة الفترة الانتقالية، حيث كانت أجهزة المخابرات الأمريكية تتابع عن كثب
الاستعدادات للانقلاب منذ شهور، ولكن في اليوم التالي تمت الإطاحة بالسلطة
المدنية، وهو ما فُهم على أنه فشل أمريكي، حيث بدت روسيا سعيدة "لإيجاد فرصة
استثنائية قادمة تفسد المخططات الأمريكية"، وقالت إنها ترحب بالانقلاب لأنه
"النتيجة المنطقية لسياسة فاشلة"، جعلت السودان مسرحا "لتدخل خارجي
واسع".