هل انتهت أزمة الإخوان؟!

سؤال يتردد ويثار إعلاميا وتنظيميا، سواء داخل الإخوان أو خارجها؟ فالخلاف الدائر بين الأستاذ إبراهيم منير نائب المرشد العام للإخوان المسلمين والقائم بأعماله، والدكتور محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، حسب تسمية مناصبهم التنظيمية بما هو متفق عليه بين التنظيم، سواء أقررنا هذه التسميات أم اختلفنا معها، ومع آليتها، فقد تناولت وسائل الإعلام الخلاف الدائر بينهما، والمعركة التي استمرت لأكثر من أسبوعين، كانت ذروتها منذ أسبوع حين صدر قرار بإخراج ستة أعضاء من الشورى العام الإخواني من الجماعة، ثم بيان آخر بعزل منير من منصبه، وبيان بإقالة المتحدث الإعلامي د. طلعت فهمي، وتعيين متحدثين آخرين، وتتالت بيانات التأييد المعلنة لمنير وجبهته وقراراته.

قلت في مقالي السابق: إن من يحسم إسطنبول يضمن نسبة كبيرة من حسم المعركة داخل الإخوان، وكان الحسم أقرب لإبراهيم منير ومن معه، فاقتراب حسم المعركة بينهما نعم يكاد ينتهي، لكن انتهاء أزمة الإخوان فلا أعتقد، ويجب علينا أن نفرق بين معركة منير وحسين، وبين أزمة الإخوان، فلم تكن معركتهما إلا أحد مظاهر الأزمة، وليست كل الأزمة.

قلت: إن المعركة تكاد تنتهي، لكن الأزمة لا، لمَّا بعد، وسوف تستمر لفترة طويلة، إلا إذا أراد القائمون على أمر الجماعة الآن: منير ومن معه، العمل على علاج الأزمة داخل الجماعة، أو بعض مظاهرها على الأقل، لقد كانت المعركة بين منير وحسين حول صلاحيات، وطموح حسين لمناصب أخرى عوضا عن منصب الأمين العام الملغى منذ 2012م، ثم إجراء انتخابات في تركيا وقد تمت وقد عصفت بكل جبهة حسين إلا قليلا، فالمعركة بين منير وحسين كانت أيهما يبقى بجبهته؟ وأيهما تمضي قراراته على الآخر؟ وأيهما يحكم السيطرة على الجماعة من حيث القرارات ومفاصلها؟ فالمعركة بينهما كما هي محصورة فيما ذكرت، تكاد تترجح لصالح منير وجبهته.

أما أزمة الإخوان الحقيقية، فهي كما أثير بين الصفوف، وعلى لسان منير وجبهته، وهي: لم شمل الجماعة، والعمل على تطوير اللوائح، والسعي في ملف المعتقلين، وقضايا أخرى. فهل تم في هذه الملفات شيء؟ الإجابة: لا، وهذا معناه أن الأزمة الحقيقية للجماعة لم تنته، بل لم يبدأ العمل على إنهائها حقيقة.

نعم هناك وعود، وكلام يخرج، وآخره حوار منير مع قناة الحوار، مع الصديق أسامة جاويش، والتي قال فيها: الباب مفتوح لمن يريد العودة، وهو كلام لا ينم عن حجم مسؤول كبير لجماعة يعلم جيدا لماذا ترك من خرجوا من الإخوان التنظيم، إن شريحة كبرى منهم قد أسيء إليها، وظلمت، وكان أحد من ظلموها إبراهيم منير نفسه، أو كان الخاتم الذي ختم به حسين ومجموعته كل المظالم التي وقعت، سواء كان بعلم منير أم لا، وقد قابلته وقت حل مكتب الخارج، وقبل ذهابه للقاء شيخنا القرضاوي للمصالحة، وبدا لي الرجل وكأنه لا حول له ولا قوة، وكان يقابل الأطراف المختلفة، وقد وصلوا لحل مرضي، وبينما يتفاوض منير حول الحل، كان حسين قد أصدر قراره بإنهاء مكتب الخارج، دون علم منير نفسه، ثم بعد ذلك كان اسمه على القرار، وهكذا حال وشأن معظم القرارات في هذه المرحلة حتى اعتقال الدكتور محمود عزت!!

أزمة الإخوان الحقيقية، فهي كما أثير بين الصفوف، وعلى لسان منير وجبهته، وهي: لم شمل الجماعة، والعمل على تطوير اللوائح، والسعي في ملف المعتقلين، وقضايا أخرى. فهل تم في هذه الملفات شيء؟ الإجابة: لا، وهذا معناه أن الأزمة الحقيقية للجماعة لم تنته، بل لم يبدأ العمل على إنهائها حقيقة.

ولذا حل الأزمة في هذه المسألة أولا: يتمثل فيما يلي: أن يصدر منير قرارا بإلغاء كافة القرارات السابقة منذ 2016 وما قبلها بقليل، وإبطال ما نتج عنها من قرارات وإجراءات، حيث إنه أوضح في حواره أنه لم يكن يعلم بالحقيقة، آمنا بالله، الآن عرفت الحقيقة، ولسنا في مجال التحقق، بل في مجال الإصلاح، فإن أراد منير وجبهته إنهاء أول ملف من ملفات الأزمة، هو العودة بالجماعة إلى سابق لحمتها قبل الإجراءات التي لم تكن تصدر عن مؤسسية، ولا خلق، ولا دين، بل كانت تقوم على الانتقام الشخصي، ومخالفة اللوائح والشورى، بل في بعضها كانت هناك ألاعيب لا تليق بجماعة ترفع شعار: الله أكبر، ولله الحمد، هذه حقيقة لا ينبغي أن ندفن رؤوسنا في الرمال، وقد صرح بذلك منير نفسه.

لم يكن خلاف من تركوا التنظيم خلافا شخصيا مع محمود حسين، حتى يأتي إبراهيم منير، فيزيحه، وبذلك يكبروا ويهللوا، وأن الحق قد ظهر، لقد كان خلافهم حول المؤسسية في الجماعة، والعمل بالشورى الحقيقة لا الشكلية، واحترام المؤسسات والأفراد على حد سواء، ولذا لن يفرح هؤلاء لمن كانت الغلبة في المعركة داخل الجماعة من حسمها، ولن يوقعوا شيكا على بياض لسين أو صاد في الجماعة، وهذا شأن كثيرين ممن تحولوا من أعضاء نشطاء وفاعلين، إلى خاملين ساكنين، أو مجمدين عضويتهم سواء بظلم، أو بقرار شخصي منهم.

لقد أعلن الصف الإخواني عن كرامة وعلامة عن موقفه، وبقي الآن موقف إبراهيم منير وجبهته، وهو ما ينتظره من أيدوه داخل التنظيم، هل كان يريد تأييدا لإنهاء معركته مع حسين، ثم يرمي بهم خلف ظهره، أم هي بداية لعهد جديد سيروا فيه جماعتهم تعود سيرتها الأولى في أخوتها وترابطها؟ فإن لم يروا ذلك، فسيكون قناعة الجميع: أحمد زي الحاج أحمد!!

أزمة الجماعة ليست مع أفراد كما ذكرت، أزمتها في المؤسسية، وإذا كان منير يشكو من حسين وجبهته بالانفراد وعدم المؤسسية، فعليهم إنهاء هذا الشكل من الإدارة، حتى تنتهي الأزمة، من حيث شفافية المعلومات للصف الإخواني، وشفافية الاطلاع على كيفية أخذ القرار، وتعديل اللوائح التي تهين الفرد الإخواني وتجعله أشبه بعقد الإذعان، طرف له كل الحقوق والسمع والطاعة وهي القيادة، وطرف عليه الخضوع لكل ما يصدر عنها وهو الصف، فهذه صيغة لاأخلاقية ولادينية، ينبغي إنهاء هذه اللوائح التي تجعل من الفرد الإخواني مجرد شكل لا وجود له حقيقيا في الجماعة، هذه إحدى مظاهر الأزمة الحقيقية في الصف الإخواني.

أزمة الشفافية المالية، وهي أحد أكبر الأسباب التي عصفت بجبهة حسين، فإن بقيت كما هي فستعصف بجبهة منير أيضا، إذا لم تعالج هذه الأزمة، كيف يأتي المال؟ وأين ينفق؟ واللوائح المالية لذلك، وكيف تقنن هدايا أو هبات وتبرعات الجماعة، وباسم من تسجل وتدون؟ وكيف تدار؟ ومرتبات العاملين والمتفرغين للتنظيم، وما معيار هذه المرتبات؟ وإلا ستظل الأزمة المالية والشفافية فيها، صداعا كبيرا يظل ينغص على كل من يمسك بمسؤولية الجماعة.
 
هناك مظاهر أخرى للأزمة داخل الإخوان، وهي أكبر أزماتها، وهي أزمة الفكر والأدبيات والمناهج التي تقرر على الإخوان، والتي لا تواكب الحالة التي يعيشونها، وكأنه ليس هناك انقلاب يراد إزالته، أو معتقلون يراد إخراجهم، إنها أدبيات وكأن أصحابها في دعة من العيش، وقد قام الحكم الإخواني ورشد وترعرع، ولم يبق إلا الحديث عن الثقة في القيادة والسمع والطاعة، وتقوية الإيمانيات الفردية لدى الفرد، كل ذلك جيد في سياق آخر، لكن في هذا السياق المملوء بالأزمات والأفكار فإنه لا يمثل حلا للأزمة، بل في حد ذاته أزمة.

تلك بعض مظاهر للأزمة، أبرزت ما رأينا من معركة منير وحسين، والواضح أنها لم تحل، ولم يبدأ الحل فيها بعد، نتمنى أن يكون هناك بدء حقيقي لذلك، والبدء لذلك له أدوات وخطوات، ربما نفصلها في مقال قادم إن شاء الله.

[email protected]