أفكَار

الغلو الديني وتنامي ظاهرة الإرهاب.. أي علاقة بينهما؟

قراءة هادئة في ظاهرة الغلو والتطرف.. أسبابها وطبيعتها ومآلاتها.. (الأناضول)
قراءة هادئة في ظاهرة الغلو والتطرف.. أسبابها وطبيعتها ومآلاتها.. (الأناضول)

تشير دراسات وتقارير عديدة إلى تنامي ظاهرة الإلحاد في العالم العربي، وهو ما يثير قلقا واسعا في الأوساط الدينية المحافظة، لما تراه في الإلحاد من تهديد للعقيدة الإسلامية في قضيتها المركزية، المتمثلة بالإيمان بالله تعالى، ما دفع مراكز بحثية إسلامية، وشخصيات أكاديمية ودعوية إلى إيلاء هذه القضية اهتماما كبيرا، كتابة وحوارا ومناظرة. 

وفي معرض بيان أسباب زيادة حالات الإلحاد، وهو ما تتباين بشأنه الآراء إن كان قد بلغ حد الظاهرة أم لا، تذهب رؤى تفسيرية إلى اعتبار فشو مقولات الغلو الديني، وشيوع ممارسات دينية متشددة، أحد الأسباب الرئيسة لزيادة حالات الإلحاد، بسبب ما يصاحبها من تقديم صورة مشوهة للدين، وعجز ذلك الفكر عن تقديم إجابات مقنعة عما يثيره الإلحاد من إشكالات واعتراضات على عقائد وتشريعات دينية متعددة. 

عادة ما يشدد علماء الدين الإسلامي ودعاته في وصفهم للغلو الديني السائد في أوساط بعض المتدينين، بأنه "يتنافى مع تعاليم الدين التي تقول: يسروا ولا تعسروا.. وبشروا ولا تنفّروا" مع التأكيد على أن "الغلو والتطرف إنما هما رد فعل على التفريط والتهاون في الدين، وعلى الإساءة المتعمدة للدين" وفق الداعية السورية، الدكتورة لينة الحمصي. 

 

                              لينة الحمصي.. داعية سورية

وقالت في حديثها لـ"عربي21": "وكلاهما: الفعل ورد الفعل سلوكان مجانبان للصواب ومتناقضان مع أوامر الدين، وهذا التناقض يؤدي عند بعض الناس إلى رفض الدين كنوع من التعبير عن رفض السلوك غير السوي، ولكن وبسبب جهل هؤلاء البعض بحقيقة الدين فهم لا يدركون أن ما يرفضونه هم يرفضه الدين نفسه". 

وأضافت: "الغلو والتشدد الديني يؤدي إلى نفور البعض من الدين، وبعض النفور يتجلى في التخلي عن كل ما أتت به الأديان، وهو ما يسمى الإلحاد" لافتة إلى أن "الظواهر الإلحادية لا تتجلى فقط في العزوف عن الالتزام بالدين والاستهتار بقيمه، بل أيضا بمعاداته ومحاولة إسقاطه من نفوس الآخرين، وإسقاط الدين يستلزم بالضرورة إسقاط رموزه القديمة والحديثة من جهة، وتشويه صورة أتباعه من جهة أخرى". 

وتابعت الداعية والباحثة في الدراسات الإسلامية، الحمصي: "وهو ما يؤدي إلى أمرين أساسيين: انتشار الكراهية بين الناس وتفسخ المجتمع، والانكفاء نحو الداخل النفسي والاجتماعي بهدف تحصين النفس والحفاظ على الهوية، الأمر الذي يزيد الهوة والشرخ والتطرف والعدوانية المتبادلة". 
 
من جهته وصف الكاتب والباحث الإسلامي الجزائري، لخضر رابحي "الإلحاد العربي بأنه يتمركز في موقفه الرافض للدين على نشر الشبهات حول النبوة ومراجعها، في الوقت الذي يدور فيه الإلحاد الغربي حول موقفه من غموض الألوهية بين الأقانيم الثلاثة، والتثليث، وهو ما أدّى إلى ترسيم إلحاد الألوهية في الغرب".  

 

                             لخضر رابحي.. كاتب وباحث جزائري

وأردف لـ"عربي21": "للإلحاد العربي موقف من الإسلام، يتشدد فيه بمحاربته ومواجهته، معتمدا كل الأسباب، والغريب موقفه المتسامح من الديانات الأخرى بما فيها الوضعية، الذي يتفهم من خلاله نشر غرائب تلك العقائد تحت مسمى الثقافة".


وتابع: "الإلحاد العربي مرتبط تاريخيا بالاستعمار الأجنبي وما زرعه من أفكار ومؤسسات، ومرتبط كذلك بالمذاهب الفكرية والحركات السرية التي نشأت منذ 200 سنة في المنطقة، وبعض حالاته فردية معزولة بسبب قناعات نشأت في ظروف معينة، لكن التدين المنغلق وبيئة التشدد وفرا المبررات ليتحرك من كان تحت الأرض، وتلتقي تنسيق الجهود مع من فوق الأرض وهي حالة حرب مرصودة ضد الأمة وموروثها". 

واستدرك: "لكن لا يجب الإنكار بأن التشوه الديني دفع الكثيرين إلى الانصراف عن الدين أو عدم القناعة به في جزء معين ثم الانصراف عنه بالكلية، وقد وجدت الدوائر المكلفة بالمهمة الفرصة مواتية للاستغلال في توسيع دائرة الإلحاد ولو بالتدريج، فتبدأ بحملات واسعة لإنكار السنة بالقرآن، ثم إنكار القرآن بالقرآن وباللغة، واعتباره مادة تاريخية منتهية الصلاحية ثم الوصول إلى إنكار النبوة ومن ثم إنكار الألوهية، وثمة أموال طائلة مسخرة لذلك، ومؤسسات تشتغل وإعلام ذكي يجيد تتبع السقطات التاريخية والواقعية". 

وردا على سؤال حول مدى انعكاس التشدد الديني على الإلحاد وزيادة حالاته، رأى رابحي أن "التشدد بيئة مساعدة لنمو الإلحاد وتوسع رقعة انتشاره، وهو بمثابة غطاء لكل من يريد إلحاق الضرر بالإسلام تحت مبرر محاربة الجماعات المتطرفة، ومن أهم مظاهر ذلك تقديم الإسلام كدين غير إنساني من خلال الروايات والوقائع التاريخية والرصد الواقعي للممارسات العنيفة للجماعات الإسلامية". 

وتابع: "وتقديمه كدين يخالف العقل، ومنطق العلم وما وصلت إليه البشرية من الفتوحات العظيمة، وتسليط الضوء على موقفه من المرأة من خلال بيئة التشدد ليكون دينا لا يليق بواقع العصر حيث المرأة رئيسة ووزيرة، ووزيرة دفاع، وتقديمه كدين ينشر العنف ويبرره من خلال الروايات والبيئة المتشددة والإنسانية بلغت شأوا عظيما في السلم والسلام وحقوق الإنسان". 

بدوره ذكر الكاتب والسياسي العراقي، الدكتور يوسف الأشيقر أن "الانتشار الملموس مؤخرا للإلحاد يشكل أزمة حقيقية لكل أديان البشر، وهو ليس رد فعل لشيء معين" واصفا ذلك وفق تصوره بـأنه "صحوة عقلية ووجدانية ضرورية مرتبطة أكثر بتوسع وسائط التواصل الاجتماعي، التي ساهمت بشكل هائل في كشف الغاطس والمسكوت عنه من الخرافات والخزعبلات والعنصريات المرتبطة تاريخيا وتركيبيا بهيكلية كل أدياننا المعاصرة، التي كانت محجوبة سابقة عن العامة أو ينكر وجودها".

 

                            يوسف الأشيقر.. كاتب وسياسي عراقي
 
وأضاف: "الغلو الديني برأيي كان هو رد الفعل على تلك الصحوة الإستقرائية الناقدة وليس العكس، وهو بالتأكيد لا يخدم الأديان بل يسارع في تهديمها، وإذا أرادت الأديان أن تحافظ على دور مسكن مهدئ مستمر ومعاصر لإنسان اليوم عليها التعلم من التجربة المسيحية، التي نقلت أكثر الأديان دموية وخرافة بتاريخها إلى أشهرها سماحا وسلاما بوقتنا" على حد قوله. 

وتابع لـ"عربي21": "ولا يمكن للأديان أن تؤدي ذلك إلا من خلال التبرؤ واستنكار كل ما ينافي العقل والإنسانية والتقدم والبحث العلمي، وبتقديم كل ما يركز على المشتركات البشرية بدلا من التقوقعات الذاتية والمحلية، والتمسك بمفاهيم التعايش والتسامح وقبول الكل، وعلى رفع العصمة والانفتاح للنقد، وإدانة الأخطاء بدلا من تقديسها، مثلها مثل الإلحاد المنافس لها". 

وفي ذات الإطار اعتبر الكاتب والمسؤول في مجموعة (نقد القراءات المعاصرة) على الفيسبوك، أحمد مدهون "التحول إلى الإلحاد بمجمله في العالم العربي، إنما هو ردة فعل قاسية تجاه أنماط التدين المتشدد والتكفيري، والذي يضيق على الناس دينهم ودنياهم، وبعض العلماء من هذا النمط بالذات والذين تصدروا الساحة والفضائيات، ومن فئة من يطلق عليهم علماء السلطان، الذين أفتوا فتاوى متناقضة باسم الدين، ويدورون مع السلطان حيث دار، حتى باتوا من سدنة الاستبداد". 

وقال في حواره مع "عربي21": "هذا الصنف من العلماء والمشايخ تسببوا بأزمات وصدمات لدى الشباب أدّت بهم إلى النفور من كل ما يتعلق بالدين والمتدينين، كما ساهم في ذلك عدد من رموز التجديد والتنوير الذين كرهوا الشباب بالموروث الديني، وشنوا حملات شرسة على السنة النبوية والفقهاء والمفسرين والمحدثين". 

وأشار في ختام حديثه إلى أن "الفوضى الفكرية الناتجة عن ذلك، جعلت بعض الشباب لا يحتملون هذا التشويش الفكري المتشعب، وما أحدثه من صدمات عميقة، فآثر ضعافهم الهروب من كل هذه الأجواء، وبعضهم تطرف في ردة فعله فتبنى الإلحاد وكفر بكل الأديان"، وفق وصفه. 


التعليقات (0)