تقارير

"قصر حتحت".. معلم أثري قديم في غزة بناه أحد التجار الأكراد

قصر حتحت الأثري في غزة بناه أحد التجار الأكراد في بداية العهد العثماني في فلسطين
قصر حتحت الأثري في غزة بناه أحد التجار الأكراد في بداية العهد العثماني في فلسطين

لا يقتصر التاريخ العريق في غزة على حبر خُط على ورق داخل كتب تاريخية، بل يمتد إلى البيوت والقصور والمعالم القديمة، حتى إذا دخلت إحداها ستجد تكملة التاريخ منسوجا على جدران وأسقف هذا المبنى كأنها تتزين بحضارتها وتثبت أحقيتها في هذه الأرض المباركة.

وفي زقاق ضيق، متفرع جنوباً من شارع بغداد الرئيسي وسط حي الشجاعية في البلدة القديمة الواقعة إلى الشرق من مدينة غزة، يقع "قصر حتحت" الأثري، والذي بني قبل ما يزيد على الأربعة قرون، ويعد واحداً من أقدم البيوت الأثرية المتميزة بطابعها العمراني والزخارف التراثية.

وتروي إسلام حبوش الباحثة في التاريخ والآثار لـ "عربي21" قصة هذا القصر العريق "قصر حتحت" الأثري والذي تعود ملكيته إلى إبراهيم حلبي آل حتحت وهو كردي الأصل، وقد بناه في القرن الثاني عشر الهجري.

وأوضحت حبوش أن قصر حتحت الأثري الذي يعود إلى نهاية حقبة المماليك، وبداية حقبة العثمانيين يجاوره "مسجد الست رقية"، و"جامع ابن عثمان" الأثريان، إلى جانب مجموعة من المباني السكنية الأثرية.

ويتكون القصر من طابقين، وتتزين نوافذه الداخلية بالزخارف، وممراته بالأقواس.

وبينت حبوش أن الطابق الأرضي للقصر يحتوي على سبع غرف كبيرة، وإيوان، ومطبخين.

أما الطابق الثاني فتصعد له من خلال درجين يؤديان إلى سطح البيت الذي يكشف البيت من خلاله. بحسب الباحثة.

وأشارت إلى أنه قد تم ترميم القصر وأعيد استخدامه من قبل إحدى الجمعيات الخيرية عام 2009، بعد أن قام مالك البيت بالتبرع به للجمعية. 

وأوضحت حبوش أن طراز البناء العمراني، وتفاصيله تدلل على أن البيت يعود لأواخر فترة حكم المماليك، ويتحدث عن ذلك الشكل العام، والعناصر التي تميز تلك الحقبة، إذ تتشابه البيوت بمدخلها وهو عبارة عن دهليز منكسر، لدخول الشخص إلى البيت دون أن يتم كشف ساكنيه، كنوع من الخصوصية، يؤدي إلى فناء داخلي كبير يسمى "صحن البيت"، أو "مجلس البيت"، ويعتبر العنصر الأساسي، والذي تتم فيه كل الأنشطة الأسرية.

وببيت أن البيوت الأثرية في قطاع غزة تتميز بشكل موحد للجدران، وهو نظام "الحوائط الحاملة" المبنية بالحجر الرملي، ويتراوح سمكها بين 70 إلى 80 سنتيمترا، ويصل في بعض الأحيان إلى متر.

وأشارت إلى أن قصر حتحت تم تصميمه وفق نظام التوجيه الداخلي، وهو أن كل الفتحات والنوافذ تطل على الساحة الداخلية، والتي تعتبر أهم أركان البيت، إذ تمده بالإضاءة والتهوية، علاوة على ربط أهل البيت بالطبيعة.

وتروي حبوش قصة احد أحفاد من بنى هذا القصر مع حاكم غزة ابنان العهد العثماني.

وتقول: "ذهب سالم حتحت والذي كان يلقب بـ فخر التجار وهو أحد أحفاد إبراهيم حتحت الذي بنى القصر إلى الأستانة ليشكو حاكم غزة بسبب كثرة مضايقته له، وعلى إثر تلك الزيارة تم منح حتحت حُجة تعفيه من الضرائب المفروضة عليه".

وأضافت: "مرت السنوات والقرون على هذه الحادثة ومات حاكم الأستانة وحاكم غزة وحفيد صاحب القصر وبقي القصر شاهد على هذه الحقب التاريخية التي عاشتها غزة خلال الفترة السابقة".

 

قصر حتحت تم تصميمه وفق نظام التوجيه الداخلي، وهو أن كل الفتحات والنوافذ تطل على الساحة الداخلية، والتي تعتبر أهم أركان البيت، إذ تمده بالإضاءة والتهوية، علاوة على ربط أهل البيت بالطبيعة.

 



ومن جهته أكد الدكتور أحمد الأسطل مدير مركز "إيوان" للتراث الثقافي التابع للجامعة الإسلامية بغزة في حديثه لـ "عربي21" على أن قصر حتحت كان ثاني موقع اثري يتم ترميمه في قطاع غزة، وذلك عام 2004م بعد ترميم "حمام السمرة" التاريخي، ليعاد بعد ذلك ترميم مرة أخرى عام 2009.

واعتبر ان هذا القصر هو احد أهم المعالم الأثرية والتاريخية البلدية القديمة بمدينة غزة والتي تزخر في هكذا مبان، مشيرا إلى انه يعود لنهاية العهد المملوكي.

وشدد الأسطل على أن لهذا القصر خصوصية كونه كان لأحد أهم التجار في غزة هو كردي الأصل وعاش فيها وكان ينتقل بين غزة والشام والعراق ولكنه لا يختلف كثيرا.

وأوضح أنه يوجد في القصر فتحتين عبارة عن بئرين للغلة بداخل كل بئر صومعة عمق الأولى ثمانية أمتار، والثانية ستة أمتار، حيث كان صاحب البيت يستخدمهما في تجارته، إذ يتم تخزين القمح والشعير والحبوب داخلهما.

وأكد الأسطل على أن طريقة بناء هذا القصر توحي بالعوم الهندسية وبالرقي في عملية البناء والتشييد، حيث استخدم الحجر الرخامي فوق الأبواب، مما يدل على أنه كانت هناك دقة في تصنيع الحجر من حيث التناغم والتشابه إلى حد كبير بين أحجام الأحجار المستخدمة، أما جدرانها فهي من الحجر الرملي تعلوها أكتاف حاملة متقاطعة، وهي نظام التغطية الإنشائية الأساسية المتبعة في تلك الفترة، وبها فتحات من الشبابيك والأبواب ذات سمك مختلف تبعاً لطبيعة الاستخدام.

وأوضح على أن قطاع غزة يمتلك العديد من المباني التاريخية التي يرجع بناء البعض إلى العصر المملوكي والبعض الآخر الحكم العثماني، وتتواجد أغلبيتها بالأحياء التاريخية القديمة بمدينة غزة، مؤكدا على أن هذه المباني تعزز الهوية الثقافية الفلسطينية، مشددا على أهمية الحفاظ عليا كمورث تاريخي.

ومن جهته دعا الكاتب والصحفي سمير حمتو الجهات المختصة في غزة ولا سيما وزارة السياحة والآثار إلى العمل على رفع نسبة الوعي لدى المواطنين الفلسطينيين لهذه المواقع الأثرية التي يحتضنها قطاع غزة.

وحذر حمتو في حديثه لـ "عربي21" من أن هذه المباني مهددة بالانهيار أو الهدم بالإضافة إلى ذلك تدني الوعي الثقافي عند المجتمع الفلسطيني، معتبرا الحفاظ عليها وإعادة ترميمها واجب وطنياً.

وطالب بإطلاق المبادرات الشبابية والمجتمعية والحملات لتسلط الضوء على أهمية الحفاظ على الأماكن التاريخية وتعزيز المسؤولية الفردية عند الأفراد تجاه هذه الأماكن، لحمايتها والحفاظ عليها من الاندثار أو النسيان أو حتى الاعتداء عليها.

وأشار حمتو إلى أن هذه المبادرات يجب أن تركز على تعزيز مفهوم السياحة المجتمعية في قطاع غزة، وذلك من خلال سلسلة جولات ثقافية على الأماكن التاريخية المهمة في قطاع غزة من اجل نشر الوعي حول المواقع الأثرية لاسيما الكنائس والمساجد والأديرة لما لهم من اثر في حياة الشعب الفلسطيني.

وقال: "الثقافة التاريخية جزء لا يتجزأ من الموروث الثقافي الذي وصلنا عبر التاريخ من الأجداد للآباء والذي يجب العمل على تعزيزه من خلال السياحة المجتمعية".

وأضاف: "هذا الأمر لا يكلف كثيرا ولكن يحتاج وضع دراسات وخطط للارتقاء بهذا المفهوم لأن إهماله قد يكلف الشعب الفلسطيني خسارة الكثير من المواقع الأثرية واندثارها كما حدث مع العشرات من هذه المواقع في البلدة القديمة من مدينة غزة، أو تغير معالم بعضها كما حصل مع بعض المساجد الأثرية مثل مسجد الشمعة في حي الزيتون"، على حد تعبيره.


التعليقات (0)