لعل من أكثر التحديات صعوبة تلك التي تواجه
اللاجئين القادمين حديثا إلى القارة الأوروبية؛ هي
اللغة المحلية التي تتحدث بها شعوب هذه الدول.
كونك تتحدث اللغة الإنجليزية بشكل جيد أو وسط أو مقبول، لا يعني بالضرورة أنك ستتجاوز تحدي اللغة في الدولة الأوروبية التي قدمت إليها لاجئا، فغالبية الشعوب الأوروبية تفضل الحديث بلغتها الخاصة بعيدا عن اللغة الإنجليزية، وهذا الأمر يتفاوت بين دولة وأخرى وطبيعة الشعوب الأوروبية.
حتى في اللغة المحلية هناك عدة لهجات، ويعاني السكان الأصليون صعوبة في نطق وفهم لهجات سكان آخرين يعيشون في نفس البلد وينحدرون من نفس الثقافة والدين.
لذا فإن من أهم عوامل الإندماج الصحيح في المجتمعات الأوروبية هو تعلم اللغة المحلية لهذا المجتمعات، بحيث يكون الوافد الجديد قادرا على التواصل مع المجتمع بنفس اللغة التي يتحدثون بها، وهذا يكسبه تفهما وترحيبا من أفراد المجتمع الأوروبي.
وتعتبر دراسة اللغة من أهم الأمور المطلوبة من اللاجئين القادمين حديثا وفق قوانين هذه الدول فيما يتعلق بالاندماج، بحيث يمنح اللاجئ وقتا محددا في بعض الدول مثل هولندا، حتى يتم تعلم اللغة الهولندية خلال ثلاث سنوات.
غالبية الدول الأوروبية تضع شرطا رئيسا للحصول على الجنسية الأوروبية هو تعلم اللغة المحلية، وفي هولندا يعتبر الحصول على شهادة النجاح أو الإعفاء في تعلم اللغة الهولندية من أهم الإجراءات المطلوبة حين التقدم للحصول على الجنسية الهولندية.
ينقسم اللاجئون في هولندا على سبيل المثال لا الحصر فيما يتعلق باللغة الهولندية، فمنهم من يرى فيها تحديا غير قابل للتجاوز من حيث صعوبة اللغة خاصة بالنسبة لكبار السن والأميين، وهؤلاء يحاولون الحصول على إعفاء بعد إتمام 600 ساعة دراسية.
وقسم آخر يحاول جاهدا للنجاح بالمستويات المطلوبة من اللغة، بحيث يكون قادرا على الحصول على الجنسية الهولندية، وآخرون لا يكتفون بالمستويات المطلوبة ويتابعون الدراسة إلى مستويات أعلى بحيث تزيد فرصهم في استكمال الدراسات في
التعليم الثانوي والجامعي، وكذلك تتيح لهم فرصا في إيجاد وظائف وفق طموحاتهم.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل تعد دراسة اللغة في المدارس كافية لتعلم اللغة الأوروبية بشكل جيد؟ هل هناك مجالات أخرى لتقوية اللغة؟ وما هي الآليات المناسبة للحفاظ على مكتسبات اللغة؟
بحكم التجربة الشخصية، فإن مدارس اللغة بالعموم لا تعتبر كافية لتعلم اللغة الهولندية، وبالدرجة الأولى نقصد المحادثة مع الآخرين بلغتهم.
صحيح أن المدارس تدرّس الكتابة والقراءة والمحادثة ومواد أخرى لها علاقة بالمجتمع الأوروبي المحلي، لكن المحادثة هي الأهم من وجهة نظري لأنها وسيلة التعبير الأكثر استخداما مع الآخرين في الشارع والمحلات التجارية والطبيب وغيرها.
الوقت الذي يقضيه اللاجئ في المدرسة لتعلم اللغة الأوروبية ليس كافيا ليتقن اللغة، حيث تكون فرص المحادثة المباشرة خلال الدرس ضئيلة بحكم العدد الكبير من الطلاب والوقت القليل الذي يقضيه الدارس في مدرسته بشكل يومي أو أسبوعي، خاصة إن تحدثنا عن نوعية من الطلاب فقط تريد قضاء 600 ساعة دراسية ولا تهتم بتعلم اللغة، وهذا الطالب يأخذ من وقت الطالب الذي يريد فعلا تعلم اللغة.
خلال دراستي اللغة الهولندية، صادفت العشرات من اللاجئين غير المهتمين بتعلم اللغة، ويحضرون إلى المدرسة فقط لأجل الساعات المطلوبة وفق قانون الاندماج الهولندي.
من أهم عوامل النجاح في تعلم اللغة الأوروبية هو توفر الرغبة لدى الشخص بتعلم اللغة، فإن توفرت الإرادة الحقيقية والجدية نكون قد قطعنا جزءا مهما من عملية دراسة اللغة.
قلنا إن الدراسة وحدها في المدارس غير كافية، هي تعتبر جزءا من عملية تعلم اللغة، وهي نوع من الانضباط في حضور الدروس وإتمام الواجبات. وهنا نؤكد على جودة هذه المدارس وما تقدمه من فائدة علمية لا مادية للطالب اللاجئ، وإن علمنا أن عددا لا بأس به من المدارس الخاصة في هولندا تم إغلاقها بسبب سياسات الفساد القائمة على توقيع عقود للطلاب من دون حضور للدورات التدريبية، وهذه السياسة تتوافق مع منظور شريحة من اللاجئين غير الراغبين في تعلم اللغة. وهذه القضايا شكلت إساءة وتحديا لمن يفكر بفتح مدارس خاصة في مجال تعليم اللغة الهولندية.
القاعدة السليمة في تعلم اللغة يجب أن تقوم على فكرة الاستفادة العلمية لا المادية، فالحاجة هي للعلم الذي سيبقى ملازما للشخص في هذا البلد، لكن جهاز اللابتوب وحتى المبلغ المالي الذي من الممكن أن يحصل عليه الطالب من المدرسة يذهب خلال دقائق، لكن الذي يبقى معك ما تعلمته من كلمات في هذه اللغة.
خارج أسوار المدرسة هناك فرص كثيرة يستطيع اللاجئ اغتنامها ومن المهم جدا أن يستفيد منها، ولا بد أن يتحلى بالشجاعة لخوضها دون تردد أو خجل.
الفرص مفتوحة لخوض الأحاديث مع السكان في جوار المنزل وفي المحلات التجارية وفي المكتبات والتجمعات، من المهم أن تبادر للحديث مع الناس في محيطك ولا تخجل من ضعف اللغة لديك، حاول ذلك يوميا وحاول أن تتعلم في كل يوم كلمات جديدة.
تستطيع أن تشارك في الجلسات التي تقام في المكتبات، وقراءة الكتب، كما يعتبر العمل التطوعي في مختلف المجالات مع مؤسسات المجتمع المدني من أهم الأدوات في تعلم اللغة، حيث تجد نفسك بشكل يومي تتحدث وتكتب باللغة المحلية.
من الجيد أن تحافظ يوميا على استخدام اللغة المحلية محادثة أو قراءة أو كتابة، حتى تحافظ على ما اكتسبته من اللغة وتعمل على تطويرها بشكل مستمر، واختر لنفسك طريقة لحفظ الكلمات وفهم القواعد، وبإمكانك أن تكرر الكلمات التي حفظتها اليوم قبل النوم.
شاب سوري أعجبتني فكرته في حفظ اللغة الهولندية، حيث يكتب كل يوم الكلمات الجديدة التي يحفظها على ورقة ويعلقها على جدار غرفته، ويوما بعد آخر امتلأت جدران وسقف الغرفة بالأوراق وغدت أشبه بصفحات من جريدة، ولاقت فكرته إقبالا كبيرا من وسائل الإعلام الهولندية.
استمع يوميا إلى نشرات الأخبار باللغة المحلية، واقرأ الجرائد الأسبوعية وشاهد التلفزيون المحلي، بالتأكيد ستحفظ كلمات جديدة تستخدمها في حياتك اليومية.
في فترة كورونا توقفت العديد من المدارس والمكتبات وتوقفت الأنشطة الميدانية، فكانت فكرة الدراسة عبر الإنترنت من أهم الآليات لمواصلة تعلم اللغة والحفاظ عليها وتطويرها، بالتالي دائما ابتكر لمواصلة تعلم اللغة.
لا تكتفِ بالمستويات المطلوبة لتعلم اللغة بكل فكر دائما في التقدم والقفز إلى الأمام، لأن اللغة الجيدة هي مفتاح للاندماج الصحيح في المجتمع الأوروبي وبناء علاقات جيدة مع المحيط، ومدخل إلى سوق العمل في
أوروبا.