تختصر الطريقة الوحشية المروعة التي قُتل بها الناشط
الفلسطيني نزار بنات العقيدة التي يستند إليها جيش سلطة أوسلو، وتكشف الجريمة عن تكتيكات الرعب الدموية الاستعمارية، وعن حدود التحالف "المقدس" بين قوات الاحتلال ووكلائه المحليين. فعلى غرار سائر التجارب الكولونيالية التقليدية تعمد القوى الاستعمارية إلى تكوين سلطة تسلطيّة استبدادية محلية تفتقر إلى السيادة والشرعية الوطنية، وتوفر لها
أجهزة قمعية وأيديولوجية تعمل كوكيل للاحتلال مقابل منحها امتيازات حياتية ومالية على حساب الشعب المحتل.
إن الذنب الذي اقترفه نزار بنات واستحق عليه عنفاً مشهدياً بدائياً، هو أنه واصل دون كلل أو ملل نقد المنظومة التسلطية لوكلاء الاحتلال، وإصراره على كشف التحالف "المدنس" بين الاحتلال والسلطوية وينيّة الفساد الجامعة بينهما. فالصورة المشهدية للقصاص السلطوي تعكس آليات عمل العنف التسلطي المسند كولونيالياً.
فقد داهمت منزله فجراً قوة مكونة من 25 فرداً وضابطاً من جهازي الأمن الوقائي والمخابرات العامة بسيارات مدنية ومدججين بأسلحتهم، ثم قامت القوة بتفجير أبواب بيت عائلة بنات في منطقة جبل جوهر بالخليل المصنفة "H2" التي تتبع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي وتحتاج تنسيقاً أمنياً. وفور اقتحام المنزل انهالت القوة الأمنية بالضرب على نزار بما تيسر من عتلة حديدية وهراوات خشبية، بعد رش ثلاث علب غاز فلفل في وجهه، ثم قامت القوة الأمنية بتجريده من ملابسه، ثم سحله وجره إلى سيارة الاعتقال، كل ذلك وسط حالة هستيرية من الشتائم البذيئة.
على مدى سنوات اكتشف الشعب الفلسطيني حجم الكارثة التي حلّت به منذ توقيع منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل اتفاق أوسلو في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، والذي لم يبق منه سوى ملف التنسيق الأمني بين الطرفين، والذي وصفه الرئيس الفلسطيني
محمود عباس عام 2014 بقوله "التنسيق الأمني مقدس، وسوف يستمر سواء وافقنا على السياسة أم لم نوافق".
على مدى سنوات اكتشف الشعب الفلسطيني حجم الكارثة التي حلّت به منذ توقيع منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل اتفاق أوسلو في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، والذي لم يبق منه سوى ملف التنسيق الأمني بين الطرفين
ورغم ادعاءات السلطة أن هدف تأسيس الأجهزة الأمنية هو حماية الفلسطينيين، فقد فشلت المؤسسة الأمنية للسلطة منذ تأسيسها في حماية الفلسطينيين من الاحتلال العسكري الإسرائيلي. فبدلاً من تمكين الفلسطينيين من مقاومة هذا الاحتلال الذي هو سبب بؤسهم، ساهمت السلطة الفلسطينية بتجريم النضال الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال، وبدلاً من الاعتراف بشرعية مقاومة الاحتلال، تماهت السلطة الفلسطينية مع تصنيفات إسرائيل والمجتمع الدولي، باعتبار المقاومة "تمرداً" يقوض "الاسقرار" ويهدد "السلام". وهو خطاب يتماهى مع خطاب "الحرب على الإرهاب" الذي يجرِّم كافة أشكال المقاومة.
ويلخص الكاتب الأمريكي ناثان ثرال في كتابه "اللغة الوحيدة التي يفهمونها: فرض التسوية في إسرائيل وفلسطين"،
مسيرة محمود عباس والكيفيّة التي تأسست بها سلطةٌ أمنية تدين بالولاء للمحتل، وتُنسق معه ضد شعبها عامةً، وضد المقاومة خصوصاً.
يتتبع الباحث علاء الترتير في مقالة مهمة بعنوان "الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية: أمن مَن؟"، ازدهار قوات أمن السلطة الفلسطينية، ومراحل تطور قوات أمن السلطة الفلسطينية في ثلاث مراحل: اتفاقات أوسلو (1993- 1999)، والانتفاضة الثانية (2000- 2006)، ومشروع السلطة الفلسطينية لبناء الدولة بعد العام 2007. ويشير إلى حجم التنسيق الأمني، وأهميته لأمن إسرائيل وتضخمه كأداة لهيمنة الاحتلال، وأداة لهيمنة طبقة فلسطينية تسلطية.
فقطاع الأمن الفلسطيني يستأثرُ بنحو نصف موظفي الخدمة المدنية، وبنحو مليار دولار من موازنة السلطة الفلسطينية، ويتلقى نحو 30 في المئة من مجموع المساعدات الدولية المصروفة للفلسطينيين. وتفوق حصة قطاع الأمن من موازنة السلطة الفلسطينية قطاعات التعليم والصحة والزراعة مجتمعة. ويضم القطاع حالياً 83,276 فردا في الضفة الغربية وقطاع غزة، بمن فيهم 312 عميداً، 232 يتبعون للسلطة الفلسطينية و80 لحماس. وعلى سبيل المقارنة، يضم الجيش الأمريكي بأكمله 410 عمداء. وتبلغ نسبة أفراد الأمن لعدد السكان 1 إلى 48، وهي من الأعلى في العالم.
فقطاع الأمن الفلسطيني يستأثرُ بنحو نصف موظفي الخدمة المدنية، وبنحو مليار دولار من موازنة السلطة الفلسطينية، ويتلقى نحو 30 في المئة من مجموع المساعدات الدولية
عقب توقيع
اتفاقية أوسلو وملحقاتها، حرصت السلطة الفلسطينية على التنسيق الأمني مع إسرائيل بقوة، وأدى ذلك إلى ضرب وتفكيك المقاومة في الأراضي المحتلة. وافتخرت السلطة بإفشال العديد من عمليات المقاومة، وشنت السلطة حملات اعتقال واسعة طالت قادة نشطاء حركات المقاومة على رأسها حركة حماس. وقد بلغت ذروة الاعتقالات في شتاء عام 1996، حيث تم اعتقال 2000 من قادة وعناصر حماس، إلى جانب إغلاق مؤسساتها بالكامل في الضفة وغزة.
ومع ذلك بقي ياسر عرفات يمزج بين التفاوض والمقاومة، ففي أعقاب فشل مؤتمر كامب ديفيد في تموز/ يوليو 2000، ساهمت القيادة الفلسطينية بإشعال انتفاضة الأقصى، في 28 أيلول/ سبتمبر 2000، والتي استمرت حتى عام 2005، وهو ما أفضى إلى وقف التعاون الأمني، وأدى إلى حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقر المقاطعة برام الله حتى وفاته بظروف مريبة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2004، وانتخاب محمود عباس خلفاً له.
شهدت حقبة محمود عباس ازدهار التنسيق الأمني، وتنامي النزعة التسلطية. فقد ظل عباس معارضاً بشكل مطلق للعمل المسلح ضد الاحتلال، كما دافع بشراسة عن التعاون الأمني مع إسرائيل بوصفه "مصلحة وطنية" فلسطينية، بغضِّ النظر عن السلوك الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين.
شهدت حقبة محمود عباس ازدهار التنسيق الأمني، وتنامي النزعة التسلطية. فقد ظل عباس معارضاً بشكل مطلق للعمل المسلح ضد الاحتلال، كما دافع بشراسة عن التعاون الأمني مع إسرائيل بوصفه "مصلحة وطنية" فلسطينية، بغضِّ النظر عن السلوك الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين
وفي عهده تم حلّ الجناح المسلح لحركة "فتح" "كتائب شهداء الأقصى" عام 2007، وكانت قد تشكلت خلال الانتفاضة بأمر من عرفات، ولم يسمح عباس لحركته "فتح" بلعب أي دور فعلي للإسهام في تبني المقاومة في مواجهة المشروع الاستيطاني وتحدي السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، كما عمدت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة إلى التصدي لكافة أشكال المقاومة وحتى الشعبية السلمية منها، وأحبطتها بالكامل.
لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً حيوياً في بناء التنسيق الأمني وتعزيزه لضمان أمن إسرائيل، ففي عام 2005، عمدت الولايات المتحدة ولأول مرة إلى لعب دور فاعل في تنظيم ومأسسة التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حسب خير الدين الجابري؛ حيث شكَّلت واشنطن مجلساً لتنسيق التعاون الأمني بين السلطة وإسرائيل، بقيادة الجنرال الأمريكي كيث دايتون، الذي تولى شخصياً مهمة الإشراف على إعداد وتدريب أجهزة السلطة الأمنية لتحسين قدرتها على إحباط العمليات المسلحة للمقاومة.
ولم يعمل دايتون على مأسسة التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة وجعله أكثر جدوى فحسب، بل حرص أيضا على أن تسهم دورات التدريب التي أشرف عليها في فرض عقيدة أمنية جديدة على المؤسسة الأمنية في السلطة، بحيث يفضي تشرب منتسبي الأجهزة الأمنية الفلسطينية تلك العقيدة إلى "صناعة الفلسطيني الجديد"، الذي يرى في إحباط العمل المقاوم ضد الاحتلال مصلحة وطنية له.
وقد أقر الجيش الإسرائيلي بدور الإصلاحات على النظام السياسي الفلسطيني في زيادة فاعلية التعاون الأمني وإسهامها في تحسين ظروف المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية.
وبفعل خطة دايتون، ضربت السلطة الفلسطينية حتى يومنا أجنحة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية بالكامل، والتي سمّتها "العصابات المسلحة"، كما فككت التشكيلات العسكرية لها. وقد أشار الجنرال الأمريكي دايتون إلى أن الآلاف من أبناء القوى الأمنية الفلسطينية الذين تدربوا بتمويل أمريكي في الأردن، قادوا الحملات الأمنية في مدن الضفة، واعتقلوا المئات من أبناء حماس والجهاد وفصائل المقاومة، وتم ذلك على مستوى تنسيقي واسع المدى بينهم وبين الإسرائيليين.
تكللت خطط دايتون بالنجاح في الضفة الغربية لكنها باءت بالفشل في غزة، بعد سيطرة حركة حماس على القطاع كاملاً في تموز/ يوليو 2007، وذلك بعد 17 شهراً من فوز الحركة في الانتخابات البرلمانية في كانون الثاني/ يناير 2006، حيث أوكلت إلى الجنرال دايتون مهمة منع "حماس" من السيطرة على الضفة الغربية، وهي اللحظة التي دفعت بسلطة أوسلو إلى تعزيز التعاون الأمني مع إسرائيل، حيث استثمر الاحتلال الفرصة لابتزاز قيادة السلطة وإجبارها على إبداء أكبر قدر من التعاون الأمني في الضفة، بحجة أن التعاون في مواجهة حركات المقاومة ضرورة لضمان بقاء
حكم فتح وعدم السماح لحماس بتكرار "نجاحاتها" في الضفة.
وقد ترافق ذلك مع مجيء سلام فياض كرئيس للوزراء، والذي تبنى سياسات اقتصادية نيوليبرالية أفضت إلى ترسيخ التبعية الاقتصادية لإسرائيل والتبعية الأمنية. وحسب ناثان ثرول الذي كتب آنذاك مقالة في "نيويورك تايمز"، يُنتقد فياض في المناطق الفلسطينية تماماً لنفس الأسباب التي مُجّد بسببها في الخارج. فقد أدان العنفَ ضد إسرائيل كموقف مناهض لتطلعات أبناء شعبه، وقال إنّه يمكن إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدولة الفلسطينية العتيدة، خارج إسرائيل، واقترح أن تمنح هذه الدولة العتيدة المواطنة لليهود.
في محاضرةً ألقاها الجنرال الأمريكي كيث دايتون في ندوة لمعهد واشنطن في 7 أيار/ مايو 2009، بعنوان "السلام من خلال الأمن: الدور الأمريكي في تطوير قوات أمن السلطة الفلسطينية"، يتفاخر بصياغة العقيدة الأمنية لأجهزة السلطة الأمنية. ويقول دعوني أقتبس لكم، على سبيل المثال، ملاحظات على التخرُّج من كلمة لضابط فلسطيني كبير من الخرِّيجين وهو يتحدث إليهم في اجتماع لهم في الأردن في الشهر الماضي، قال: "أنتم يا رجال فلسطين، قد تعلمتم هنا كيف تحققون أمن وسلامة الشعب الفلسطيني.. أنتم تتحمَّلون المسئولية عن الشعب ومسئولية أنفسكم.. لم تأتوا إلى هنا لتتعلموا كيف تقاتلون إسرائيل، بل جئتم إلى هنا لتتعلموا كيف تحفظون النظام وتصونون القانون، وتحترمون حقوق جميع مواطنيكم، وتطبِّقون حكم القانون من أجل أن نتمكن من العيش بأمن وسلام مع إسرائيل".
يشير ناثان ثرول إلى أنه في العام 2009 شاركت القوات الفلسطينية والإسرائيلية في 1,297 نشاطاً مُنسّقاً، كان أكثرها موجّها ضد المجموعات الفلسطينية المسلحة، ما يُشكّل زيادة بـ 72 في المئة عن السنة التي سبقتها. وسوية، نجحت القوات المشتركة في الغالب بحلّ كتائب الأقصى، وهي فصيل مركزي من فصائل "فتح"، ومهاجمة خلايا الجهاد الإسلامي، وإغلاق جميع المؤسسات الاجتماعية التابعة لـ"حماس"، بما في ذلك النشاطات المالية والعسكرية في الضفة الغربية. واستناداً إلى التقرير السنويّ الصادر عن جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، فإنّ "عمليات مكافحة الإرهاب المتواصلة من طرف إسرائيل والجهاز الأمني الفلسطيني" أدت إلى التقليل من الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بحيث بلغ عددها حضيضاً غير مسبوق منذ العام 2000.
لم ينفك الجانب الأمني عن الاقتصادي في إطار سياسات التبعية والهيمنة، كما هو حال السلطويات حيث تنشأ طبقة النيوليبرالية العسكرية
لم ينفك الجانب الأمني عن الاقتصادي في إطار سياسات التبعية والهيمنة، كما هو حال السلطويات حيث تنشأ طبقة النيوليبرالية العسكرية؛ إذ يفكّك كتاب "فلسطين المحدودة: النيوليبرالية والوطنية في الأراضي المحتلة"، للباحث توفيق حداد، مضامين التشوّهات الاجتماعية والاقتصادية التي حلّت على المجتمع الفلسطيني منذ اتفاقيات أوسلو، وهو ما يُطلق عليه الكاتب "الإبادة الاجتماعية". ويتناول المراحل والصراعات التي تخللت تطبيق النظريات والمفاهيم المنبثقة عن التوجهات النيوليبرالية، مثل "بناء السلام" و"حلّ النزاع"، ويلقي الضوء على أثر التجربة الفلسطينية تحت قيادة رئيس الوزراء السابق سلام فياض.
ويعتبر الكتاب امتداداً لنظرية فلسطينية نقدية متوجسة من الخطاب الاقتصادي المرتبط بأركان السلطة السياسية والمانحين، والذي يتجسد بالفصل ما بين السياسي والاقتصادي و"شرعنة" العلاقة الاقتصادية مع المستعمر تحت مظلة نيوليبرالية.
كما توضح ليلى فرسخ تاريخ الأدبيات النقدية الاقتصادية وتحولاتها في السياق الفلسطيني، وتؤكد على أنّ الأجندة النيوليبرالية عملت على استيعاب الاحتلال بدلاً من تقويضه، من خلال توسيع نطاق المراقبة وإسكات المعارضة على حساب تعزيز المؤسسات الديمقراطية والخاضعة للمساءلة.
إن الأجندة النيوليبرالية لنخبة سلطة أوسلو العسكرية والاقتصادية أدت إلى اتساع الفجوة بين الشعب الفلسطيني والسلطة، التي أصبحت مدجنة ومرتهنة بالكامل للاحتلال وداعميه الأمريكيين والأوروبيين. ففي مقالة للباحث أنس قطيط، في مجلة "فورين بوليسي" بعنوان "ما حقيقة تدجين إسرائيل للسلطة الفلسطينية؟"، يقول: "إنه عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل من جانب واحد، فإن المسؤولين الفلسطينيين وعدوا برد سريع، فرفضوا اللقاء مع المسؤولين الأمريكيين، وهددوا بسحب الاعتراف بإسرائيل من جانب منظمة التحرير الفلسطينية، ووعدوا بوقف التنسيق الأمني مع الحكومة الإسرائيلية"، مستدركا بأنه بعد قرار ترامب بأشهر، وبعد نقل السفارة فعلا إلى القدس فإن السلطة الفلسطينية فشلت في تنفيذ تهديداتها. ويؤكد قطيط أن "السلطة الفلسطينية تراجعت عن كثير من وعودها، لكنها حديثاً فشلت في إيقاف التعاون الأمني والاقتصادي مع إسرائيل".
منذ إنشاء السلطة الفلسطينية، تجاوزت المساعدات الأمريكية والأوروبية الموجهة السلطة 30 مليار دولار أمريكي، وهي مساعدات تهدف إلى ضمان أمن الاحتلال. فالهدف الأول للمساعدات الأمريكية للفلسطينيين، بموجب وثائق الكونغرس، مشروطة بـ"صد الإرهاب ضد إسرائيل ومحاربته".
وتعني سياسة "أمن إسرائيل أولاً"، في ما تعنيه، حسب علاء الترتير، ضخ ملايين الدولارات الأمريكية في المؤسسة الأمنية الفلسطينية، من أجل "مهننة" عملها لتضمن الاستقرار وحفظ أمن "إسرائيل" واحتلالها وقطعان مستوطنيها ومستعمريها. وبموجب هذا المنطق الأعوج، أضحت السلطة الفلسطينية مقاولاُ للاحتلال الإسرائيلي.
كشفت جريمة قتل نزار بنات الوحشية عن مفارقة مذهلة، إذ لم يعجز جيش سلطة أوسلو عن تحقيق الحماية للشعب الفلسطيني من اعتداءات الجيش الإسرائيلي المتواصلة فحسب، بل أصبح أيضا يشارك في قمع الشعب الفلسطيني والتآمر عليه وقتله
ولكن هذه المساعدات لم تدم الاحتلال الإسرائيلي فحسب، وإنما جعلته مربحاً لإسرائيل ولاقتصادها وشركاتها. وقد ربطت كل من إسرائيل والدول المانحة استمرار العملية التفاوضية وتواصل الدعم الدولي والمالي للسلطة بمدى قدرتها على وقف عمليات المقاومة، وضمن ذلك انخراط أجهزة السلطة الأمنية في أنشطة ضد حركات المقاومة بالتنسيق مع الجيش والمخابرات الإسرائيلية.
خلاصة القول أن جيش أوسلو الذي أنشأه الاحتلال الكولونيالي الإسرائيلي، وبدعم من الإمبريالية الأمريكية والأوروبية، لم يكن من أجل تأسيس حوكمة رشيدة وتعزيز قيم الديمقراطية والمساءلة ومحاربة الفساد، بل كانت من أجل ضمان استقرار وأمن المستعمرة الإسرائيلية، وهو هدف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إنشاء نخبة نيوليبرالية مالية وعسكرية استبدادية قمعية منفصلة عن الشعب وطموحاته بالتحرر والحرية والكرامة. وهي وصفة كولونيالية تقليدية يتم من خلالها الحفاظ على الحكم الاستعماري وديمومته، تحت ذريعة خرافة بناء السلام القائم على الأمن، وهو سلام بدون عدالة يقوم على تقويض أي إمكانية للمقاومة، بل ويعمل على تقويضها من خلال وكيل محلي فاسد دون أي إمكانية للتحرر.
وقد كشفت جريمة قتل نزار بنات الوحشية عن مفارقة مذهلة، إذ لم يعجز جيش سلطة أوسلو عن تحقيق الحماية للشعب الفلسطيني من اعتداءات الجيش الإسرائيلي المتواصلة فحسب، بل أصبح أيضا يشارك في قمع الشعب الفلسطيني والتآمر عليه وقتله.
twitter.com/hasanabuhanya