هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تعتبر هزيمة حزيران 67 والتي احتل من خلالها الكيان الإسرائيلي بقية الأراضي الفلسطينية بما فيها مدينة القدس وأجزاء من سوريا ولبنان والأردن ومصر؛ آخر الانتصارات الإسرائيلية وبداية منحنى النزول لهذا الكيان، حيث لم تعرف تل أبيب بعد هزيمة عام 67 أي انتصار آخر لها.
إلا أن هذه الهزيمة والتي جاءت بعد هزيمة عام 1948م رسخت ثقافة الهزيمة لدى الفلسطينيين والعرب على حد سواء والذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر انتصار الجيوش العربية، ولكنهم اعتقدوا بعد ذلك أنه لا يمكن هزيمة هذا الكيان وأطلقوا عليه لقب "الجيش الذي لا يقهر".
كان الملايين من العرب والفلسطينيين ينتظرون اللحظة التي يُعلن فيها الانتصار الكبير على كيان الاحتلال، ولكن في الخامس من حزيران/ يونيو في العام 1967، بدأ الطيران الحربي الإسرائيلي يقصف مدنا وعواصم عربية.
وبدلًا من سماع خبر الانتصار الكبير، عاش العرب نكبة أخرى و"نكسة" لمشروع تحرير فلسطين، في حرب أسماها المحتل بحرب الأيام الستة، واحتلت فيها إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية، وأدت إلى استشهاد نحو 25 ألف عربي، ومقتل 1000 إسرائيلي.
ودمّرت إسرائيل خلال الحرب، وفق دراسات تاريخية، ما يقدّر بنحو 70% إلى 80% من العتاد العسكري في الدول العربية، فيما لحق الضرر بنحو 2% إلى %5 من عتادها العسكري.
من أحداث النكسة
وترتب عن "النكسة"، وفق إحصائيات فلسطينية، تهجير نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة؛ معظمهم نزح إلى الأردن.
حتى لكأن الهزيمة استحالت إلى علامة من علامات الهوية والتراث العربي عامة والفلسطيني على وجه الخصوص، لولا أن الشعب الفلسطيني عاود الانتفاض ورفض الهزيمة والاستسلام لغلبة القوة ومنطق الأمر الواقع.
من أحداث نكسة العام 1967
يقول المستشار في الشؤون القانونية أسامة سعد، رئيس ديوان الفتوى والتشريع في غزة: "الحديث عن هزيمة 67 تثير في نفسي دائماً كماً كبيراً من الغصة والقهر، وغالباً ما تمنعني هذه الحالة من مواصلة القراءة أو الكتابة عن هذه الهزيمة البشعة، التي قسمت ظهر الأمة العربية فلم تقم لها قائمة منذ ذلك الوقت، وجعلت من دولة الاحتلال أسطورة زرعت الرعب لعقود طويلة في نفوس الأجيال التي عاشت زمن هذه الهزيمة، هذا الرعب الذي مكَّن الاحتلال من الهيمنة والسيطرة ليس فقط على الأرض وإنما على العقول والخواطر والأفكار، وحوَّل العربي إلى ذلك الغبي الهمجي ذي الكرش الضخم والنظرة البلهاء، الذي لا يهمه شيء من هذه الدنيا سوى الأكل وممارسة الجنس، مقارنة باليهودي الذي يتصف بالذكاء والفطنة والمتسلح بالعلم والمعرفة، الذي يمارس حياة حضارية تجمع بين العلم والرفاه الاقتصادي".
أسامة سعد، رئيس ديوان الفتوى والتشريع في غزة
وأضاف سعد لـ "عربي21": "كل ذلك كان سببه الهزيمة التي لحقت بالعرب عام 67، ورغم أن محاولات كثيرة بذلت لإخراج ذلك الجيل من حالة الانهزامية التي انغرست في وجدانه، إلا أن ذلك لم يصل إلى الحد الذي يمحو آثار هذه الهزيمة من رؤوسهم، وهذا ما تجلت آثاره مؤخراً في قيام مجموعة من الدول العربية التي تشربت ثقافة الهزيمة حتى الثمالة بالتطبيع مع الاحتلال، رغم بارقة الأمل التي مثلتها المقاومة في العقد الأخير وما ألحقته بصورة الاحتلال التي رسمها على مدار 54 عاماً من خزي وذل، أعاده إلى صورته الحقيقية التي لازالت غائبة عن عقول كثير من العرب الذين تملكت عليهم الهزيمة عقولهم وأفئدتهم بحيث ظلوا عاجزين عن تقبل واقع هزيمة الاحتلال".
وأكد على أن العرب لم يكن ينقصهم سلاح ولا مال عام 1967م، ولكن كان ينقصهم بشدة النظام المؤسسي العادل الذي جعل من الأشخاص مهما بلغت مكانتهم وقوداً لتطور الدولة وحضارتها وقوتها، وليس كما كان سائداً في النظام العربي آنذاك، أن جعل من الدولة وسيلة لزعامة الفرد وطغيانه، ولذلك تم التضحية بالدولة من أجل الفرد، وعندما هزمت الدولة ونجى الفرد اعْتُبِر ذلك انتصارا حسب زعمهم.
واستعرض سعد ما دار خلال هذه الحرب وكيف أدارت دولة لاحتلال هذه الحرب وانتصرت فيها رغم تفوق الجيوش العربية عدة وعتاد وعدد، مجريا مقارنة بين حرب 67 ومعركة "سيف القدس" الأخيرة في أيار/ مايو الماضي في غزة وكيف انتصرت مقاومة غزة رغم قلة إمكاناتها العسكرية مقارنة بدولة الاحتلال.
وقال: "ظلت القيادات المهزومة وأتباعها يتحكمون في العالم العربي 50 عاماً بعد الهزيمة، فظل شبح الهزيمة وثقافة الهزيمة تسيطر على العرب، وعندما أزيحت هذه القيادات وأتباعها أو بعضها على الأقل، بدأت بشائر النصر تلوح في الأفق".
وأضاف: "منذ عقد من الزمن وبعض العرب يتنازعهم شك مرضي في إمكانية نصر المقاومة على إسرائيل، التي رَسَختْ في وجدانهم كدولة لا تهزم، ولكن مع كل معركة تؤكد المقاومة قدرتها على النصر، وتزعزع أكثر فأكثر صورة إسرائيل ككيان منتصر".
وتابع: "معركة سيف القدس تمثل وصول القطار إلى محطته قبل الأخيرة، تلك المحطة التي لم يبق عليها الكثير".
من أحداث النكسة عام 1967
وأوضح سعد أن الجيش المصري كان مسلحا بأحدث الأسلحة السوفياتية وعدد قواته يفوق بأضعاف قوات الجيش الإسرائيلي، كما أن الجيوش العربية كانت تمتلك عدداً من الطائرات والدبابات وناقلات الجند والمدافع أكثر بكثير مما هو لدى الجيش الاحتلال.
وقال: "كان لدى العرب حوالي 975 طائرة مقاتلة بينما كان لدى الاحتلال حوالي 300 طائرة وكان لدى العرب حوالي 2500 دبابة بينما لم يكن لدى الاحتلال سوى 800 دبابة، وكذلك الأمر كان الفرق كبيراً في عدد المدافع وناقلات الجند ناهيك عن الفارق الشاسع في عدد الأفراد، ولكن كانت نتيجة المعركة حوالي 25 ألف شهيد عربي مقابل حوالي ألف قتيل صهيوني، واحتلال كل من الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة، وسيناء التي تعادل مساحتها ضعفي مساحة فلسطين التاريخية، إضافة إلى احتلال هضبة الجولان السورية".
وأشار إلى أن عددا من قادة الاحتلال أدخلوا المشافي النفسية مع اندلاع حرب 67 لعدم يقينهم بالنصر بعد تضاعف حالة القلق لديهم، مؤكدا على وقال: "أن هذا يدلل على أن شبح الهزيمة يسيطر على عقول قادة الاحتلال عند كل حرب يخوضونها على خلاف ما يظهرونه للإعلام".
وأضاف: "إن الاحتلال استخدم في معركة سيف القدس الأخيرة القنابل الأمريكية الهائلة التدمير، القادرة على اختراق التحصينات للوصول إلى أعماق أنفاق المقاومة للقضاء على قيادات المقاومة ومرابض الصواريخ، ولكن في الوقت الذي نجحت فيه إسرائيل في مهمتها تجاه المطارات العربية عام 67، فقد فشلت فشلاً ذريعاً تجاه المقاومة عام 2021، على الرغم من الفارق الكبير في مقدار القوة والتطور التكنولوجي للطائرات الإسرائيلية".
من أحداث نكسة العام 1967
وأشار إلى أن دولة الاحتلال امتلكت عام 2021م قوة تدميرية كبير من الصواريخ والقنابل التي استخدمت ضد المقاومة مقارنة مع حالة الطائرات الإسرائيلية وقدرتها التكنولوجية وقوة قنابلها في 1967، إضافة إلى الفرق الكبير أيضاً بين ما لدى المقاومة من مقدرات في 2021 وبين ما كان لدى الدول العربية في 1967.
وقال: "عند مقارنة أحداث عام 1967 بأحداث العقد الأخير وعلى وجه الخصوص معركة سيف القدس، نجد أن المسألة لم تكن أبداً في المعدات أو السلاح أو القدرات، ولكن ببساطة المسألة تكمن في الإنسان والقيم التي يحملها".
وأضاف: "انتصرت إسرائيل حينما تفوق الصهيوني بقيمه ومثله وعقيدته التي يحمل، وهزم العربي آنذاك لانهياره القيمي والعقائدي".
واعتبر الباحث الفلسطيني إبراهيم المدهون حرب 67 بأنها كانت هزيمة إستراتيجية للمشروع العربي وأحدثت تحولا كبيرا، مشيرا إلى أن من أبرز نتائجها أنها أبعد القوة العربية عن الصراع العربي الإسرائيلي وهزمتهم.
إبراهيم المدهون.. باحث في الشأن الفلسطيني
وقال المدهون لـ "عربي21": "هذه الهزيمة هي أعادت الاعتبار للحالة الفلسطينية وأضحت بديلا عن المواجهة العربية للاحتلال هي المواجهة الفلسطينية".
وأكد على أن الفلسطينيين أبدعوا أكثر من العرب في هذه المواجهة، مشيرا إلى أنه بعد النكسة حدثت معركة الكرامة وتم دخول الفلسطينيين إلى المواجهة بشكل مباشر وتم إعداد جيش التحرير الفلسطيني والمنظمة وإعادة ترتيبها ودخول حركة فتح على الخارطة.
وأضاف :"كان هناك مجموعة من المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين أدت في النهاية إلى مواجهة شاملة عام 1982م في بيروت والتي استمرت أكثر من 3 أشهر".
وأشار إلى أنه بعد أحداث بيروت عام 1982م وخروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان تم نقل الصراع والمواجهة الفلسطينية من الخارج إلى الداخل فانطلقت المواجهة في غزة الضفة الغربية في 1987م باندلاع انتفاضة الحجارة الكبرى، مؤكدا على أن هذه المواجهة مستمرة بأشكال مختلفة.
وقال الباحث الفلسطيني: "الشعب الفلسطيني خاض بعد نكسة 67 مجموعة مواجهات وثورات وهبات عززت حضوره وصموده وكان آخرها معركة سيف القدس".
وأضاف: "هزيمة عام 67 ألقت بزمامها الثقيلة ورسخت الاحتلال الإسرائيلي، ورسخت قيام الكيان الإسرائيلي، حيث انه بعد نكبة عام 1948م كان الكيان قلق ومضطرب لا يثق في نفسه ولا تثق به القوى الدولية لا أحد يثق في استمراره لكن بعد النكسة كانت هناك حالة استقرار وحالة استقواء وتمدد للمشروع الصهيوني".
وتابع: "لم يتوقف هذا التمدد الإسرائيلي إلا بعد انتفاضة الحجارة وبعدها انسحب من لبنان ثم من غزة، وفكر في الانسحاب من الضفة أمام ضربات المقاومة الموجعة واليوم هو يهزم بشكل استراتيجي أيضا في معركة سيف القدس".
وأشار إلى أنه ما بين عام 67 ومعركة سيف القدس 2021 عمرا طويلا ومراكمة كبيرة من نضال الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي أوصلت الاحتلال لهزيمة استراتيجية.
وقال المدهون: "نحن ما بين هزيمة العرب الاستراتجية في 67 وهزيمة الاحتلال الإسرائيلي في 2021 في سيف القدس 45 عاما، لذلك تأتي أهمية معركة سيف القدس الأخيرة".
وأضاف: "انتفاضة 87 جاءت بعد 20 عاما من النكسة وبعد 40 عاما من النكبة وهي انتفاضة أحدثت تحولا إستراتيجيا في مشهد الصراع العربي الإسرائيلي وأدخلت عنصرا جديدا للمواجهة واستطاعت أن تفرض واقعا وتطورت من نقل القوة الفلسطينية من الخارج إلى الداخل".
وتابع: "هذه الانتفاضة عززت حضرها بموجات ثورية في 78 وفي 2000 وفي 2015 انتفاضة القدس وفي المواجهات العسكرية، ومسيرات العودة وآخرها سيف القدس، ومازلت الموجهة مستمرة".
من انتفاضة الحجارة ضد الاحتلال
وتوقع المدهون أن تكون مواجهة جديدة ليست بعيد خلال عامين إلى 3 أعوام لن تكون أقل من ذلك خصوصا في الضفة الغربية التي بات أهلها يدركون أهمية المواجهة من أجل التحرر من نير الاحتلال.
وقال: "نكسة 67 تعتبر قمة العلو الإسرائيلي ولهذا بعد 67 بدا التراجع الإسرائيلي وبدا الانسحاب من سيناء والانسحاب من لبنان ومن غزة وأجزاء من الضفة الغربية وبقى للاحتلال الجولان والقدس وبعض مناطق الضفة الغربية".
وأضاف: "بقليل من الثورة الفلسطينية باعتقادي أن الاحتلال بات مهيأ للانسحاب من الضفة ومن القدس، ولكن هذا يحتاج لعملية نضال من داخل الضفة الغربية وهذا من آثار معركة سيف القدس".
ومن جهته أكد الكاتب والمحلل السياسي سمير حمتو أن من عاش نكسة الـ 67 كان يظن أنها لن تنتهي وان الشعب الفلسطيني لا يمكنه بعد ذلك رفع رأسه.
وقال حمتو لـ "عربي21": "مرارة هزيمة عام 1967م أثرت بشكل كبير على ثقافة الفلسطينيين وجرعتهم مرارة القهر والإحباط من مناوشة الاحتلال".
وأضاف: "لذلك كان يجب أن يتغير جيل الهزيمة وتداعياته على المشهد الفلسطيني، ويتخلص الشعب الفلسطيني من الوصايا العربية ويقود زمام المواجهة بنفسه ولا يستلم لمقولة (الكف لا يواجه المخرز)".
سمير حمتو.. باحث فلسطيني
وأشار إلى أن الجيل الذي ولد بعد هزيمة 67 هو الذي قادة كل الثورات المتعاقبة، ليخرج أطفال الحجارة في غزة يستخدمون سلاح الحجارة ضد قوة وترسانة عسكرية كبيرة.
وقال: "من حمل الحجارة عام 1978م، عاد وحمل البندقية عام 1992م في سلسلة عمليات فدائية كانت امتداد للانتفاضة حال توفر السلاح، وحمل الآر بي جي في انتفاضة الأقصى عام 2000، وأطلق الصاروخ بعدها بعام وحفر الأنفاق، وصنع الطائرات المسيّرة والعوامات المفخخة، وأطلق الكورنيت الموجه، وغيرها من الأسلحة التي تم الكشف عنها والتي لم يتم الكشف عنها".
وأضاف: "كل هذه أسلحة في أغلبها محلية الصنع لم ترسلها الدول العربية التي أخذت على عاتقها حصار المقاومة وتجفيف منابعها".
وأشار حمتو إلى أن مشهد حب المقاومة تغير بشكل كبير خلال السنوات الماضية، منوها إلى أنه في عام 1967م كان الفلسطيني يقوم بقطع أصبع يده حتى لا يتم أخذه للتجنيد مع الجيوش العربية، ولكن الآن الأم هي التي تودع ابنها قبل خروجه لتنفيذ عمليات فدائية، إضافة إلى اندفع الآلاف من الشبان للعمل في اذرع المقاومة المختلفة.