هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
توقف الشاب جهاد قوس (27 عاما) عن إحصاء مرات اعتقاله على يد الاحتلال؛ فهو واحد من عشرات الشبان المقدسيين الذين يقطنون أحياء البلدة القديمة ويتعرضون للاعتقال والملاحقة بشكل متكرر بسبب قربهم من المسجد الأقصى المبارك.
بدأت الاعتقالات بحق جهاد حين كان طفلا في الثانية عشرة من عمره، وقبل عدة أيام كان اعتقاله الأخير قبل أن يصدر الاحتلال قرارا بإبعاده عن مكان سكنه في البلدة القديمة، ليعيش صنوفا من المعاناة بسبب الاعتقالات المتكررة.
ويتعمد الاحتلال شن حملات اعتقال كبيرة تطال عشرات الشبان من البلدة القديمة كلما حدثت مواجهة في المسجد الأقصى المبارك أو حتى قبل ذلك تحت مسمى "الاعتقال الاحترازي"، وهو ما يعرقل حياة الشبان وعائلاتهم ويجعلهم يعيشون تحت مراقبة عناصر الشرطة بشكل مستمر.
حياة متقطعة
قبل خمسة أعوام تمكن جهاد من إحصاء مرات اعتقاله التي وصلت إلى 35 مرة، ولكنه الآن يعجز عن ذلك بسبب كثرة الاعتقالات، وخلال الأعوام الخمسة تعرض للاعتقال والاحتجاز والتوقيف عشرات المرات.
ويقول لـ"عربي21" إنه يقطن في حارة السعدية التي كانت من أجمل أحياء البلدة القديمة قبل أن يركز الاحتلال والمستوطنون أطماعهم فيها، لتتحول إلى حي أمني بامتياز تسيطر عليه أعين شرطة الاحتلال والمخابرات الإسرائيلية.
ويشير إلى أن الاعتقالات لا تتم بحق شبان البلدة فقط حين يكون هناك حدث ما في المسجد الأقصى المبارك؛ بل إن الاعتقالات تتم بشكل احترازي حين يشك الاحتلال أنه من الممكن أن تكون هناك مواجهة، مثل اعتقالهم قبل الأعياد اليهودية والمناسبات المختلفة التي يحتفل بها المستوطنون.
ويوضح أن مجريات الاعتقال هي عادة متشابهة؛ حيث يتم اقتحام المنازل وطلب بطاقات الهوية من الشبان؛ ثم التدقيق فيها واقتيادهم للاعتقال، وأحيانا يتم الاعتداء عليهم خلال ذلك، وبعدها يتم التحقيق معهم واستجوابهم لساعات تحت تهمة دائمة وهي "التخطيط لعمل مواجهات وصد قطعان المستوطنين".
وخلال اعتقاله الأخير الذي صاحب المواجهات في المسجد الأقصى المبارك في الثامن والعشرين من رمضان الماضي؛ قال قوس إنه رأى في مركز تحقيق المسكوبية شبانا ينزفون دما وأعينهم متورمة من شدة الضرب والاعتداء.
وحول سبب استهداف شبان البلدة القديمة يقول إنه على مدار السنوات الماضية أثبتوا أنهم خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى في أي مواجهة، وكانوا دوما هم وشبان القدس بشكل عام يتواجدون لصد الاقتحامات، حيث يشكل سكان البلدة القديمة الملاصقة للمسجد الأقصى رأس الحربة في كل حدث.
وبعد الاعتقال يتم تمديد توقيف الشبان ثم الإفراج عنهم بشروط حتى لو ثبتت براءتهم، وقد تصل الشروط إلى الإبعاد وهو ما حدث مع جهاد والكثير من أصدقائه، حيث تم تسليمه قرارا بإبعاده عن البلدة القديمة لمدة 17 يوما من أجل إبعاده عما يحدث فيها.
ويضيف: "تعرضت للإبعاد عن منزلي أكثر من مرة وهو الأمر الذي يؤثر على حياتنا كثيرا؛ حيث نبتعد عن عائلاتنا التي لا نستطيع أن نأخذها معنا من بيت إلى آخر، ويؤثر على عملنا بشدة، فمثلا تم اعتقالي قبل هذه المرة لأسبوع وبعدها أفرج عني رهن الحبس المنزلي لخمسة أيام، وحين انتهت المدة وأردت التوجه لعملي تم اعتقالي من جديد لخمسة أيام وهي فترة طويلة ابتعدت فيها عن عملي، وفي كثير من الأحيان لا يستطيع أرباب العمل أن يبقوننا فيه بسبب تغيبنا المستمر".
وإلى جانب الاعتقالات يعيش أهالي البلدة القديمة حياة متقطعة؛ حيث يتعرضون لضغط أمني كبير على يد الاحتلال الذي يضع كل هدفه لحماية المستوطنين الذين يستولون على منازل الفلسطينيين في البلدة، ولتحقيق ذلك ينشر جنوده بشكل دائم في أزقتها لإعاقة حياة الفلسطينيين؛ ويزرع آلات المراقبة في كل شارع وحي وحتى على أسطح المنازل فيها.
ويضيف قوس: "كلما حدث شيء في البلدة يتم اقتحام منازلنا واعتلاء أسطحها، وكلما مررنا بالقرب من شرطة الاحتلال يتم توقيفنا وتفتيشنا وفحص هوياتنا، ولكن رغم هذه التنغيصات إلا أننا باقون في مسجدنا ومنازلنا ولن ترهبنا إجراءاتهم".
دور محوري
الناشط المقدسي ورئيس لجنة أهالي أسرى القدس أمجد أبو عصب يقول لـ"عربي21" إن الاحتلال يبذل
مجهودا استخباراتيا وأمنيا واجتماعيا وشرطيا على كل المستويات لأجل تهويد القدس والبلدة القديمة.
ويوضح أن الاحتلال يعتبر شبان البلدة القديمة الذين هم جغرافياً الأقرب إلى المسجد الأقصى المبارك؛ يشكلون أكبر عبء أمني عليها، حيث برز في البلدة الكثير من الشبان الذين أخذوا على عاتقهم حماية المسجد، وبالتالي تم اعتقالهم لفترات طويلة وتعرضوا للإيذاء من مؤسسات الاحتلال وطوردوا وفرضت عليهم الغرامات المالية العالية والأحكام بالسجن والإبعاد عن الأقصى والبلدة.
ويرى بأن شبان البلدة لعبوا دورا محوريا في كافة محاور الأحداث في الأقصى من ناحية حمايته من هجمات المستوطنين والرباط فيه خلال شهر رمضان؛ والمشاركة في لجان الحفاظ على الأمن من خلال توزيع وجبات الإفطار وتنظيف المسجد وإقامة حلقات الذكر وتحفيظ القرآن والمشاركة في نشاطات اجتماعية كبيرة شارك فيها أهالي البلدة القديمة وكل القضايا التي تتعلق بالأقصى.
وأضاف: "هذا الوضع حاربه الاحتلال بشدة لأنه يريد تفريغ البلدة والأقصى وهناك استهداف لأي نشاط، واعتقال المسؤولين عن ترتيب حلقات الذكر والإفطار الجماعي ونشاطات خيرية مختلفة مثل مشروع حصالة طفل الأقصى ونشاط الأقصى في خطر، كل هذه الأمور الاحتلال أفرز لها طواقم استخباراتية أو طواقم تعمل اجتماعيا".
محاولة اختراق البلدة القديمة أصبحت على أجندة الاحتلال لمحاربة شبانها، فحاول ذلك من خلال إنشاء المراكز الجماهيرية لمحاولة مساعدة الناس في ترميم منازلها؛ وإقامة لجنة إصلاح عشائري في مركز شرطة صلاح الدين لاختراق بيوت الناس والتعرف على نقاط الضعف لديهم كي يسيطر على المجتمع في البلدة القديمة.
وأشار أبو عصب إلى أن الاحتلال يقوم بمراقبة المعلمين في البلدة ويتابع بشكل حثيث موضوع التدريس واستهداف المعلمين في مدرسة دار الأيتام والمدرسة الشرعية في البلدة القديمة والمسجد الأقصى، ويشن حربا شاملة عليهم، لافتا إلى أن عددا من شبان القدس برزوا في البلدة القديمة كمجموعة كبيرة من قادة العمل الوطني أبرزهم الشهيد مصباح أبو صبيح الذي كان يعيش حلمه في الأقصى المبارك، والكثير من أبناء البلدة القديمة.
وتابع: "الأقصى هو مدرستهم ومسجدهم والمتنزه الخاص بهم وساحة اللعب حتى لكرة القدم، الأقصى يعني الكثير رغم أنهم كانوا أطفالا إلا أنه الشيء العظيم بالنسبة لهم وهذا الأمر انغرس في نفوسهم حتى كبروا".