تقارير

الإرساليات التبشيرية أدخلت الطباعة إلى فلسطين

بائع صحف يعرض صحيفة "فلسطين" في يافا عام 1920
بائع صحف يعرض صحيفة "فلسطين" في يافا عام 1920

أدت الإرساليات التبشيرية في القرن التاسع عشر دورا أساسيا في دخول الطباعة إلى فلسطين، إذ مع انتصاف القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1846، دخلت أول مطبعة عربية إلى فلسطين وهي مطبعة البطريركية الأرثوذكسية، وعرفت باسم "مطبعة الأرض المقدسة"، وكانت تعرف في العهد التركي باسم مطبعة "دير الروم".
 
وفي العام التالي أسست مطبعة "الآباء الفرنسيسكان" وأشرف عليها الرئيس العام للرهبانية الفرنسية وكانت تطبع بجميع اللغات. ثم افتتحت عام 1867 "المطبعة الإنجليزية" التي امتلكت امتيازها جمعية الكنيسة البروتستانتية. وفي نفس الفترة أنشأ الأرمن الغريغوريون مطبعة في القدس وضعوها في ديرهم المجاور لجبل صهيون. وفي عام 1849 أنشئت جمعية القبر المقدس اليونانية مطبعة وضعتها في مقر البطريركية للروم الأرثوذكس في القدس. وأنشئت في القدس عام 1879 مطبعة "المرسلين الكنائسية ـ الإنجيلية". وكانت جميع الكتب التي تصدر عن هذه المطابع كتبا دينية.

وفي السنوات اللاحقة تأسست أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بعض المطابع التجارية في القدس وحيفا ويافا. وازداد نشاط الطباعة في فلسطين على أثر الدستور العثماني عام 1908 وإطلاق حرية الصحافة. ومن هذه المطابع كانت "المطبعة الوطنية" التي أسسها في أواخر القرن التاسع عشر ألغونس أنطون ألونصو. وكانت تطبع مجلة "النفائس" لصاحبها خليل بيدس، وصحيفة "الكرمل".

 

 



وكان في مقدمة الصحافيين الذين أنشأوا مطابع خاصة جرجي حبيب حنانيا الذي كان يطبع في مطبعته صحيفة "القدس"، ويطبع فيها أيضا مجلة "الأصمعي" لصاحبها حنا العيسى.

وكان لعيسى العيسى وأخيه يوسف العيسى مطبعتهما الخاصة في يافا، وكانا يطبعان فيها صحيفة "فلسطين" .

 



وأنشئت في القدس مطبعة "دار الأيتام الإسلامية" ومطبعة "دار الأيتام السورية"، وكان يصدر عنهما كثير من الجرائد والمجلات. وضمت يافا عددا من المطابع، منها: "المطبعة العصرية"، و"مطبعة الحرية"، و"مطبعة الدفاع"، و"مطبعة الفجر".

وتأثرت الطباعة بتوقف أكثر الصحف عن الصدور خلال الحرب العالمية الأولى، ثم عادت إلى النشاط بعد الحرب. لكن المطابع العربية ظلت غير قادرة على مواكبة التقدم في الطباعة بسبب الأوضاع السياسية المضطربة أيام الانتداب البريطاني الذي ضيق الخناق على الحركة الوطنية الفلسطينية، وتدهور الحياة الاقتصادية في فلسطين.

وفي سياق إصدار الصحف فقد كان أول امتياز لصحيفة من نصيب الحكومة العثمانية عام 1867 حين أصدرت أول صحيفة في فلسطين تحت اسم "القدس الشريف" في القدس باللغتين العربية والتركية، وكان علي الريماوي رئيسا للقسم العربي فيها وعبد السلام كمال رئيسا للقسم التركي، كذلك صدرت في نفس العام صحيفة "الغزال" باللغة العربية وكان الهدف من إصدار تلك الصحيفة هو تعميم الأوامر الرسمية.

وفي 1903 أصدرت متصرفية القدس جريدة رسمية سميت أيضا "القدس الشريف" واعتبرت الحكومة التركية أن هذه الصحيفة هي الخطوة الأولى في تنظيم الصحافة.

وفي أوائل القرن العشرين كان هناك قفزة كبيرة في الصحافة الفلسطينية فصدرت في فلسطين 15 صحيفة، وذلك بعد ازدياد نشاط الحركة الوطنية الفلسطينية.

ففي عام 1905 ظهرت مجلة "باكورة جبل صهيون" الشهرية باللغة العربية، وكانت هذه المجلة أدبية علمية وليس لها علاقة بالحركة الصهيونية، وترأس تحريرها توفيق زيبق.

وفي عام 1908 أسس جورجي حنانيا صحيفة "القدس"، وكانت صحيفة علمية أدبية تورد أخبار الحكومة، وكانت ملتزمة بسياستها. وفي نفس العام أصدر نجيب نصار صحيفة "الكرمل" الأسبوعية الذي كان أول من حذر من الأطماع الصهيونية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

 



وفي عام 1908 صدرت جريدة "بشير فلسطين" التي امتلكها المجمع المقدس الأورشليمي، وردا على هذه الصحيفة صدرت في نفس الفترة صحيفة "الإنصاف" نصف الأسبوعية التي أسسها مندلي مشحور، وغيرها الكثير من الصحف الدورية وغير الدورية.

وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي خلفتها قوانين الصحافة فقد أشارت الإحصائيات إلى أنه منذ عام 1867 حتى عام 1914 كان في فلسطين أكثر من 40 مطبوعة، أما خلال الحرب العالمية الأولى، فلم تصدر في فلسطين سوى مطبوعة واحدة عام 1916 هي مجلة "مصور مجهول".

وبدأت الصحافة الفلسطينية في الاعتماد على آلية العمل المتبعة في الصحافة العربية آنذاك، أو التشبه بالصحف التي تصدر في الأستانة سواء من ناحية الحجم أو الإخراج أو طريقة التحرير، وذلك بسبب الافتقار إلى الخبرة، واستفادت الصحافة المحلية في أواخر العهد التركي من دخول الصحافة المصرية، وتأثرت أيضا بتطور الأدب العربي في القرن التاسع عشر.

وطغت القضايا المحلية على تغطية الأخبار ولم تحظى الوقائع الدولية باهتمام إلا نادرا كما هو الحال في صحيفتي "الترقي" و"فلسطين"، فصحيفة "الترقي" هي الوحيدة حتى عام 1911 التي كانت تنشر أخبار دولية من وكالات الأنباء، واستطاعت جريدة "فلسطين" أن تكون ممثلة لوكالة أخبار "أجانسي عسمانلي" أي "وكالة الأنباء العثمانية".

وكانت صحيفة "فلسطين" من أكثرها انتشارا وأصدرها عيسى داود العيسى في مدينة يافا عام 1911، وكانت في أول عهدها أسبوعية صغيرة، ثم أخذت تظهر مرتين في الأسبوع، ثم تحولت إلى صحيفة يومية بثمان صفحات فيما بعد، واستمرت في الصدور إلى أن دمجت مع صحيفة "المنار" وصدرت عنها صحيفة "الدستور" الأردنية 1967، وسبق أن أوقفت الصحيفة عن الصدور عام 1914 بعد أن طالبت الدولة العثمانية بالوقوف على الحياد عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، ونفي صاحبها إلى الأناضول.

وكان من أبرز الصحافيين في مرحلة المخاض والتأسيس في العهد العثماني: إبراهيم زكا، أسماء طوبى، إلياس مرمورة، بندلي مشحور، توفيق السمهوري، توفيق نصار، جورجي حنانيا، حنا عيسى، خليل بيدس، ساذج نصار، سعيد جار الله، سميرة عزام، عادل جبر، عبد السلام كمال، علي الريماوي، عيسى العيسى، ماري شحادة، محمد إسعاف النشاشيبي، نجيب نصار، نقولا الدر، يوسف العيسى.

وقد ساعد على تطور الصحافة استعمال اللغة العربية في المدارس بوصفها إحدى اللغات الرسمية الثلاث ما ساعد على إنماء الروح الوطنية والقومية والنهضة الفكرية والثقافية.

ولم يأتٍ عام 1948 حتى وصل عدد الصحف والمجلات إلى 241، وتنوعت الصحف بين سياسية وأدبية واقتصادية ودينية ومتعددة الموضوعات. وكانت معظم الصحف تقدم طلب الحصول على التراخيص الرسمية بوصفها صحفا أبية، للتغطية على أهدافها السياسية.

لعبت الصحافة في فلسطين دورا وطنيا رائدا في فضح أهداف الحركة الصهيونية وفي التحذير من الهجرة اليهودية ومجدت ثورات 1920-1921 وهبة البراق 1929 وثورة القسام 1935 ثم الثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939، وأصبحت وثيقة مهمة لتلك المرحلة التاريخية ترصد ممارسات السلطة البريطانية وقوانينها الصارمة ضد الصحافة، وتؤرخ لفلسطين وقضية شعبها.

المراجع:

ـ عمر أمين مصالحة، "من أرشيف الصحافة: نشأة صحيفة "فلسطين" في العهد التركي (1911- 1967)"، 2009.
ـ مركز المعلومات الفلسطيني، وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
ـ يوسف خوري، "الصحافة العربية في فلسطين 1876 ـ 1948"، 1976.
ـ عايدة النجار، "صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن 1900- 1948"، 2011.
ـ عايدة النجار، محاضرة في مؤسسة عبد الحميد شومان بعمان، 2017.
ـ خليل صابات، "تاريخ الطباعة في الشرق العربي"، 1966.
ـ لويس شيخو، "تاريخ فن الطباعة في الشرق".


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم