أفكَار

محمد يتيم: هذه جذور إسلاميي المغرب التاريخية والسياسية

محمد يتيم: العدالة والتنمية من الأحزاب الفريدة الذي ترأس الحكومة لدورتين متتاليتن في المغرب  (الأناضول)
محمد يتيم: العدالة والتنمية من الأحزاب الفريدة الذي ترأس الحكومة لدورتين متتاليتن في المغرب (الأناضول)
تحظى تجربة حزب العدالة والتنمية باهتمام خاص من عدد كبير من المراقبين والمحللين المهتمين بتجارب الانتقال الديمقراطي في العالم وخاصة بدول العالم الإسلامي، بالنظر إلى خلفيته الفكرية ومن حيث أن محسوب على الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية المنبثقة مما يعرف بـ "الحركات الإسلامية". كما تحظى بتتبع خاص من قبل طيف واسع من الحركات والأحزاب الإسلامية ممن تخوض تجارب في المشاركة السياسية المؤسساتية ، وتلك التي تتطلع إليها ، ولكن أيضا من قبل بعضها الآخر التي تشكك في جدواها في ظل الأوضاع السياسية في ظل الأنظمة السياسية القائمة.

وهناك من جهة ثانية معطى خاص مرتبط بمسار هذه المشاركة حيث إن الحزب هو من الأمثلة الفريدة في المنطقة العربية الذي تمكن من تحمل مسؤولية رئاسة الحكومة لفترتين متتاليتين مما لا يوجد له نظير فضلا عن تسييره لعدد من المدن الكبرى والمجالس المحلية بعد انتخابات 2016 الجماعية ثم الانتخابات التشريعية. يأتي ذلك بعد أن كان الموقع الذي ظل ملازما عبر تاريخه الطويل هو موقع المعارضة باستثناء بعض اللحظات العابرة التي شارك فيها الحزب قبل تجديد انطلاقته الجديدة بعد مؤتمره الاستثنائي المنعقد سنة 1996.

هذا التاريخ الحافل في تجربة الحزب بين المعارضة والتدبير يستدعي التوقف عند أهم محطاته ومراحله، واستخراج بعض دروسه، ومن ثم الخروج ببعض الخلاصات المرتبطة بتجربة المشاركة المؤسساتية الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، التي تشكل تجربة حزب العدالة والتنمية المغربية حالة جديرة بالتأمل.
 
الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية من التدبير إلى المعارضة

في هذه الحلقة الأولى من هذه السلسلة الخاصة بـ "عربي21"، نقف عند تجربة مؤسس الحزب الدكتور الخطيب والرعيل الأول من مناضلي الحزب، تجربة المشاركة المؤسساتية من المعارضة إلى التدبير، أو من التدبير إلى المعارضة.

محطات في المسار النضالي للدكتور عبد الكريم الخطيب

لا ينفصل مسار الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية التي سيقرر مجلسها سنة 1999 أن تغير تسميتها إلى "حزب العدالة والتنمية" عن مسار الدكتور الخطيب رحمه، الرجل الذي كان رجل مقاومة بامتياز ومن المؤسسين لجيش التحرير وأحد قياداته إلى جانب قادة آخرين منهم : حسن صفي الدين وعباس المسعدي والغالي العراقي وعبد الرحمن اليوسفي والدكتور عبد الكريم الخطيب. وانضم إلى جيش التحرير كل من كان قد جاهد مع الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في الثورة الريفية وهي سنة نفي السلطان محمد الخامس رحمه الله.

وقد كان للعمل النضالي للمقاومة وجيش التحرير دور في تسريع عودة الملك محمد الخامس من المنفى. وكان الدكتور الخطيب مع عدد من رجال المقاومة وجيش التحرير قد رفض مبادرة إيكس ليبان التي كان من بين مقترحاتها تكوين مجلس وصاية دون اعتبار رجوع الملك من منفاه. وصعد المجاهدون من مقاومتهم أكثر فأكثر، مما أدى إلى إفشال الاتفاقية، مما اضطر سلطات الاستعمار الفرنسي إلى محاولة تهدئة الأوضاع، بإرجاع محمد الخامس من منفاه، 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1955.
 
من النضال ضد الاستعمار إلى النضال ضد الاستبداد.. المناهضة المبكرة لفكرة الحزب الوحيد 

كانت موضة الحزب الوحيد موضة سائدة في العالم العربي خلال تلك الفترة، ولم تسلم الحياة السياسية من تأثيرات هذه الموضة، مما دفع إلى ظهور استقطاب سياسي في المغرب المستقل حديثا بين تيارين اثنين: دعاة الحزب الوحيد من جهة، ودعاة فتح الحياة السياسية بالبلاد على التعددية الحزبية من جهة ثانية.

وكان الدكتور الخطيب من رواد الرفض للهيمنة والاستبداد السياسي مما جعله يقود حركة شعبية رافضة للهيمنة والاستبداد السياسي مما حذا به مع عدد من رفاقه من بينهم المحجوبي أحرضان ورفيقه في الكفاح بن عبد الله الوكوتي إلى تأسيس حزب سياسي تحت اسم الحركة الشعبية. وكان حزب الشورى والاستقلال قد تعرض لحملة تضييق وتصفية لعدد من مناضلية من قبل التوجهات المتأثرة بفكرة الحزب الوحيد، فكانت الحركة الشعبية حركة سياسية معارضة لهذا التوجه حركة شعبية مناهضة لسياسة الحزب الوحيد وداعية إلى دعم الحريات العامة. 

كان على رأسهم يومها كل من الدكتور الخطيب والمحجوبي أحرضان ومبارك البكاي والحسن اليوسي، حيث سيتم في شهر شباط (فبراير) 1959 الإعلان الرسمي لتأسيس حزب الحركة الشعبية، وسيعقد  المؤتمر التأسيسيللحزب، في شهر كانون الأول (ديسمبر) من نفس السنة والذي حدد التوجهات في ثلاث ثوابت: الاشتراكية الإسلامية، وحدة شمال إفريقيا، الملكية الدستورية.

الحركة الشعبية حركة مشاركة في التدبير

تعتبر المرحلة الأولي من مراحل تطور المسار السياسي لحزب الحركة الشعبية مرحلة مشاركة في التدبير بالنسبة لحزب الحركة الشعبية حيث تسجل هذه المرحلة ومشاركته في أول انتخابات جماعية في تاريخ المغرب، سنة 1960، كما ستتميز بمشاركته في الحكومة التي ترأسها محمد الخامس ثم الحسن الثاني، بتقلد أحد قادته ت المحجوبي أحرضان تقلد منصب وزيرا الدفاع. ، وتقلد الدكتور الخطيب، منصب وزير الشغل و وزير الشؤون الإفريقية بعد ذلك بسنة واحدة، ( سيعود الحزب لتقلد تدبير وزارة الشغل بعد انتخابات 2016 من خلال أحد قيادييه الذي شغل سابقا كاتبا عاما لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب الأستاذ محمد يتيم، وسيواصل تدبير شؤون الوزارة من خلال الوزير محمد أمكراز الكاتب العام لشبيبة حزب العدالة والتنمية).

وخلال مؤتمره الثاني المنعقد بمدينة مراكش، سنة 1962، سيعلن عن برنامجه السياسي حيث سيطالب بتطوير الحياة السياسية، من خلال المطالبة بإقامة ملكية دستورية، وسيكون الحزب حاضرا  في لجنة صياغة أول دستور للبلاد حيث سيكون من أكثر المدافعين عن إدماج صفة أمير المؤمنين، دين الدولة الإسلام.

ستشارك الحركة الشعبية سنة 1963 في أول انتخابات تشريعية تشهدها البلاد، وسيتم اختيار الدكتور الخطيب رئيسا لأول مجلس نواب في المملكة المغربية قبل أن يعلن الملك الحسن الثاتي بتاريخ 7 يونيو 1965، حالة الاستثناء.

من الحركة الشعبية إلى الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية

رفض الدكتور الخطيب الذي كان رئيسا لمجلس النواب آنذاك، هذا القرار رفضا قاطعا، باعتباره انتكاسة خطيرة لمسار الحريات العامة التي تأسست في البلاد، و ردة عن مرحلة الدستور، كما أنه يمثل بابا مفتوحا لكل التجاوزات.

ونيجة للاختلاف حول الموقف من حالة الاستثناء مع المحجوبي أحرضان سيحدث انشقاق في الحزب في شباط (فبراير) 1967 تأسيس الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية وسيخرج الدكتور الخطيب وأنصاره من أمثال: بنعبد الله الوكوتي وبوخرطة ومحمد البكاي حيث سيتم تأسيس إطار سياسي جديد.

وقد استمدت تسمية الحزب أصولها من تطلع الدكتور الخطيب ورفاقه لحياة سياسية تسودها قيم الحرية والعدل، في ظل دستور يصوغه مجلس تأسيسي ينتخبه الشعب مباشرة.. فكانت: الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية.

وسيصدر الحزب مذكرة تاريخية عكست رؤيته لشروط الخروج من المأزق السياسي، والتي تلخصت في أربعة شروط: اعتماد الكتاب والسنة في كل مناحي الحياة، تدعيم الديمقراطية والخروج الفوري من حالة الاستثناء، إجراء انتخابات نزيهة وحكومة مسؤولة ومنبثقة من أغلبية برلمانية، تطهير القضاء وإصلاحه إصلاحا شاملا، الاهتمام بالثقافة الأمازيغية.

الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية وخيار المعارضة بعد حالة الاستثناء

اختار الدكتور الخطيب ورفيقه بن عبد الله الوكوتي تجميد الحزب للمشاركة في الانتخابات بسبب استمرار تازم الأوضاع السياسية في المغرب، ورفضه لتزكية ما سماه بالزور بسبب التزوير والتلاعب بالانتخابات، وتوجت الدكتور الخطيب للانشعال بقضايا الامة من خلال الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني والجمعية المغربية لمساندة الجهاد الأفغاني والجمعية المغربية لمساندة مسلمي البوسنة والهرسك، وخلال أحد هذه المهرجانات سيتم التعرف على مناضلي الحركة الإسلامية (حركة الإصلاح والتجديد) لتبدأ انطلاقة جديدة لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية.

التعليقات (1)
محمد منير
الأحد، 18-04-2021 01:07 م
اين هو واقع حزب العدالة والتنمية من مبادئه و مرجعيته الاسلامية وتاريخه النضالي ؟