قضايا وآراء

هل تفكك الضغوط الدولية مركبات الاستبداد المزمنة بمصر؟

إبراهيم بدوي
1300x600
1300x600
في إشارة مبطنة تبين أن الساحة الدولية يعاد تشكيلها وفق رؤى جديدة ومعطيات مغايرة، أصدرت 31 دولة بيانا أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، طالبت خلاله مصر بالتوقف عن استغلال قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والصحافيين، والتوسع في الحبس الاحتياطي لمدد غير محددة، وتدوير المتهمين على ذمة قضايا جديدة.. في سابقة لم تحدث منذ عام 2014، وهي خطوة ربما يكون لها ما بعدها.

البيان الذي خرج عن فنلندا وتبنته دول أوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، يؤكد أن داعمي النظام المصري ضاقوا ذرعا بتصرفاته ولم يعد لديهم قدرة على تحمل المزيد، في ظل مساءلة شعبية مستمرة لحكومات تلك الدول حول دعمها المستمر لنظام قمعي لا يتورع عن البطش بمعارضيه لمجرد الاشتباه، ويزج بالآلاف في السجون بتهم فضفاضة مثل تكدير الأمن والسلم المجتمعي، والانتماء إلى جماعات تهدف إلى زعزعة الاستقرار. وهي تهم فضفاضة يمكن أن توجه إلى كل من يغرد خارج السرب أو يعزف بشكل منفرد، في ظل قمع غير مسبوق طال جميع من يطالبون بهامش من الحرية، حتى تلاشت الخطوط الحمراء، وشمل بطش النظام شرائح واسعة من المجتمع دون تمييز.

المدقق في الدول الموقعة على البيان وما ورد به من بنود، يدرك أنه أوروبي بنكهة دولية، وأنه لم يأت بمعزل عن مشروع قرار سابق صوت عليه البرلمان الأوروبي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي؛ ينتقد "أوضاع حقوق الإنسان المتردية" في مصر، وتضمن 19 بنداً، أبرزها الدعوة إلى إجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، لأن "وضع حقوق الإنسان فيها يتطلب مراجعة جادة"، داعيا الدول الأوروبية إلى النظر في اتخاذ تدابير ضد مسؤولين مصريين رفيعي المستوى تورطوا في انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك وفقا لقانون ماغنيتسكي، مسلطا الضوء على قضية قتل طالب الدراسات العليا الإيطالي جوليو ريجيني في مصر عام 2016.

فنلندا التي تلت سفيرتها لدى الأمم المتحدة البيان، كان لها نصيبها من التهكم والسخرية من إعلاميين موالين للنظام المصري، واصفين إياها بالدولة المغمورة والتي لا يعرف أحد اسم عاصمتها، والدولة "المتعورة"، في إشارة إلى بعض التحفظات على أدائها الدبلوماسي، وأنها تعمل على نشر الشذوذ، في حين وصف بعضهم وضع حقوق الإنسان في مصر بأنه أفضل من فرنسا وأمريكا.

لم يتوقف الأمر عند أذرع النظام الإعلامية، فتحول إلى ما يشبه التعبئة العامة، لتصدر بيانات الشجب والإدانة من البرلمان، ونادي القضاة، والنقابات المهنية، ويتواصل استنفار مختلف قطاعات الدولة للتصدي لتلك الاتهامات، في سابقة غريبة عن الأعراف الدبلوماسية، وهو ما يثير تساؤلات عديدة حول مخاوف النظام المصري التي ساهمت في ردة فعل بهذا الشكل.

وكالمتوقع، جاء رد الخارجية المصرية خارج دائرة المنطق، ليؤكد أن الاتهامات الورادة بحق مصر عبارة عن مزاعم وادعاءات وأحاديث مرسلة، جاءت استنادا إلى رؤية جماعات بعينها، ولا تتوافق مع واقع الحال في مصر، متهما وزارات الخارجية بتلك الدول بعدم الإلمام بالشأن المصري، مطالبا بضرورة المراجعة المدققة لمثل هذا الكلام المرفوض، مشيرا إلى أن البيان لم يراع الجهود المصرية الشاملة في مجال حقوق الإنسان، وما تم تحقيقه خلال الأعوام الماضية.

أكثر ما لفت انتباهي في إفادة الخارجية المصرية كان المطالبة بالتوقف عن توجيه اتهامات تعبر عن "توجه سياسي غير محمود" يتضمن مغالطات دون أسانيد. ولا أدري حقيقة ما المقصود بالتوجه السياسي غير المحمود من وجهة نظر الدبلوماسية المصرية حاليا، وهل يشمل أي تحرك يهدف إلى إظهار الانتهاكات التي تجري بحق المصريين؟ أم أن الصياغة الحالية هي انعكاس لحالة السيولة التي أصابت المشهد المصري حاليا، وأصبحت معها الكلمات فضفاضة، وتحمل معاني أكثر بكثير مما تشغله من حيز على السطور؟

بالطبع لم تبلغ أي دولة حد الكمال في مجال حقوق الإنسان، إلا أن الخارجية المصرية لا يمكن أن تأخذ موقف الإنكار التام لجميع الاتهامات؛ لأنها ببساطة لم تأت من فراغ، وإنما صدرت بناء على معلومات موثقة، وشهادات حية، وتراكمات عديدة دفعت تلك الدول إلى طرح هذا البيان. وقد تكون الكلفة السياسية باهظة بالنسبة للدولة المصرية، نظرا لما قد يعقب ذلك من استنزاف سياسي على هيئة مواءمات لاتخاذ مواقف دولية محددة في قضايا بعينها، وهو ما يزيد من حالة التبعية التي تعاني منها البلاد حاليا، علاوة على الخسارة الاقتصادية الكبيرة التي قد تحدث بسبب خلل الميزان التجاري بين مصر وتلك الدول، إذا قررت ممارسة نوع من الضغط المباشر على النظام المصري.

تؤكد شواهد الواقع أن الدول تبحث عن مصلحتها الوطنية، وتقدمها على ما سواها من قضايا أخلاقية، وهو ما قد تظهر آثاره في استمرار تقديم الدعم للنظام المصري رغم كل تلك الاتهامات. لكن التحرك في مساحة الممكن لتفعيل ما ورد في البيان مطلوب من خلال مؤسسات المجتمع المدني وجماعات الضغط؛ التي يتعين أن تعمل على دفع الدول الموقعة على البيان إلى إنهاء التعاون الأمني مع دولة وصفتها بالقمعية، والمطالبة باستجوابات حول تصدير الأسلحة، والأدوات التي تستخدم في التنكيل بالمعارضين، وأجهزة التنصت المستخدمة بصورة مباشرة في انتهاكات حقوق الإنسان. وهي وسائل ضغط قد تسفر في وقت ما - إذا بلغت حدا معينا - عن إصدار قرار أممي بمراقبة ملف حقوق الإنسان في مصر، ويشمل ذلك المطالبة بزيارة السجون ومقرات الاحتجاز، والاطلاع على قرارات النيابة العامة في القضايا التي يجري بها التنكيل بالمعارضين.

راهن النظام المصري كثيرا على حالة الجمود الحالية، والمعادلة الصفرية التي يتمسك بها ولا تُتوقع معها حلول سياسية على المدى المنظور، أو آفاق جديدة لمنح المعارضة دورا - ولو جزئيا - خلال المرحلة القادمة، أو حتى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين على أقل تقدير، إلا أن الهيبة التي اكتسبها سابقا من خلال آلته القمعية لا تعبر عن واقع الحال. فقد بلغ من الهشاشة بحيث يتأثر بمظاهرة في قرية أو مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، ليستنفر أجهزته الأمنية من أجل التعامل مع تلك الأحداث، وهو ما يشير بوضوح إلى أن الحراك الداخلي هو الحل الأمثل، وأن عمل الخارج تكميلي عبر الاستفادة من وسائل ضغط قد تكون متاحة في توقيتات بعينها ولا ترقى إلى إحداث تغيير شامل، وهي نظرة أكدتها وقائع عديدة كما حدث من إعادة النظر في الضرائب العقارية، وتجميد قرار تسجيل الممتلكات في الشهر العقاري، كنتيجة مباشرة لشيء من التململ الشعبي الذي ظهرت بوادره، فقرر النظام وأده في مهده، حتى لا تتسع دائرة الرفض ويحدث ما لا يحمد عقباه.
التعليقات (1)
عبدالله ابراهيم
الأربعاء، 17-03-2021 09:35 ص
عن تجربة شخصية في بيت جار كان يربي كلبا ضخما و الذي غرز انيابه في كتف الابن فصرخا الاب و الام و اخذا يجذبا الابن فيغرز الكلب اسنانه اكثر و لم يترك الكتف الا بعد ان ضرب على راسه و مات هكذا السيسي تماما لانه ابسط جريمه ارتكبها و اول جرائمه الخيانة و ثابت انه كان يتخابر مع امريكا و يبلغها باجتماعاته مع الرئيس مرسي غير قتله الاف المصريين و بيعه الارض و النهر و البحر