قضايا وآراء

مصر.. ماذا بعد ترامب؟

إبراهيم بدوي
1300x600
1300x600
"متلازمة ما بعد ترامب".. أصابت النظام المصري مؤخرا بعد رحيل الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب عن سدة الحكم، وظهرت أعراضها بوضوح في كثير من المواقف الصادرة عن دوائر صنع القرار بمصر، ويبدو أنها ستستمر لفترة ليست بالقليلة في ظل عدم وجود علاج لها على المدى المنظور.

ترامب لم يكن مجرد راع دولي للنظام المصري، الذي تتطابق سياسته في الشرق الأوسط كليا مع رؤى الخارجية الأمريكية في العديد من القضايا المحورية بالمنطقة؛ فقد كان الرجل يشعر بهذه الرابطة (الكيميائية) الخفية التي تجمعه بعبد الفتاح السيسي - ربما للتشابه في كثير من السمات الشخصية، أو تأكيد السيسي المتواصل أن ترامب مثله الأعلى - ليظل مدافعا عنه بكل ما أوتي من قوة، حتى وصل الأمر إلى حمايته على الهواء، والإجابة نيابة عنه في المؤتمرات الصحفية التي جمعت بينهما حتى لا يتعرض "الديكتاتور المفضل" لأي نوع من الإحراج.

وعلى عكس النظام السعودي الذي تعامل ببراجماتية تواكب مستجدات الساحة الأمريكية وأفرج عن ناشطتين حقوقيتين مؤخرا كبادرة حسن نوايا، ليظهر استعداده لاتخاذ مواقف أكثر مرونة في قادم الأيام، لم يستفق النظام المصري من أزمة فقدان ترامب بعد، مواصلا الإنكار التام لأي تغير قد يحدث في سياسة مصر الداخلية، ومؤكدا عبر أذرعه الإعلامية عدم تأثر مصر بما يجري داخل البيت الأبيض.

وبالتزامن مع الأزمات الداخلية التي تعاني منها الدول الإقليمية الراعية للنظام المصري، وانحسار الدعم الذي كان يتلقاه من بعض الدول الغربية، بعد تداعيات "كورونا"، التي أجلت النظر في ملفات مثل الحرب على الإرهاب والتصدي للهجرة غير الشرعية، لم تعد لدى الجنرالات أوراق سياسية معتبرة يمكن الاعتماد عليها؛ فلجأوا إلى استخدام منطق "البيزنس"، عوضا عن أدوات السياسة التي لن تجدي نفعا - من وجهة نظرهم - في الوقت الحالي.

وفي خطوة استباقية لتجنب أي ضغط محتمل من الإدارة الأمريكية الجديدة، شن الأمن المصري مؤخرا حملة اعتقالات واسعة النطاق شملت محافظات مصرية عدة، تهدف إلى توجيه رسالة داخلية لمختلف أطياف المعارضة، مفادها أن القبضة الأمنية باقية ولا وجود لأي حل سياسي يلوح في الأفق أو أمل في حلحلة المعادلة الصفرية الحالية. وعلى الجانب الآخر، يمكن تلطيف الأجواء مع الوافد الجديد بالبيت الأبيض من خلال إطلاق سراح بعض المعتقلين - إذا وصل الضغط الأمريكي إلى حد معين يتعذر معه المراوغة - من أجل كسب مزيد من الوقت انتظارا، أملا في تحرك الرعاة الإقليميين بعد الانتهاء من إعادة ترتيب أوضاعهم الداخلية.

هذه ببساطة رؤية الجنرالات للتعامل مع الضغوط الدولية في الوقت الراهن، والنابعة من إدراكهم المحدود للواقع المصري، ومحاولاتهم المستميتة لإبقاء الأوضاع الداخلية في مصر على حالها لأطول وقت ممكن، دون إيجاد حلول جذرية لأزمة المعتقلين، أو الوصول إلى مصالحة مجتمعية تضمن المضي قدما نحو طريق الاستقرار المنشود، لتظل الأيام القادمة حبلى بمختلف التكهنات حول مصير مصر ما بعد ترامب.
التعليقات (0)