هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أجرت "عربي21" مقابلة خاصة مع نائب رئيس الاتحاد الوطني للجمعيات
الإسلامية في البرازيل، ورئيس المركز العربي اللاتيني للثقافة والدراسات
الاستراتيجية، الشيخ جهاد حسن حمادة، لمحاولة الوقوف على أوضاع ومستقبل المسلمين
في البلد الذي شهد خلال القرن التاسع عشر انتفاضة "إسلامية" نادرة.
وقال الشيخ حمادة إن "الوجود الإسلامي في البرازيل يعود إلى تاريخ
اكتشاف البلاد عام 1500 عندما وصل إليها المستكشف والبحار البرتغالي، بيدرو
ألفاريس كابرال، وبرفقته اثنين من المسلمين اللذين كانا يعملان كأدلاء. كما وصل
الإسلام مع الرقيق الذين جاءوا من إفريقيا، وكان يميز هؤلاء المسلمين معرفتهم
القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، كما ميزهم أيضا عن باقي الرقيق معرفتهم ببعض
فنون العمارة".
"ثورات ضد
الأسياد"
وأضاف: "لقد حاول المسلمون التمرد على أوضاعهم المعيشية عدة مرات من
خلال قيادة الثورات ضد الأسياد، لكون المسلمين يعرفون الكتابة والقراءة ولديهم
ثقافة وفكر، وحرص على تعليم أبنائهم، فلما فطن الأسياد لذلك بدأوا في التضييق
عليهم ومنعهم من التعليم، بل وتعذيب كل من يقتني كتابا أو نسخة من القرآن، ويذكر
التاريخ البرازيلي أنهم كانوا يدفنون الكتب والأقلام ونسخ المصاحف نهارا، ثم
يخرجونها ليلا حين تأكدهم من نوم الأسياد؛ ليواصلوا تعليم أبنائهم".
وأردف: "في كانون الثاني/ يناير 1835 اندلعت ثورة كبيرة في ولاية
باهيا بمدينة سلفادور إحدى المدن الكبرى حينئذ، بعد أن اتفقوا على الخروج في
مظاهرات ومسيرات يوم العيد، وكادت الثورة أن تنجح لولا تسريب موعد المظاهرات من
قبل إحدى السيدات؛ فلما خرج المتظاهرون وجدوا الجيش في انتظارهم، والذي استطاع
إخماد الثورة بعد إبادة المتظاهرين، كانت هذه المرحلة الأولى من التواجد الإسلامي
في البرازيل".
هجرة المسلمين إلى البرازيل
ولفت إلى أن "هناك مرحلة ثانية كان أبطالها العرب المسلمون، حين دُعوا
من قبل آخر إمبراطور برازيلي قبل استقلالها عن البرتغال ويدعى (دوم بيدرو الثاني)
فقد ذهب هذا الإمبراطور الذي اتصف بالذكاء والثقافة، وكان يحب العرب ويحب الإسلام
كثيرا، وكان يتقن اللغة العربية، وكانت لديه مكتبة إسلامية كاملة باللغة العربية،
ويروى أنه أول من بدأ في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البرتغالية ولكنه
توفي قبل إتمام تلك الترجمة".
وزاد بقوله: "هذا الإمبراطور رأى أن بلاده شاسعة جدا وعليه الحفاظ على
حدودها، فحث شعوبا كثيرة للهجرة إلى بلاده، وهو أحد أسباب تنوع مكونات المجتمع
البرازيلي الذي نراه اليوم، وبعد هذه الخطوة فكر في طريقة جديدة للعمل على ترابط
المجتمع وتماسكه، فلجأ إلى العرب ورأى أنهم خير من يقوم بهذه المهمة من خلال
استقدامهم للعمل في التجارة داخل بلاده لربط المناطق ببعضها، فسافر إلى العديد من
البلدان الإسلامية والعربية مثل تركيا، والشام، والمغرب، وحث العرب لزيارة
البرازيل، والإقامة فيها، وأتاح لهم الفرص، ومنحهم بعض المزايا".
واستطرد قائلا، في مقابلة مع "ضيف عربي21": "ثم بدأت هجرة
العرب إلى البرازيل، وبدأوا في العمل في التجارة الجوالة، حيث يحملون البضائع إلى
المزارع والمناطق النائية، والتاريخ يذكر للعرب دورهم الكبير في ترابط المناطق
البعيدة بالعاصمة، واستقر عدد كبير من العرب بعد ذلك في البرازيل وأصبحوا من
مكونات المجتمع، وأصبح لديهم إسهامات في مجالات الحياة المختلفة".
زيادة الارتباط بين الجالية العربية والإسلامية
ولفت الشيخ حمادة إلى أنه في سبيل المحافظة على الهوية الإسلامية قام
المسلمون في البرازيل ببناء المساجد، واليوم لدينا ما يقارب 120 مسجدا ومؤسسة
إسلامية، وهناك أيضا مدارس عربية وإسلامية، ولكنها قليلة العدد، وما زلنا بحاجة إلى
المزيد منها، ونتيجة انقطاع الهجرة العربية إلى البرازيل، وانقطاع العرب عن
بلدانهم الأصلية أدى ذلك لضياع لغتهم العربية وذوبان هويتهم الإسلامية".
وتابع: "الآن مع فتح خطوط الطيران بين البرازيل والدول العربية
والإسلامية مثل قطر، وتركيا، والمغرب وغيرها من البلدان. ساعد ذلك على زيادة
الارتباط وتقوية العلاقات بين الجالية العربية والإسلامية في البرازيل والشعوب
العربية وإن لم يكن كافيا، ثم جاء بعض اللاجئين السوريين وكان لهم دور أيضا في
الحفاظ على الهوية الإسلامية، ولكن ما زلنا بحاجة أكثر للحفاظ على اللغة العربية من
خلال المؤسسات التربوية وليس فقط ببناء المساجد كما يعتقد البعض".
أحداث 11 سبتمبر 2001
وعن مدى تأثر مسلمي البرازيل بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، أشار إلى أنهم
"تأثروا كثيرا بهذه الأحداث، ولكن كانت هناك حادثة إيجابية بالنسبة للمسلمين
في البرازيل، فقد كانت أكثر القنوات التلفزيونية البرازيلية مشاهدة تُعدّ لعرض
مسلسل يتناول حياة أسرة مسلمة وعاداتها الإسلامية، وطلب مني الإشراف على كتابة
المسلسل، وكان من المقرر عرضه أوائل تشرين الأول/ أكتوبر 2001.
فلما جاءت تلك الأحداث – وكنت حينها المتحدث الرسمي باسم الجالية الإسلامية
- فتحت لنا العديد من الفضائيات أبوابها للدفاع عن المسلمين، وإظهار الوجه
الحقيقي للإسلام، فأصبح هناك إقبال كبير على الإسلام، وعلى المساجد واعتناق الكثير
من الناس للإسلام، مما ساعد على تهدئة الأوضاع تجاه المسلمين، ثم جاء عرض هذا
المسلسل، وكان يُعرض مباشرة بعد نشرة الأخبار؛ فحقق نسب مشاهدات عالية جدا،
واستطاع أن يمحو الأثر السيء الذي كانت تتركه عناوين الأخبار التي تربط الإرهاب
بالمسلمين".
وأكد أن "البرازيليين تأثروا كثيرا بهذا المسلسل حتى وجدنا استعمالهم
لبعض العبارات الإسلامية مثل: بسم الله، وما شاء الله، وإن شاء الله، وغير ذلك،
إلى جانب تأثرهم ببعض القيم والتعاليم الإسلامية، مما ساعد كثيرا على تقليص حدة
العنصرية ضد المسلمين. والحمد لله استطعنا تجاوز هذه المرحلة، وإن كان هناك بعض
المخاوف التي انتابت الأجهزة الأمنية في بعض المناطق، فعملنا على التواصل معهم،
وأخبرناهم أن أبواب المساجد كلها مفتوحة، وسجلاتها مفتوحة، وليس لدينا ما نخفيه،
فعندها أيقنوا أن المسلمين جزء من المجتمع البرازيلي، ولا يريد الشر لهذا البلد،
وإنما يريد الخير له، وكان الموقف الرسمي في البرازيل هو التضامن مع المسلمين
والدفاع عنهم ومناهضة العنصرية ضدهم".
احتياجات الجالية الإسلامية بالبرازيل
أما عن احتياجات الجالية الإسلامية في البرازيل، فأوضح أنها "احتياجات
كثيرة؛ فكل ما يساعد على الحفاظ على الهوية الإسلامية نحن بحاجة إليه، تعداد سكان
البرازيل 220 مليون نسمة تقريبا، يمثل المسلمون منهم مليونا و200 ألف نسمة تقريبا،
وهناك 120 مسجدا ومؤسسة إسلامية فقط، وهو عدد قليل جدا بالنسبة لاحتياجات المسلمين
للحفاظ على هويتهم".
وأكمل: "نحن أيضا بحاجة لمؤسسات تربوية لكي نحافظ على جاليتنا وعلى
أبنائنا بهذا البلد، وإلا سنجد الكثير من شباب المسلمين يتركون دينهم، لأنهم لم
يتشبعوا بتعاليمه، ولم يتعلموا لغتهم العربية الأصلية، وهذا في تصاعد، ولا نجد حلا إلا عن طريق المؤسسات التربوية والمشاريع التربوية".
أيضا تحتاج الجالية الإسلامية في البرازيل – وفقا للشيخ حمادة - لمؤسسات
تحافظ عليها، ومؤسسات طبية يقوم عليها أطباء مسلمون، ومؤسسات تدافع عنهم، ومؤسسات
لتقوية العلاقات بين الجالية والحكومة والجهات الأمنية، والمزيد من المساجد؛ فهناك
مناطق لا يوجد فيها مساجد في البرازيل، وفي أمريكا الجنوبية بشكل عام".
وأضاف: "كذلك، نحتاج لدعاة يتكلمون بلغة أهل البلد (الإسبانية أو
البرتغالية) للوصول لأبناء المسلمين، وللحفاظ على هويتهم، ودينهم، وعقيدتهم،
وثقافتهم ولغتهم العربية الأصلية، ففي البرازيل 60 داعية فقط (لكل البرازيل) ولا
يتحدث كلهم البرتغالية، فكيف سيكون هناك تواصل لتعليم الإسلام لأبناء الجالية
الإسلامية، والحفاظ على هويتهم، ولسنا بحاجه إلى علماء، وإنما من يعلم الناس مبادئ
الدين باللغة التي يفهمونها وبالعقلية المناسبة، وبحاجة إلى تأسيس هذه المؤسسات
وبنيتها التحتية".
ورأى أن "من مزايا البرازيل وأمريكا اللاتينية أن هناك ألفة بين
الشعب، وهناك حوار وتواصل بين المسلمين وغير المسلمين في كل مجالات المجتمع، حتى
أنهم يزورون المسلمين في مساجدهم وفي مؤسساتهم، وهناك احترام مُتبادل، وبالطبع في
كل مشروع تجد مَن يريد السيطرة عليه، أو تسييره وفق أهوائه وخططه، وهناك أيضًا
لوبيات صهيونية تريد السيطرة، لكنهم لا ينجحون دائما، لوجود من يفهم أساليب عملهم،
ويستطيع مجابهتهم حتى تسير المشاريع بالشكل الذي يخدم المصلحة العامة".
نظرة إيجابية للبرازيل
وبسؤاله عن مستقبل الإسلام في البرازيل وأمريكا اللاتينية، أجاب: "أرى
أن الفرص كبيرة جدا، والعمل لا بد أن يكون الآن لكي نترك لأبنائنا وللأجيال
القادمة مؤسسات تحافظ على هويتهم الإسلامية والعربية، وإذا لم نعمل الآن سيكون
هناك ضياع كبير، وهو حاصل الآن لكن قد يزيد في المستقبل، فهناك إقبال على الإسلام
من غير المسلمين، وهناك ترك للإسلام وخروج منه من قبل أبناء الجالية
الإسلامية".
وقال: "كما أرى أن هناك فرصا كبيرة على كل المستويات للمسلمين والدول
الإسلامية في البرازيل وفي أمريكا اللاتينية بشكل عام، فلا بد أن تُبنى جسور ثقافية، تجارية، اجتماعية، وهناك مجال للمؤسسات الإغاثية الإسلامية أن تعمل في
البرازيل، وتساعد الشعب من خلال المشاريع الإغاثية الإنسانية على تغيير صورة
الإسلام والمسلمين في أذهان الناس، وليكون عملا إسلاميا حقيقيا، وليس فقط الحديث عن
الإسلام، وإنما أعمال تطبيقية تظهر حقيقة الإسلام، فهناك مستقبل مزدهر، وفرص كبيرة
لا بد أن تستغل لمصلحة المجتمع البرازيلي".
كما نوّه الشيخ حمادة، الذي يشغل أيضا منصب رئيس معهد Cinco
Pilares الإسلامي، إلى أن
هناك "فرصا كبيرة للدول العربية والإسلامية في البرازيل؛ حيث أنها تزرع وتصنع
كل شيء، وشعبها طيب، وأنصح بأن تكون هناك نظرة إيجابية للبرازيل وللمجتمع
البرازيلي".