هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منذ أيام تم الإعلان عن كيان سياسي جديد باسم: اتحاد القوى الوطنية، يأمل أن تتوحد تحته معظم المعارضة المصرية، واشتركت فيه جهات متعددة، ومنها جماعة الإخوان، ولكن خرج أفراد محسوبون على كيان سياسي آخر وهو المجلس الثوري المدعوم من الإخوان، يعارض هذا الكيان السياسي الجديد، ويهاجم رموزا له، ومثل هذه المواقف والتصريحات المتضاربة بدأت تجعل الناس تتساءل: هل الإخوان تنظيم واحد، أم تنظيمات متعددة؟ وهل مواقفه واحدة أم متعددة ومتضاربة بعدد أفراده؟ حيث بدا الأمر ملحوظا بشكل كبير، ومثار تساؤل، فهي ظاهرة متكررة.
مشهد متضارب
فمثلا تارة تجد أفرادا من الإخوان على منصات التواصل الاجتماعي يسبون ويلعنون أفرادا لنقدها بعض قيادات الجماعة سواء في مواقف سياسية، أو دعوية، فيتبادر لذهنك هذا السؤال: هل هؤلاء يشتمون بتوجيه من قياداتهم، أم القيادات ترفض ذلك، ولكنهم فقدوا سيطرتهم على الأفراد؟ أم هم على مبدأ أبي سفيان بن حرب حين مثَّل كفار قريش بجثث بعض الصحابة في غزوة أحد، فعلم بذلك أبو سفيان فقال قولته الشهيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد، ستجد مثلة، أما أني لم آمر بها، ولكنها لم تسؤني. يعني لم نأمر بالبذاءة لكنها لم تسؤنا، فقد كانت رمية بغير رام، أو غضوا الطرف عنها.
كما كنا نجد ذلك في منصات لأفراد ليسوا من الإخوان، لكنها محسوبة على كياناتهم ومنصاتهم، فتجد مثلا سيدة كانت ممثلة في أحد المجالس السياسية التي يرعاها الإخوان، وقد كانت هذه السيدة تخرج كل فترة لتخوض في أعراض خصومهم، ولكن عيارها أفلت، فإذ بها تهاجم أردوغان الرئيس التركي، ووصل بها الحد إلى الافتراء عليه وعلى زوجته، ظلت هذه القيادات صامتة عنها، ثم لقيت أحد هذه القيادات وحدثته عن سوء عاقبة فعل هذه السيدة، عندما كانت تهاجم معارضيهم، فقال لي بالنص: إنها تهاجم خصومنا، ولا تضرنا!!
مشهد لا يليق بجماعة كبرى كالإخوان لها تاريخ عريق، لا ينكره أحد، بل امتلأت به صفحات التاريخ المعاصر، وامتلأت به ذاكرة الناس جميعا، الجماعة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بفكرها وعطائها وسياستها، يصل بها الحال لهذا المستوى، فهو خطر يجب تداركه، ولتداركه خطوات، نبينها في مقال قادم إن شاء الله.
ولكن عندما دخلتْ هذه السيدة في الدائرة الحمراء، فهاجمت رئيس الدولة التي يقيمون فيها، هنا اتخذوا موقفا منها، ولو كانوا في بلد آخر، لصمتوا عنها. وما يؤكد كلامي في أنهم صمتوا عن هجومها لخصومهم، أنهم يتابعون كل ما يكتب عنهم، سلبا أو إيجابا، فقد كنت في لجنة تحكيم بين أشخاص مختلفين، فإذ بأحد الشباب يقول: لقد تم تحذيري بأني لو كتبت أنتقد القيادة الفلانية، فلسوف نقطع كل تعامل مادي بيننا وبينك، فاضطر الشاب للكف عن النقد، وقد كان نقدا بدون تجريح.
وهناك نموذج آخر لشخصية مشهورة لها قناة على اليوتيوب، استخدمته نفس الجهة، وقد عمل فيديوهات يهاجم الاصطفاف بين قوى المعارضة بالخارج، ويهاجم أفراده، بمعلومات مسربة غير صحيحة عن قيادات معارضة في الإخوان بما أطلق عليه وقتها: وثيقة العشرة، حتى استقالت هذه القيادات من المجلس الثوري، واستقالت من الجماعة، ولأن صاحب قناة اليوتيوب يهمه المشاهدات، ومولع بها، فقد قاده بحثه بنفس طريقته في التصيد وقراءة الكلام بوجهة نظره وإن كان مجافيا للحقيقة، فقد شاهد فيديو لقيادة تاريخية يتحدث فيها عن ذكرياته في السجن في مصر، فانتهى به فهمه إلى أن هذه القيادة وقيادة أخرى كبيرة هم عملاء للأمن المصري والعالمي، فإذ بالسلاح الموجه لخصومهم يوجه ضدهم، بل يكون أثره في تشويههم أكثر من فعاليته في تشويه معارضيهم في التنظيم.
ثم لوحظ في الفترة الأخيرة، أن الإخوان التنظيم التاريخي، يشارك في منصات، والمنصات المضادة، فالمجلس الثوري أساس إنشائه: الاصطفاف الوطني، وقد كان الإخوان وراء هذا الإنشاء لهذا الغرض، وهو أمر يفخرون به، ولكن لأن الفاعلين فيه في بداياته اصطدم بعضهم بقيادات في الإخوان، فاضطروا للاستقالة منه، ثم الاستقالة من التنظيم نفسه، وللأسف تحول الأداء السياسي إلى النظر، هل معارضينا في أي طرف؟ إن كانوا مع الاصطفاف قالوا: نحن ضده، وإن كانوا ضد الاصطفاف اتجهوا لتأييده. وتارة تشارك الجماعة في كيان ينادي بالاصطفاف، ويشارك في الوقت ذاته في كيان آخر يدعمه ماديا يرفض الاصطفاف بل يلعنه ويلعن القائمين عليه بالعشي والإبكار.
هذا المشهد المتضارب، لا نجد له تفسيرا سوى إما أنه دهاء شديد من القيادات وهذا مستبعد، وإما أنه علامة على إفلات زمام القيادة منهم، أو أنهم: (حضروا العفريت ولم يستطيعوا صرفه)، وهذا كثيرا ما يحدث من الجماعة، فقد حضرت عفريت حزب النور، وتحملوا تبعاته، ولم يستطيعوا صرفه، وكلفهم ذلك ضريبة ثقيلة، وقِس على ذلك نماذج كثيرة.
الإخوان وتوحد القوى الوطنية
والآن يتكرر النموذج في مسألة توحد القوى الوطنية، فقد ظلت قيادة الجماعة ترفض أي عمل سياسي يكون فيه من يعارضهم، ثم لما رأى معارضوهم أنه يجب أن يبتعدوا قليلا لعل هذه القيادات تتوحد مع القوى السياسية، كان قد فات الأوان، فالعفريت الذي أحضروه لإفشال كل عمل اصطفاف، تارة باسم الشرعية، وتارة باسم الدكتور مرسي رحمه الله، وتارة باسم ثوابت الجماعة، وتارة وتارة، الآن تغول هذا العفريت وتضخم.
الآن أدركت القيادات أن الاصطفاف آن أوانه، لكن بعد أن تغول عليها أفراد في المجلس الثوري، وصار حجر عثرة أمام خطواتهم، فعندما استقال (15) من قبل، في قصة معروفة، فقد وجهوا بالأمر أشخاصا من التنظيم بتذاكر طيران لأفراد جلبوا من قطر والسودان لملء الفراغ، ولو شكلا، ولكن مع مرور الوقت تحولت المنصة إلى لغم في حجر القيادات، وقد نزعوا فتيله، فإما أن يجلسوا عليه بدل أن ينفجر فيهم، وإما أن يفجروه فينتهي وينتهوا معه. أشبه بفيلم: (بطل من ورق)، والمقولة الشهيرة لممدوح عبد العليم عن أحمد بدير الذي ضبط قنبلة على الانفجار، والمسكين يعرف ضبط القنبلة، لكنه لا يعرف كيف يوقفها، ليقول جملته: مبيعرفش يوجفها!!
ونفس الحال الآن في التنظيم، أرادت القيادات التاريخية أن تواجه معارضيها في التنظيم، وقد كانت معارضة داخلية، في قضايا تهم الجماعة والثورة وإسقاط الانقلاب، وبدل أن تواجه بشكل مؤسسي، ووجهت بشكل كيدي، فتم جلب هواة في السياسة بل من لم يعمل بالسياسة يوما، ولا يعرف تفاصيلها، ليواجهوا بهم أشخاصا مخضرمين فيها، ولهم فيها باع طويل، وتم إقصاء المعارضين السياسيين وذوي الخبرة، لصالح أشخاص كانت أكبر آمالهم الجلوس على طاولة واحدة مع إخوانهم السياسيين، فضلا عن الجلوس والنقاش وتمثيل الجماعة في قضايا مصيرية، مع تقديرنا لهم من حيث إخلاصهم وعملهم الدعوي، لكن العمل الدعوي شيء والسياسي شيء آخر تماما.
فكنا نجد شكاوى من الأطراف السياسية الأخرى، من تواضع مستوى ممثلي الجماعة، لدرجة أن أحد شباب الثورة بعد اجتماع مع مجموعة منهم، خرج غاضبا، واتصل بي يقول لي: هل تعرف فلانا؟ قلت له: نعم، لماذا؟ قال: هو يمثل الإخوان في اجتماع سياسي، وإذ به يقول لنا: إن خلافنا معكم كليبراليين أنكم تبيحون المثلية الجنسية!!
فالليبرالية المصرية لا علاقة لها بقضية المثلية من قريب أو بعيد، ومن يجلس معهم ممثل التنظيم وقتها، ليس لديه أدنى معلومة عمن يجلس معهم، وأن معظمهم عندما يقومون للصلاة يصلون معهم، ولم يجر بينهم أي نقاش حول الموضوع، وموضوع المثلية ليس مطروحا بالأساس في اللقاء، ولكن كل ما في الموضوع أنه قيل له: اذهب ومثل التنظيم مع آخرين، فذهبوا، وجاء دوره في الحديث، فلا بد من أن يثبت أنه له كلمة، وله رأي، فجمع ما في ذهنه عن معلوماته عن الليبرالية، بحكم أن اللقاء عن التنسيق بين الليبراليين والإسلاميين. ويبدو أن المطلوب وقتها أن ينتهي اللقاء بلا إنجاز، فمن باب: ضرب كرسي في الكلوب، فقال مقولته.
وهي بلا شك مواقف تبين لنا المستوى الذي وصل له حال التنظيم، وقد تعاظم دور هؤلاء الأفراد المخلصون دعوة، السطحيون سياسة وخبرة، في ظل نزيف هجرة العقول من الجماعة، شبابا وشيبانا وخبرة، رجالا ونساءا، ولذا ستجد هذا التعارض كثيرا، وستراه أكثر وأكثر، إذا لم تسرع الجماعة بتداركه، سيزداد النزيف، وستزداد الحيرة لدى الجميع من المواقف المتضاربة، بل والمتناقضة.
وهو مشهد لا يليق بجماعة كبرى كالإخوان لها تاريخ عريق، لا ينكره أحد، بل امتلأت به صفحات التاريخ المعاصر، وامتلأت به ذاكرة الناس جميعا، الجماعة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بفكرها وعطائها وسياستها، يصل بها الحال لهذا المستوى، فهو خطر يجب تداركه، ولتداركه خطوات، نبينها في مقال قادم إن شاء الله.
[email protected]