مدونات

أيمن عبد الغني.. سيبقي الأثر يا صاحبي

أيمن عبد الغني - أحمد صبحي
أيمن عبد الغني - أحمد صبحي

في الحياة نادرا ما تجد أشخاصا أحب إليك من نفسك، وأقرب إليك من روحك، إلا أنني وجدت أحد هؤلاء، وهو أبي وصديقي وأخي وأستاذي أيمن عبد الغني. القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين، وأحد أخلص رجالات العمل الوطني قبل ثورة يناير وبعدها، وقبل الانقلاب العسكري في صيف 2013 وبعده، داخل مصر وخارجها.

تعجز كلماتي عن التعبير عن مدى حبي وعشقي لهذا الرجل الذي ترك بصمة في حياتي – وحياة الكثيرين - ستظل راسخة في عقولنا وقلوبنا ووجداننا أبد الدهر. ولن ننسى ما فعله لنا، وكيف ساهم في تغيير حياتنا.

أعلم أن الكثيرين يحبونك "يا صاحبي"، لكني أحبك أكثر. أعلم أن الكثيرين سيفتقدونك، لكني سأفتقدك أكثر.

كم كنت عظيما "يا صاحبي" في حياتك، وكم كنت عظيما في مماتك. وعلى مثلك فلتبكي البواكي. ففي حياتي كلها لم أجد حُبّا لأحد كحب الآلاف لك، من الشباب وغيرهم، ورغم أن ظروف السفر منعتني من حضور جنازتك، إلا أن الكثيرين قالوا إنهم لم يشهدوا جنازة مثل جنازتك التي كانت وسط ظروف استثنائية في ظل تفشي الموجة الثانية لفيروس "كوفيد-19" في إسطنبول، ووسط تزايد أعداد المُصابين بالفيروس اللعين الذي كان سبب في وفاتك ، إلا أن جنازتك كانت مهيبة بحق، حيث أصر الكثيرون – من كل صوب وحدب- على المشاركة رغم المخاطر التي قد يتعرضون لها.

وحتى بعد وفاتك، لايزال يتوافد الشباب على قبر البشمهندس أيمن عبد الغني. ومَن لا يعرفك "يا صاحبي" قد يستغرب كثيرا من ذلك، وحتما سيتساءلون: لماذا كل هذا الحب الجارف وغير المسبوق لمثل هذا الشخص؟ ما الذي فعله حتى يحظى بكل هذا الحب؟ وحتى يحظى بلقب "محبوب الشباب"؟

 

عشرات الشباب يتوافدون على قبر أيمن عبد الغني- عربي21


لكني أرد على هؤلاء، وأقول: لما العجب وهو الذي أحسن إلى الشباب واحتضنهم في غربتهم القاسية.

لِما لا وهو مَن كان يحضر فرح كل الشباب، حتى ولو بدون أي دعوة أو سابق معرفة.

لِما لا وهو مَن كان يفتح بيته إلى الصغير قبل الكبير ليفعل ما لا يفعله الآخرون (من احتواء وحب وحنان الأب في الغربة).

لِما لا وهو الذي اُشتهر عنه قول "يا صاحبي"، وكان يظن أن الجميع أصحابه باختلاف تياراتهم واتجاهاتهم السياسية والحزبية.

لِما لا وهو الذي رسخ مواقفه داخل وجدان كل الشباب وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما عَلم أن أحد الشباب في إسطنبول يدعي "عبد الرحمن" الذي كان في الطريق لاستقبال والدته من مطار صبيحة بعد معاناة طويلة في استخراج التأشيرة وحجز تذاكر الطيران وخلافه، وبمتابعة من البشمهندس أيمن أسرع بالتواصل مع "عبد الرحمن" والتواجد معه في المطار ليستقبل والدته، وكان مُصرّا على الذهاب معه للمطار رغم بُعده، وأصرّ على الذهاب بسيارته الخاصة لاستقبال والدة "عبد الرحمن" رافضا بشدة تأجير سيارة من إحدى شركات السياحة.. وفي وقتها هل كان يشعر البشمهندس أيمن أنه ينتظر قدوم زوجته وأبنائه الذين ابتعدوا عنه قسريا لأكثر من سبعة أعوام بسبب القمع الأمني في مصر، وسحب جوازات سفرهم لأكثر من مرة ومنعهم من السفر بتهمة أن زوجته هي ابنة نائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر، ولأن أولاده هم أحفاد خيرت الشاطر.. تلك كانت كل جريمتهم المشروعة!!

 وعندما ذهب صحابنا "عبد الرحمن" متلهف إلى أمه سرعان ما قام البشمهندس أيمن بتصويره، وكأنه يصور أولاده بعد غياب استمر لفترات طويلة من الشوق والحنين. ثم ذهب البشمهندس لأخذ حقائبهم، وكأنه السائق الخاص بـ "عبد الرحمن" أو العامل حامل الحقائب في المطار، وليس المهندس أيمن عبد الغني أمين شباب حزب الحرية والعدالة وصاحب شركات عدة. الأمر الذي جعل عبد الرحمن يستغرب كثيرا مما يفعله المهندس أيمن ويستنكر ويرفض بشدة قيامه لحمل الحقائب، إلا أن البشمهندس أقسم عليه أنه سيفعل ذلك وكان في غاية السعادة بسبب التقاء عبد الرحمن بأمه، وكنت مُستشعرا أنه كان يبكي القلب على فراق زوجه وأبنائه.

ولِما لا يحبه الآلاف، وأنا أحدهم، وهو من زوجني مثلما زوّج الكثيرين من الشباب في غربتهم، وكان لهم الأب والحما في ذات الوقت.

وعن تجربة زواجي الشخصية، أنقل لكم هذا الحوار الذي دار بيني وبين "صاحبي" أيمن عبد الغني:

أنا: ما رأيك في العروسة التي قامت عائشة الشاطر بترشيحها يا بشمهندس؟

صاحبي: والله أنا سألت الأهل عليها وهم يشكرون فيها جدا.

أنا: لكني خائف من الأمر، فكيف لي أن أتزوج بفتاة لم أرها ولم أجلس معها من قبل؟

صاحبي: نحن وضعنا قواعد وقمنا بالاختيار على أساسها، إذن فلنتوكل على الله ولا تضيق واسعا ولا تضع العراقيل أمام هذه الخطوة.

أنا: أبيها الآن يقول لعائشة إنه يخشى سفر ابنته (العروسة) لشخص لم يعرفه ولم يقابله.

صاحبي: طيب. أترك لي هذه المسألة، ودعني أتحدث معه وأعرف وجهة نظره تحديدا.. والأخت في انتظارك حتى تتحدثا معا عبر الهاتف أو لو أردتم التحدث معا مكالمة بالفيديو عبر الإسكايب.

أنا: على بركة الله. تقدم يا بشمهندس. الحمد لله استخرت وأصبحت مرتاحا للأمر.

صاحبي: هل تحدثت معها؟ وكم مرة استخرت؟

أنا: تحدثت معها مرتين عبر الهاتف وواحدة عبر الإسكايب.

صاحبي: لا يا أحمد أذهب وتحدث معها مُجدّدا أكثر من ذلك، وقم بصلاة الاستخارة أكثر.

أنا: رغم أني أرتاح للأمر وأصبح لدى قبول لكن حاضر يا بشمهندس.. الحمد لله تحدثت معها واستخرت أكثر، ومرتاح والله يا هندسة. 

صاحبي: أذن عليك بالصبر.. سأتحدث مع والدها وأرتب معه كل الأمور بأذن الله.. وأطلب من الأهل يتحدثوا مع والدها ويرتبوا معه كل التفاصيل.

أنا: الحمد لله الولد كلمهم وسعيدا جدا من طريقة التعامل يا بشمهندس رغم أنهم رفضوا كتابة القائمة للعروسة، وقالوا الشبكة مجرد هدية وأحد يفعل ما يريد.

صاحبي: من الآن فصاعدا أنا حماك هنا.. والفتاة تركت أهلها وصديقاتها وكل ما لها في مصر وستأتي لك هنا أمانة في عنقك، يعني لابد أن تحافظ على الأمانة، وعليك ألا تغضبها منك قط.

أنا: إن شاء الله أوعدك بأني سأحافظ عليها يا بشمهندس.

وكان معي حينما ذهبت لشراء بدلة لحفل الخطوبة، وأصر على اختيار بدلة له بنفس اللون كي يُسعدني، كما أعترض على دفعي ثمنها، قائلا: "عيب يا ولد، أنا مَش زي أبوك هنا ولا أيه؟!".

وإلى أن نلتقي في جنات الخلد بإذن الله.. "سلام.. يا صاحبي".

 

التعليقات (0)