هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تداعيات التحول في فكر الإخوان على القيادة والأفراد والجماعة
تناولنا في المقالين السابقين سبع إشكاليات فكرية وقع فيها الإخوان المسلمون، كان من أخطرها التحول من العمل الدعوي والتربوي إلى العمل السياسي. ونتناول في هذا المقال، هذا التحول وتداعياته على كل من القيادة والأفراد، والجماعة والتنظيم، والشعوب العربية والإسلامية، وعلى الفكر الإسلامي، لتحقيق هدفين:
الأول: تحليل النتائج وبيان تداعياتها، وإعادة تصويب مسار عمل الجماعة والتنظيمات الدينية بشكل عام.
الثاني: التحليل التربوي وتفسير الكثير من الظواهر الواجب علاجها، والوقاية منها مستقبلا.
أولا: على قيادة الجماع..
1- تحول القيادة إلى مغنم معنوي ومادي واسع، والتمسك بالمناصب القيادية، والمراوغة في التخلي عنها.
2- تنوع وتفرع وتشتت مجالات العمل، مع عدم احترام مبدأ التخصص العلمي، وادعاء المعرفة في كل شيء، والانفراد بالقرار ومحاربة أهل العلم والتخصص، حتى أصبح استبعاد واستقالة العلماء والمفكرين سمتا تاريخيا عاما للجماعة.
3- الاستثمار في العمل السري وحجب المعلومات بحجة الدواعي الأمنية؛ في التمكين القيادي والسيطرة، وغلق المنافذ على ظهور وتقدم أصحاب المواهب والقدرات وأصحاب الرؤى والتطوير والإصلاحية والقيادة؛ عن طريق:
أ- حجب المعلومات بحجة الدواعي الأمنية.
ب- تكوين جماعات الأتباع والأنصار.
ج- تقنين معايير خاصة للقيادة تقوم على الولاء والانقياد والضعف.
4- تحصين القيادة، بإضفاء هالة من القداسة الضمنية عبر ما يسمى بالقيادات التاريخية، وأصحاب السبق والثبات في السجون.. إلخ، وتجريم وتحريم النقد والمحاسبة والرأى الآخر.
ثانيا: على أفراد الجماعة..
العمل في تنظيم غير معلن ينافي طبيعة الفطرة الإنسانية ورسالة الإسلام السماوية التي جاءت للناس كافة، ومن ثم التداعيات النفسية والذهنية والاجتماعية الخطيرة الناجمة عن العمل السري غير المعلن، ناهيك عن بناء جسور وحوائط عازلة عن المجتمع الطبيعي الذي يعيش فيه، مع ريبة العمل السري وملاحقة النظام له وتحميله أكثر مما يتحمل بكثير، كل ذلك مهّد لكثير من النتائج:
1- انتشار وسيادة ثقافة الجندية والطاعة العمياء، واستبعاد الأفراد عن المعلومات وصناعة القرارات المهمة والمصيرية للجماعة، واستنزاف طاقات الأفراد في القرارات والأعمال التنفيذية، التي انعكست على ضعف المستوى الفكري للأفراد، مقارنة بالقيادة، وما يجب أن يكونوا عليه.
2- وأد وإهدار الكثير من المواهب والقدرات، بالرغم من أن عملية الاصطفاء للدعوة الفردية والتجنيد الأولى تتم للأفراد المتميزين ذهنيا ونفسيا للعمل والتضحية لنصرة الدين ونهضة والأمة، وذلك لأسباب:
أ- غياب الوعي بثقافة الاستثمار في المواهب والقدرات الخاصة.
ب- محدودية مجالات عمل الجماعة نتيجة للحصار الآمن والاستنزاف في أعمال تنفيذية تقليدية بسيطة.
ج- محاربة أصحاب المواهب والقدرات الخاصة المتميزة، وحرمانهم من التعبير عن ذاتهم والنجاح والتحول إلى حالات إبداعية مجتمعية كبيرة، لحساب أهداف التنظيم الذي يحتاج لأفراد منفذين فقط.
مقاربة توضيحية: مسابقة لانتخاب أفضل الخرجين في تكنولوجيا الاتصال، لتعيينهم في أعمال يدوية.
3- تعدد انتماء الأفراد بين الجماعة والأمة، والوطن، وتقديم الأولى على الثانية.
4- تعرض الثقافة العامة لأفراد الجماعة للشعور بالزهو والانفصال عن الآخرين من خارجها، وامتداد ذلك لداخل المستويات التنظيمية وعند بعض القيادات؛ نتيجة:
- الاستغراق في العمل السري وعدم انكشاف أداء وقدرات وحقيقة الأفراد بعضهم لبعض.
- جملة المفاهيم المتعلقة بحمل رسالة الإسلام للعالمين، وأن جماعة الإخوان هي أفضل الجماعات الإسلامية، والممثل الحقيقي لرسالة الإسلام في العالم، والإحساس بالتميز والعزلة الشعورية والأستاذية.
- تولي مناصب قيادية متدرجة في الجماعة، والقيادة الأيديولوجية السلسة لجماعات من الأفراد.
- الإحساس بالأهمية نتيجة انشغال الأجهزة الأمنية بمتابعته ورصده وملاحقته.
5- الضعف الثقافي لدى بعض أفراد الإخوان وتعاقبه بين الأجيال، وصولا إلى الجيل الحالي بالغ الهشاشة المعرفية لعلوم الدين والثقافة العامة؛ نتيجة عدد من الأسباب من أهمها:
أ- ضعف المناهج التربوية، وقصرها على أدبيات الجماعة بدعوى وحدة المصدر وحماية الأفراد.
ب- إهمال العلم والمعرفة تحت مسمى التنظير، لحساب العمل الميداني، على قاعدة أن قيادة الجماعة تعرف كل شيء، وأنها على أعلى المستويات العلمية في العلوم والتخصصات كافة، مما خلق جيلا كامل من الأفراد المنفذين، سهل الانقياد، لكنه عاجز عن التفكير وإنتاج الأفكار والحلول؛ نتيجة لتعطيل وتجميد جهازه الذهني والمعرفي.
6- العيش الدائم في سياق نظرية المؤامرة من خلال سيطرة فكرة عداء الدولة للجماعة والإسلام، مع تلبس الشعور بعداء وصراع العالم والمظلومية التاريخية، وتآمر الجميع على الجماعة.
7- ضياع الكثير من أرواح وأعمار ومستقبل وجهود آلالف من شباب الإخوان الذين يمثلون خيرة شباب مصر فعلا، بلا أي فائدة، من خلال السير في مسار تصادمي مع الدولة.
جدول يبين الفرق بين التربية الأيدولوجية والتربية الحضارية، لتوضيح حقيقة الفارق بين تربية أفراد الإخوان المسلمين والتربية الإسلامية الحضارية المنشودة
ثالثا: على التنظيم والجماعة..
1- تحول سفينة الإخوان عن مسارها الدعوي والدخول في السياسة، بما تمتلكه من مقومات بشرية وقبول اجتماعي لدى المجتمع بسبب عملها بالدين في مجتمع يحب الدين بطبيعته، فأكسبها قبولا وأصواتا انتخابية كبيرة، مما وضعها كخصم وتهديد أول للنظم الحاكمة، وعرضها للملاحقة والضربات الأمنية المتتالية، التي تعاملت معها كواقع يصعب التخلص منها، ومن ثم يجب التعاطى معها وفق استراتيجيات أربع، يتم استخدام كل منها بحسب مرحلة الحراك السياسي الدائر وطبيعته:
- استراتيجية الملاحقة والحصار ومنع الجماعة من اختراق الأماكن المؤثرة أو امتلاك أدوات فاعلة.
- استراتيجية توجيه ضربات إجهاضية متتالية لمنعها من التمدد.
- استراتيجية الاختراق والتأثير الداخلي، وضبط وترشيد حركة الجماعة وفق أجندة النظام.
- استراتيجية التوظيف الاستراتيجي لتحقيق بعض الأدوار الوظيفية للنظام الحاكم.
2- منح النظام فرصة مفتوحة لتشويه وتجريم وحصار وعزل الجماعة مجتمعيا، وضربها وقتما شاء، خاصة مع تناقض الجماعة بالجمع بين تنظيم ديني سري، وتوظيفه لعمل سياسي علني.
3- عجز الجماعة على مدار تسعين عاما عن إقناع الدولة بالتعاون أو المشاركة، واستمرار الجماعة كملف أمني دائم على مائدة النظام، بالرغم مما تمتلكه من قدرات وإمكانيات بشرية وانتشار وتأثير؛ نتيجة لأنها تقدم نفسها في أدبياتها كبديل سياسي قادم عن النظام أكثر منها شريكا إصلاحيا.
4- ممارسة الجماعة للعمل السياسي مع غياب التأهيل الكافي، ساعد أنظمة الحكم على مدار قرن من الزمان من استخدام جماعة الإخوان للمشاركة بدور الكمبارس في المسلسلات الهزلية المتعاقبة للانتخابات التي تجريها، كما كان لذلك تكاليف وعواقب وخيمة جدا على الجماعة، خاصة فيما يتعلق بحرق قامات علمية ودينية كبيرة وإنهاء حياتهم العلمية والمهنية مبكرا، وحرمان مجالات تخصصهم من جهودهم نتيجة استخدامهم للترشح وكسب مقاعد انتخابية في البرلمان، نتيجة عجز الجماعة عن صناعة رموز سياسية حقيقية، ومن ثم كانت تلجأ للرموز الدينية والعلمية الجاهزة لضمان الفوز بمقعد صوري في البرلمان.
5- تعرض الجماعة المستمر للحصار وتوجيه الضربات المتتالية من قبل أجهزة الأمن، بالإضافة إلى جملة العوامل الداخلية الخاصة بخلل نظام الأفكار، وغياب النظام القيادي، وقيادة تنظيم ضخم ممثل بكل قرى مصر وشوارعها بتنظيم هرمي، مسكون بثقافة الأبوّة، وشيخ القبيلة؛ كل ذلك حوّل الجماعة إلى جسم ضخم جدا بجهاز قيادة صغير ومحدود وضعيف جدا، ما جعل من الجماعة عبئا على ذاتها وعلى أفرادها بل والمجتمع، حيث تحولت بمرور الزمن وتجمد حالها وتقادمها إلى أشبه بالفيل المستغرق في النوم على قارعة طريق الدعوة والتحرر والتحول الديمقراطي والتنمية.
6- ضعف الأداء الدعوي والتربوي والسياسي معا نتيجة للجمع بين مهمتين كبيرتين مختلفتين، ومجافاة ذلك لسنن وقوانين الله تعالى في الكون، وقوانين العمل والإنجاز المعاصر، بضرورة التخصص واحترام العلم والعلماء، وذلك لحساب مصلحة التنظيم، والانتماء والولاء التنظيمي، وتقديس الأشخاص والامتثال لمقولاتهم.
7- تكرار الأخطاء وتعمق وتعقد الأزمات التي وقعت فيها الجماعة نتيجة لغياب آلية النقد الذاتي، والتقويم المستمر لنظام أفكار ومشاريع ومسارات عمل وأداء وإنجاز الجماعة.