هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا أعده جول كريتوا ترجمته "عربي21"، وأشار فيه إلى أن مقتل أستاذ التاريخ صامويل باتي فتح الباب على معاناة المسلمين الفرنسيين الذين كان عليهم مواجهة سياسة القبضة الحديدية التي اعتمدها الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير داخليته.
وقال إن الإجراءات التي اعتمدتها فرنسا لمكافحة
التطرف والتشدد أثرت على المسلمين وقد تؤثر على الأقليات الأخرى.
وتناول الردود الرسمية السريعة على مقتل باتي، حيث أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانين إغلاق منظمة "كولكتيف" ضد إسلاموفوبيا في فرنسا وكذا بركة سيتي، وهي منظمة إنسانية غير ربحية. وردت النائبة السابقة باربرا روماغنان بتغريدة: "حتى يثبت عكس هذا فـ"كولكتيف" لا علاقة لها بهذا وإغلاق منظمة تعطي صوتا لمن يشعرون بالتمييز ليس كفاحا ضد الإرهاب".
وقال الكاتب إن قلة من
الساسة تجرأت على التحدث بصراحة في ظل وضع سياسي مشحون وتحذير من أنه قد يضر
بالحريات المدنية.
ومنذ بداية
تشرين الأول/أكتوبر تعرضت الأماكن الإسلامية لمداهمات الشرطة في كل أنحاء فرنسا
بما فيها مسجد عمر في باريس، وبعد ذلك داهمت مدرستين ومركزا لخدمات الموتى. وكانت هذه
الإجراءات كافية لإثارة قلق القادة المسلمين.
وأرسل 30 قياديا من منطقة باريس الكبرى رسالة إلى الرئيس ماكرون "عبروا فيها عن قلقهم حول المعاملة الضارة للإسلام والمسلمين في بلدنا".
وقالت أم شابة من ضواحي باريس تحدثت مع "ميدل إيست آي" عبر الهاتف عن مشاهدتها هجوما للشرطة على مركز إسلامي في باريس عام 2018 بمنطقة فال دي مارن، وقالت: "كنا مع أطفالنا عندما وصل 20 رجل شرطة وفصلونا عن بعضنا البعض ووجهوا لنا أسئلة".
وأضافت: "أرادوا منا القول إن المدرسة هي سرية مع أنها لم تكن كذلك. ونحن هنا من فترة لأخرى ونحن أمهات مع أطفالنا".
وبحسب ما أورد الكاتب، فإنه وعندما لم تعثر الشرطة على شيء واصلت المدرسة عملها المعهود ولكن بدون الأطفال الذين خاف أهاليهم من إرسالهم مرة ثانية.
وتدفع الحكومة الفرنسية باتجاه تبني قانون لمكافحة التشدد، لكن لم يتم بعد تحديد ملامحه. لكن المسودة تشترط تفتيشا مستمرا للمنظمات الإسلامية التي تدرس اللغة العربية.
وسيتم تقديم المشروع إلى مجلس الوزراء في كانون الأول/ديسمبر.
ووفق ما هو ظاهر فإن القانون يستهدف "الإنفصالية الإسلامية" بحسب ما ورد على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون.
اقرأ أيضا: فرنسا توصي رعاياها بالحذر من تصاعد الغضب بالدول الإسلامية
وتقول سهام زين، من منظمة العمل من أجل حقوق المسلمين "لا أحد ينكر أننا خائفون".
وسيعزز القانون الإجراءات القمعية التي تم توسيعها في السنوات الماضية، وفق ما قاله الكاتب.
وفي ظل قوانين مكافحة الإرهاب والطوارئ (أقرت في الفترة 2012-2017) يمكن لرئيس الشرطة ووزير الداخلية، بناء على الشك، إصدار أمر بتفتيش بيت واعتقال أو إغلاق مركز للعبادة.
وزاد القمع في فرنسا عام 2019 عندما عممت وزارة الداخلية أمرا حثت فيه على استخدام الإجراءات الإدارية لقمع الأماكن والمنظمات المثيرة للقلق.
وأرسل وزير الداخلية في حينه كريستوفر كاسنر رسالة واضحة إلى مدير الأمن العام وجاء فيها: "في اللحظة التي تشعر فيها بالشك حول مكان أو منظمة أطلب منك عدم التردد بالتفتيش والفحص"، وقال "لو ظهرت أية مشكلة فقم بالإغلاق الإداري بدون تردد".
وبحسب المحامي ويليام بوردون "هذا انحراف، فهم يستخدمون الإجراءات الإدارية لمكافحة التشدد في المظهر ولكنهم يتابعون أهدافهم الخاصة مثل الالتزام بقوانين النظافة".
وكمثال على هذه الإجراءات، داهمت الشرطة مسجد عمر في 3 تشرين الأول/أكتوبر وشارك في العملية 15 رجل شرطة من أجل "الكشف عن خرق في إجراءات السلامة"، كما قال النائب الكيسي كوربيه.
وترى سهام زين أن هذا تجاوز لمبادئ القانون، وتقول: "تقوم السلطات باستخدام القنوات الإدارية لتجاوز القضاء الذي يسمح بالدفاع عن النفس".
ولم تخف الوزيرة المفوضة بوزارة الداخلية مارلين شيابا هذا الأمر في تصريحات إذاعية في 2 تشرين الأول/أكتوبر حين قالت: "يجب على الحكومة اللجوء إلى الخداع" في كفاحها ضد الإنفصالية.
وبناء على الأوامر الإدارية أغلق 15 مركزا للعبادة و12 مركزا للثقافة والمجتمع و4 مدارس و210 حانات خلال العامين الماضيين، إلى جانب آلاف البيوت والمواطنين والمنظمات التي كانت هدفا للتفتيش والاعتقال ومصادرة الوثائق.
ويتساءل الكاتب إن كانت هذه الإجراءات ضرورية؟ ويجيب: "في عام 2017 وجد مجلس الدولة الفرنسية أن 40 بالمئة من هذه الإجراءات القمعية التي اتخذت في سياق قوانين الطوارئ تم مواجهتها أمام محكمة إدارية ولم تكن قانونية".
وقالت المحامية بسمة مغربي: "لكن الضرر يكون قد حدث، وعندما تداهم الشرطة مركزا اجتماعيا، مطعما أو مسجدا تعاني سمعة المؤسسة من الضرر كما يتم تهميش المواطنين الذين تفرض عليهم الإقامة الجبرية".
وتؤكد مغربي أن عمل الشرطة "يقوم الآن على الشك". وتدافع بدورها عن أشخاص بمن فيهم أئمة ومنظمات، وتقول: "هناك الكثير من قوانين مكافحة الإرهاب والتعميمات التي أدت إلى تطبيق الأوامر الإدارية والقانونية قامت على الشك، وهذا يشكل معضلة قانونية حقيقية".
وعادة ما ينبع الشك من المنظمات الاستخباراتية التي أصبح دورها مركزيا، على حد تعبير الكاتب.
اقرأ أيضا: إدانة لموقف فرنسا بعد الإساءة للنبي.. وتواصل حملة المقاطعة
وتقول سهام زين إن "الملاحظات البيض من وكالة الأمن الداخلي والتي تكون عادة بدون تاريخ أو ترويسة أو توقيع هي أساس الكثير من الإجراءات التي اتخذتها السلطات".
وفي مذكرة وجهت في 2020 للهيئة الإستشارية الوطنية لحقوق الإنسان أكدت أن هذه الملاحظات تقيد الحريات الأساسية وتقوم على الشكوك وتدعمها معلومات من المخابرات.
وتضيف مغربي: "هناك خطر كبير من تصرفات الشرطة بناء على دليل يقول إنه يدخل في تعريف الراديكالية الإسلامية خاصة أن الكثير من المواطنين قد يجدون أنفسهم ضد هذا التعريف".
ونتيجة لهذا يدفع الكثير من المواطنين المسلمين الثمن بناء على أدلة تصمهم بالراديكالية.
ويقول موظف حكومي مسلم، لم يكشف الموقع عن هويته، "أحاول أن أكون إيجابيا ولكن في مرحلة ما من حياتي لم أعد أتحمل وكنت على الحافة وأتوقع الأسوأ". وانقلبت حياته رأسا على عقب في 2015 عندما طلبته الإدارة وقالت إن لحيته تختلف عن لحى زملائه.
ومع أنه نجح في امتحان الضريبة العام إلا أنه حُرم من العمل ووجد نفسه عرضة لتهمة الراديكالية واسمه ضمن ملف "أس" المخصص للأشخاص الذين يشكلون تهديدا على الأمن. وبرأت محكمة اسمه لكن مسيرته العملية توقفت.
وقال: "على مدى أشهر قليلة وبدون دليل موثوق وصموني بالراديكالية، وأخذت سنوات لإثبات العكس".
وفي الوقت نفسه تغيرت الحياة حوله، حيث يعتقد أنه ملاحق بالشك والناس ابتعدوا عنه وعليه في ذات الوقت توفير الرسوم القانونية.
وشجب هذا الشاب "مناخ محاكم التفتيش" الذي يقوم على الشك حيث تم وضع اسمه في قوائم المتشددين مع أنه لا علاقة له بهم.
وفي كتابه "أعداء الدولة" حلل الكاتب رفائيل كيمبف الآلية التي يتم من خلالها تحويل الشبهة لجريمة عبر سلسلة من الإجراءات التي توسع سلطة القضاء.
وفي السنوات الأخيرة تم إرسال المواطنين الفرنسيين للسجن لأسباب تتعلق بعدم انصياعهم للأوامر الصادرة عن وزارة الداخلية مثل عدم الحضور إلى مركز الشرطة.
ولا يزال مفهوم التشدد غير واضح مع أنه أساس المحاكمة. ويقول ياسر لويتي عضو لجنة العدالة والحرية للجميع إن المصطلح لم يتم تعريفه.
وفي تقرير لمجلس الشيوخ عام 2017 وجد أن المسؤولين المنتخبين شكوا في المفهوم، ويقول لويتي: "هناك غموض حول الموضوع وكل تحرك يقوم بناء على هذا المصطلح".
وتبحث وزارة الداخلية عن مبررات للبحث عن التشدد من خلال الولاء الديني وامتلاك النصوص الدينية الكلاسيكية التي يتم مصادرتها خلال عمليات البحث. وبناء عليها يتم إغلاق الأماكن الدينية.
وكان وجود كتاب للإمام النووي "رياض الصالحين" مبررا لإغلاق مسجدين على الأقل في بلدتي أومون وسارتوفيل، وذلك لأن في الكتاب بابا يحض على الجهاد.
وقال محام لديه معرفة بهذه الحالات: "لا يمكنك إلا ملاحظة أن الملاحظات البيض عادة ما تشير إلى ممارسات دينية متعارف عليها". ومنذ 2014 كان هناك قمع قاس ضد "التحريض على الإرهاب".
وعبرت منظمة أمنستي والمنظمات غير الحكومية عن قلقها من استخدام كلمة "تحريض" التي لم يحدد تعريفها والتي قد تكون تعليقا عاديا بدون نية أو قصد الأساسي في ارتكاب العمل.
وحذرت أمنستي من أن الاعتقالات قد تؤدي إلى خرق حرية التعبير.
ويذكر الكاتب رفائيل كيمبف أنه دافع عن رجل باريسي عام 2015 اتهم بوضع شعار تنظيم الدولة الأسود على نافذته وكان في الحقيقة تعويذة لحماية البيت من الحسد. وتجنب السجن لكن إثبات براءته اقتضت عامين.
وبمهاجمة الدولة المجتمع المسلم والمنظمات الدينية فإنها تقوم بحرمانها من الحرية.
وفي 10 حزيران/يونيو 2019 أغلق بنك بي أن بي حسابات منظمة العمل من أجل حقوق المسلمين.
واعترف المحامون بوجود دور طرف ثالث في القرار، قد تكون المخابرات. ولاحظ المثقفون والحركات السياسية والمنظمات غير الحكومية نزعة ديكتاتورية في الديمقراطية الفرنسية.
وفي ضوء القيود على حرية التجمع والقمع المتزايد للحركات الاجتماعية فإن الأصوات المسلمة تدق ناقوس الخطر. ففي البداية كانت الإجراءات موجهة ضد المسلمين لكنها تطبق على كل المجتمع.
وقال وزير الداخلية في آب/أغسطس إن قانون الانفصالية لا يستهدف المسلمين فقط، ولكن "الانتهاكات الطائفية"، و"جزءا من اليسار المتطرف"، و"المتفوقين البيض".
وقال حمزة إسماعيل عالم الاجتماع الذي يدرس استراتيجيات مكافحة الإرهاب إن العمل الذي يتولد عن نهج الكراهية للإسلام يعني أن الدولة قد لا تمنع نفسها من عدم استخدام نفس النهج ضد الجماعات الأخرى مثل دعاة البيئة.
وفي أيلول/سبتمبر تم طرد مهندس شاب من المركز الوطني لدراسة الفضاء بناء على سطرين في رسالة نصية وردا في "ملاحظة بيضاء"، والتي اتهمته بالتواصل مع اليسار المتشدد.