قضايا وآراء

الإسلاميون والسياسية

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600
في خطوة جريئة وغير مسبوقة من قوى الثورة والمعارضة المصرية - خاصة الإسلاميين - وربما تكون محفزا ومفتتحا وعنوانا لمرحلة جديدة تبادر فيها القوى الإسلامية والوطنية كافة بإجراء مراجعات فكرية عميقة، خاصة في الأجزاء الصلبة من بنيتها الفكرية بالتعاون مع المفكرين والخبراء المتخصصين، تمهيدا لبناء تيار إصلاحي جديد يمكن أن يؤسس لعهد جديد يتمناه ويترقبه الجميع ولا يجد له سبيلا.. بادر مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتجية بدعوة مباركة من د. طارق الزمر رئيس المركز؛ إلى دعوة المفكر الإسلامي الكبير د. جاسم سلطان، بحضور نخبة من قادة الحركة الفكرية والوطنية المصرية، لندوة حول الأسباب الحقيقية وراء ضعف الأداء والممارسة السياسية للإسلاميين في مصر، وتناول فيها د. جاسم بكل شفافية وموضوعية بالعمق الأسباب الفلسفية الكامنة وراء هذا الأداء الضعيف والباهت، الذي شجع الحضور على إبداء العديد من التعليقات والأسئلة، التي جاءت كلها في سياق المراجعات النقدية والتقويمية للإعداد والتأهيل والأداء السياسي للحالة الإسلامية في مصر.

ولخصوصية وأهمية هذه الندوة، كان لا بد من توثيق أهم ما جاء فيها ليكون بمنزلة ورقة عمل للأجيال التالية من القوى الوطنية والإسلامية العاملة في حقل الإصلاح السياسي.

يمكننا تقسيم محاور الندوة إلى ثلاثة محاور أساسية:

أولا: مقدمات تمهيدية مهمة.

ثانيا: شبكة المفاهيم والمعوقات الذاتية التي أصابـت العقل الإسلامي.

ثالثا: المناظير الثمانية لإعادة تنظيم العقل المسلم وبناء الجذور الفلسفية للعقل الاجتماعي والسياسي في مفتتح القرن الحادي والعشرين.

أولا: مقدمات تمهيدية مهمة لتفكيك أهم التشوهات الفكرية التي أصابت مساحات غير قليلة من العقل الجمعي للحالة الإسلامية خلال القرن الماضي:

أولا: الزمن ودوره في إحداث التحولات الاجتماعية والسياسية، فلا يمكن أن تحدث التحولات الاجتماعية في شكل طفرات سريعة ومفاجئة، بل هي عمل وفعل ثقافي وتوعوي يتدرج بمفاهيم ووعي وممارسات سلوكية للمجتمع، حتى تتحول بشكل طبيعي إلى ثقافة ونمط حياه يعتاده المجتمع، يتميز ويُعرف به بين بقية المجتمعات.

ثانيا: رفع سقف التحولات الاجتماعية والسياسية مرهون بحالة المجتمع الثقافية والنفسية ومدى جاهزيته وقبوله لذلك، حيت تقوم التحولات الاجتماعية على الفهم والقناعة والرضى والحافزية الذاتية للمجتمع من أسفله لأعلاه، ولا تفرض عليه ولا يجبر المجتمع عليها قسرا.

ثالثا: ضرورة فهم آلية العلاقة بين التحول الاجتماعي والعمل السياسي، حيث إن التحول الاجتماعي في حقيقته مشروع دعوة وإصلاح، ودور العمل السياسي فيه هو فتح الفضاء والأفق أمامه فقط، ولجميع المكونات المجتمعية، فلا تقوم السياسة بمهام الدعوة.

رابعا: الفصل في التناول الإصلاحي بين منهج الاستنباط الذي يقوم باستنباط مفاهيم وتصورات وأحكام ومقررات من النصوص الدينية، محاولا فرضها على واقع الناس بحجة أن ذلك هو الحق وسبيل الإصلاح، وبين منهج الاستقراء الذي ابتدره ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع، الذي يقوم على استقراء واقع الناس والمجتمع من مستويات للفهم وتحديات ومشاكل وتطلعات، وتفاعلات وحراك مجتمعي جارٍ، وعلى أساس ذلك يتم تحديد أولويات ومفاتيح ومسارات العمل الإصلاحي.

خامسا: ضرورة تحرير علاقة المصلح بالمجتمع حيث تقوم على التواصل والبلاغ والبيان بالحكمة والموعظة الحسنة البليغة اللازمة للإقناع والتراضي والتعاون، وذلك ما أكدته الروح العامة للنصوص الدينية في علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم مع المجتمع، في تعاقب قرآني بليغ، ليقطع على الأجيال التالية من المصلحين فكرة الجبر والإكراه والسيطرة والتحكم في المجتمع، والاستبداد باسم الدين والإصلاح..

- لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ.

- لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ.

- وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ.

- وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.

- فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ.

- فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.

ومجمل القول؛ إن الدين والاصلاح بالتراضي، وأن الرسول والمصلح ليس بمسيطر على المجتمع، ولا حفيظا عليه ولا وكيلا عنه.

سادسا: الفجوة الكبيرة بين الواقع والمستهدف في ما يتعلق بقضايا الكليات والإطار العام من تمكين لقيم ومفاهيم الحرية والمساواة والعدالة؛ بين المستهدف الذي يسعى الدين لتحقيقه، والواقع وضرورة التدرج للاقتراب من المستهدف المنشود.

سابعا: ضرورة الفصل بين مفهوم الأمة الدينية والأمة السياسية، فمجال تعاقد الأمة الدينية وعملها هو الدين والتدين، بكل ما يحمله من تفاصيل عقدية والتزامات تعبدية متنوعة، أما الأمة السياسية فهي مفهوم سياسي خالص، مجال عمله المجال السياسي بما يحمله من تفاصيل شراكة وتأييد ونصرة.. إلخ. والفصل بينهما كان جليا ومؤكدا من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جمع بين مهمة الرسول الموحى إليه كقيادة دينية، والقائد السياسي الذي يدير صراعا بشريا مع قوى سياسية أخرى، حيث حرص صلى الله عليه وسلم على بيان ذلك والالتزام به مع المؤمنين به، حتى يتحول بهم وبكل وضوح وشفافية، إلى مناصرين ومؤيدين له سياسيا. فبعد أن أخذ منهم البيعة الإيمانية في العقبة، أعاد عليهم عرضه الجديد بطلب البيعة والعقد الاجتماعي السياسي قبل الدخول في معترك عسكري وسياسي جديد في بدر، فعرض عليهم بكل وضوح أن أشيروا على أيها الناس.

وجاء رد الصحابة خاصة من الأنصار واضحا وجليا على لسان زعيمهم سعد بن معاذ: "قد آمنَّا بك وصدقناك وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السَّمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته، لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ في اللقاء، لعلَّ الله يريك منا ما تقرُّ به عينك، فسِر بنا على بركة الله"، بما يؤكد الفصل بين العقدين في ذهن الصحابة، أي المجتمع.

ثانيا: شبكة المفاهيم والمعوقات الذاتية التي أصابت عقل الحالة الإسلامية

وهنا أهم الموانع والمعوقات الذاتية التي قوّضت الفاعلية الاجتماعية والسياسية للحالة الإسلامية خلال القرن الماضي، التي أنتجت حالة ومكاسب سياسية ضعيفة وهشة بل وعكسية في كثير من الأحيان، في مقابل الحجم البشري الكبير جدا للحالة الإسلامية، والتطلعات الواسعة من المجتمع تجاهها، التي ظهرت جلية في الاستحقاقات الانتخابية كافة، التي قام فيها المجتمع بدوره باختيار الإسلاميين، وفي كل مرة يخيب أمله في النتائج المتحققة له:

1- التلغيم الاستباقي لحقل النقاش المعرفي والتواصل مع الآخر والمجتمع، بتلغيم الحقل الدلالي لكثير من الأفكار والمفاهيم الأساسية الكبرى بمفاهيم سطحية ومغلوطة تصنع حواجز نفسية ومعرفية وشرعية مزيفة أحيانا كبيرة؛ في العقل المسلم الجمعي يفرض بها حصارا ذاتيا على ذاته، ويشوّه بها الآخر، مؤسسا لعلاقة صراع إقصائي مع الآخر، دون أن يدرى هو بذلك، فيمارسها سلوكا تلقائيا عبر ما تشكل في عقله الباطن وإن صرح تكرارا بعكس ذلك. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، تلغيم مفهوم العلمانية بأنها إلغاء للدين، فقط هكذا وبكل بساطة، مع تجاوز التحقيق العلمي والفلسفي الذي نشأت عليه فكرة العلمانية؛ من مفاهيم حرية الإنسان وحفظ كرامته الإنسانية، التي ربما تلتقي في بعضها مع مفاهيم الإسلام، ويمكن أن تنسج معها خطوطا للحوار والتواصل، بدلا من أسباب للاختلاف والصراع.

2- الربط الشرطي للكثير من المفاهيم بتصورات قاطعة ومانعة عن حقيقة المفهوم الأصلي وأبعاده وتطبيقاته. فمثلا عندما يذكر مفهوم الحرية، يُربط بالتحرر من القيم والتعاليم الدينية والحرية المثلية، وعندما تذكر الديمقراطية يُذكر أنها البديل للحكم بما أنزل الله تعالى، إلى آخر ذلك من المفاهيم الشرطية القاطعة المانعة عن حقيقة المفهوم الأصلي.

3- المفهوم الخاطئ للصراع كونه تحكما وسيطرة للقوى واستجداء وطلبا من الطرف الضعيف، تتحقق فيه مكاسب الضعيف على القوى المتحكمة. فكثيرا ما تسمع على ألسنة الإسلاميين: لن يسمحوا لنا، متناسيا علاقة التدافع السياسي المتبادل التي تدخل فيها الكثير من الجهود، وتغيير القناعات والميول والخيارات ونمو القوة السياسية التي تفضي إلى تحقيق المطالب والمكاسب.

4- الانطلاق من مسلّمة المؤامرة الكونية على الإسلام والمسلمين والحالة الإسلامية وبناء حواجز نفسية وعدائية غير مبررة مع العالم، وصناعة المبرر الاستباقي للفشل وعدم النجاح المتكرر، متناسين أنها علاقة تدافع طبيعي تستخدم فيه أدوات القوة المتاحة كافة لكلا الطرفين، التي تتطلب الأخذ بأسبابها.

5- غياب التخصص بإهمال التأسيس والتأهيل العلمي والمهني للمتقدمين للعمل في المجال السياسي، من مقدمات ومجامع علوم السياسة الأساسية المطلوبة، من نظريات علم السياسية والمذاهب السياسة الحديثة، والتحليل السياسي، والجغرافيا السياسية، وعلوم التفكير والتخطيط الاستراتجي، التي تعتبر مؤهلات أساسية لازمة للولوج إلى مجال السياسة.

6- الجرأة على ممارسة العمل السياسي بدون امتلاك أدواته الأساسية، من امتلاك مشاريع اقتصادية وسياسية حقيقية، وكفاءات بشرية عالية، وعلاقات محلية وإقليمية ودولية، ومال سياسي داعم، وحشد شعبي واعٍ، وتحالفات سياسية ذكية، إلى آخر ذلك من الأدوات السياسية المعاصرة، واختزالها في الأصوات الانتخابية المؤيدة.

7- تجريم المراجعة والنقد، وتعاقب الأخطاء وتراكمها وتعقد نتائجها وتداعياتها.

8- الخلط بين التنظيم السرى القائم على السرية، واختيار أهل الثقة وفق المعايير الخاصة للتنظيم، وبين العمل السياسي المعلن القائم على الشفافية وبناء الثقة المتبادلة بين الأفراد بعضهم مع بعض من جهة، وبين الأفراد والقيادة من جهة ثانية، وبين التنظيم والحزب والجماهير من جهة ثالثة، وبين التنظيم والحزب الذي ربما يصل أو وصل فعلا للحكم، الذي سيمثل الدولة في علاقتها والمصالح المتبادلة مع العالم الخارجي.

9- أزمة العقل القبلي والبعدي، بامتلاك منظومة صماء صلبة من المفاهيم والمسلمات والتصورات والأحكام السابقة، التي نشأت في سياقات تاريخية سابقة مختلفة، واستدعاؤها للاستخدام في الحكم والتعاطي مع الواقع المعاصر المختلف تماما في فلسفته وسياقه وحراكه.

10- النظرة الفوقية المتعالية، وادعاء امتلاك الحقيقة والأستاذية على المجتمع المحلي، بل والإقليم والعالم، من دون امتلاك أي من أسبابها وأدواتها.

11- العقل الجزئي الذي يتعامل مع النصوص والمفاهيم الدينية في غياب النسق العام البياني لحقائق ومقاصد الدين، فيفتح الباب للكثير من الغلو والتفريط والانحراف عن حقيقة الدين ذاته، فترى البعض يقدم ما سماها بآية السيف والقتال في تأسيس علاقته بالآخر؛ على كل ما عداها من آيات الرحمة والتراحم والمسالمة والتواصل مع الجميع.

12- النظر للدولة ونظامها السياسي كونه نظام الفساد الذي يجب تفكيكه وهدمه وإبعاده، وأنها ليست دولة المصالح المشتركة، حيث توجد مساحات واسعة للتواصل والتعاون للإصلاح والمصالح المشتركة.

13- الخلط بين السياسي والديني، وضبابية الكثير من المصطلحات وفي مقدمتها الإسلامي نفسه، ومن هو الفرد الإسلامي، هل هو الملتزم بتعاليم وشعائر الإسلام، أم الفرد المنتمي إلى تنظيمات دينية؟

14- الممارسة السياسية التي تخلط بين القيم والمقاصد والغايات والمرجعيات التي قدمها الإسلام، والبرامج والمطالب السياسية العادية المدنية التي يتطلبها الواقع الاجتماعي والسياسي.

لهذا أشار د. جاسم سلطان إلى أهمية مراجعة منطلقاتنا وتوجهاتنا الأخلاقية والاجتماعية والسياسة، وفق المفاتيح الثمانية للنظر للمجتمعات، التي تمثل أحد الأطر المعروفة في علم الاجتماع، والتي تفحص الأسس العميقة للمجتمع من ثماني زوايا، لتكشف مستوى جودته وجاهزيته للانطلاق الحضاري:

المنظار الأول: النظرة للطبيعة الإنسانية؛  الذي يبحث في طبيعة النظرة للطبيعة الإنسانية، كإنسان كرمه الله تعالى وأسجد له الملائكة، وسخّر له ما في السموات والأرض واستخلفه في الأرض لعمارتها، إذ هو بخيره وشره أهل للتكريم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ)، ووضع الكون رهن ملكاته (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَة وَبَاطِنَة)، وجعله مستخلفا في الأرض (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة)، وأوكل إليه مهمة إعمارها (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).

فالطبيعة الإنسانية في القرآن هي مستحقة للتكريم، ومن هنا الأمم التي أدركت ذلك جعلت الكرامة الإنسانية الوجودية مبدأ، وكل ما يندرج تحت هذا المبدأ من حقوق الإنسان جعلته عنوانا للحياة الإنسانية الكريمة، وانعكس ذلك على قوانينها وأنظمتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقانونيا وإجرائيا.

المنظار الثاني.. النظرة للطبيعة والكون؛ الذي يبحث في علاقة الإنسان بالطبيعة كما بيّنها النسق القرآني العام، كعلاقة "تسخير وتذكير" و"آيات آفاق وآيات أنفس" تتطلب العقل المكتشف لقوانين الطبيعة من حولنا وتسخيرها لصناعة وتطوير حركة الحياة.

المنظار الثالث: النظرة للعلم؛ ويبحث في علاقة الإنسان والمجتمع بالعلم، وهل علاقتنا بالمنهج العلمي الذي يسخر المادة قوية وناضجة، فنحن نعتمد التجربة المخبرية ولغة الأرقام، وهل نبني عقلية منفتحة على التساؤل والفحص العلمي للأشياء.

المنظار الرابع: النظرة للآخرة؛ ويبحث في تصور علاقتنا بما وراء الطبيعة (الآخرة في حالتنا). مفهوم الآخرة والحياة الأبدية والثواب والعقاب مفهوم مؤثر في حياة المؤمنين، فهو يعني وجود محاسبة ومسؤولية تمتد لما بعد الموت، وعليه كان من المفترض أن نشاهد مجتمعات الإسلام من أكثر المجتمعات إتقانا وإحسانا وجدّا في المصانع والمعامل والمزارع والمستشفيات والخدمة الإنسانية. فهل خطابنا العام يصب في خانة الإتقان والإحسان والنظام، ويوظف قوة الدفع لإحداث التقدم في الحياة باعتبارها جزءا أساسيا من مشروع الدين، أم يحدث العكس؟

المنظار الخامس: النظرة للوقت؛ ويبحث في علاقتنا بالزمن. فهناك أمم عقلها معلق بالماضي، أحاديثها وقضاياها غير معنية بالمستقبل كثيرا، وهناك أمم منشغلة بالمستقبل وعيا وتخطيطا. فاتجاه التفكير مهم، والأهم منه الشعور بقيمة الوقت. فهناك أمم تعتقد أن الوقت ثروة، فهي في تنافس لأخذ أكبر قدر منه، وهناك أمم تعتبر أنه عبء وتتفنن في إهداره، فأي المجتمعات أنتجنا؟

المنظار السادس: النظر للحياة، وهو يبحث في نظرتنا لفعل الإنسان في الحياة، وكيف يعمل مفهوم القدر في المجتمعات المسلمة، وهل مجتمعاتنا تؤمن بالتخطيط وبقدرة الإنسان على تغيير واقعه، أم هي مجتمعات قدرية تعتقد أن مصيرها محدد مسبقا ولا سبيل لتغييره. أين تتجه بوصلتها؟ أم هي مجتمعات حائرة بين المفهومين؟ وهل تشجع الإبداع الفردي وتنشئ على العمل في فريق، أم تطمس جهد الفرد بحجة الجماعية؟

المنظار السابع: النظرة للمجتمعات الداخلية؛ ويبحث في كيفية نظر أفراد المجتمع بعضهم إلى بعض، وهل هي نظرة الاحترام والود والعدالة والمساواة والبر والقسط والرغبة في التعاون والتكامل والعمل المشترك، وسط إحساس والتزام بالمواطنة الكاملة متساوية الحقوق والواجبات؟

المنظار الثامن: النظر للمجتمعات الخارجية؛ ويبحث في نظرتنا للمجتمعات الأخرى، وهل هي نظرة تتسم بالعدوانية أم تتسم بالود. ومن هنا هل تنتشر قيم السلام والتعاون أم قيم العدوان والحرب والقطيعة؟ وخاصة أن القرآن الكريم يحدثنا عن وحدة الأصل البشري، وعن التنوع والاختلاف، وعن التعارف الإنساني، وعن البر والقسط بين الناس.
التعليقات (0)