هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع اتلانتيك كاونسل مقالا للباحثين إليسا ملكانغي، الزميلة في معهد "أتلانتيك كاونسل"، وغوسيبي دينتيس، الزميل في "المعهد الإيطالي للدراسات الدولية"، قالا فيه إن قوة التدخل التركي في ليبيا والتراجع الاستراتيجي لحفتر من غرب ليبيا خلق توازنا جديدا في الصراع.
وقال الموقع في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن الوضع الجديد يشكل نقطة تحول قد تؤدي بمصر والإمارات وروسيا إلى إعادة التفكير في تأييد حفتر والبدء بالتحضير لتنازل بشأن ليبيا .
وأضاف المقال:"في الواقع فإن حفتر يخسر تدريجيا الدعم الداخلي والخارجي – من داخل قواته ومن مصر والإمارات – إلى درجة أنه لن يراهن عليه أحد بعد الآن، وفي هذا السيناريو المتغير يمكن أن تلعب مصر، التي شجعت حفتر منذ عام 2014، دورا جديدا مهما لحماية مصالح خاصة وأجنبية محددة في ليبيا.
وتشكل الأزمة الليبية تحديا كبيرا لاستقرار مصر الداخلي ولشرعيتها السياسية. فمنذ عام 2013 كان الصراع ذا أهمية جيوسياسية كبيرة بالنسبة للقاهرة بسبب الالتقاء الاستراتيجي بين الإمارات والسعودية وتأييدهما لحرب حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني في طرابلس – حيث تدعم الأخيرة كل من قطر وتركيا.
وبالرغم من عدة محاولات للعب دور الوسيط السياسي في الصراع – كما كان حال الاجتماع الفاشل في القاهرة في شباط/ فبراير 2017 – لم يخف زعيم النظام المصري عبد الفتاح السيسي أبدا دعمه للحل العسكري للصراع لصالح حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا .
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قامت مصر باتخاذ عدد من الإجراءات الأمنية – مثل نشر قوات ميدانية في مهمة مكافحة الإرهاب وإطلاق تدريبات عسكرية ضخمة باسم رعد 24 في المنطقة الغربية بالقرب من حاجز سلوم – لحماية الحدود النفاذة ولمنع الجهاديين الخطيرين من التسلل إلى مصر من شرق ليبيا.
وكان هناك تركيز خاص على حماية شمال سيناء وهي منطقة استراتيجية عانت من عدد من الهجمات الإرهابية من فرع تنظيم الدولة الذي يدعى ولاية سيناء.
ومن وجهة نظر القاهرة، فإن ظهور احتمال امتداد العنف إلى أراضيها "من ليبيا"، يمكن أن يخلق التقاء مصالح خطير مع مصالح بعض المجموعات المتطرفة التي تعمل في شرق ليبيا وفي صحراء مصر الغربية.
اقرأ أيضا : انتقاد غير معهود من مسؤول إماراتي لحفتر بعد خسائره بليبيا
والنقطة الأخيرة مهمة لفهم الرؤية المتماثلة بين السيسي وحفتر اللذين يشتركان فكريا في مشروع سياسي يقوم على مكافحة الإسلام السياسي وحركة الإخوان المسلمين، وهما اللذان ينظر إليهما على أنهما تهديد وجودي لكلا الزعيمين.
وبالنسبة لحفتر فقد وفر هذا النفور له حجة لشن الحملة ضد حكومة الوفاق والتي يتهمها بأنها بيدق بيد الإسلاميين.
ولكن التطورات الأخيرة في ليبيا قد تجعل موقف مصر غير قابل للاستمرار. فمصر تعاني من اعتمادها على الإمارات والسعودية. فدعم الخليج المالي ضروري لاستقرار مصر، وخصوصا خلال جائحة كورونا والتي وضعت ضغطا كبيرا على النظام الصحي.
وقد ارتفع عدد المصابين في البلد في الأسابيع الأخيرة بأكثر من 1500 حالة في اليوم منذ 12 حزيران/ يونيو 2020. ولكن القاهرة تنظر إلى تصلب موقف الإمارات والسعودية وقلة الحكمة الدبلوماسية التي تشاهد عادة في شؤون الشرق الأوسط – مثل القضية الليبية – بكثير من نفاد الصبر.
كما أن ارتفاع التوتر مع تركيا، المؤيدة للحكومة في طرابلس الأكثر إصرارا، يجعل اللعبة في ليبيا أكثر تعقيدا.
وهذه التباينات حصلت بسبب علاقات متدهورة أصلا. فالبلدان على مسار صدام بسبب قضايا سياسية واقتصادية عدة، مثل دعم تركيا للإسلام السياسي والخلافات الجيواقتصادية في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وكان إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط الذي دعمه السيسي بقوة لا يسبب خطرا فقط على خط الغاز العابر للأناضول وخط أنابيب ستريم التركي ولكن يحرم تركيا من مشاريع الاستثمار في مشاريع الطاقة في شرق المتوسط.
وكانت ردة فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بصلابته المعتادة. ففي 27 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019 توصلت تركيا إلى اتفاقية حول حدود المناطق الاقتصادية الحصرية الخاصة بهما في شرق المتوسط. وتبع ذلك قرار أنقرة أن تدعم القتال ضد قوات حفتر بعد شهرين.
فاختيار القاهرة المتعمد لعزل تركيا أدى إلى تطرف موقف أنقرة وأثار تنافسا جيوسياسيا في ليبيا وجعل أنقرة تتفاعل على كل المستويات وليس فقط على مستوى الطاقة.
وما يزيد تعقيد الأمور المصرية في ليبيا هو العلاقة المتوترة بين السيسي وحفتر. فقد أوجدت التطورات الأخيرة في ليبيا مخاوف بالنسبة لمصر التي تنظر إلى ليبيا على أنها مسرح لإثبات الوجود الجيوسياسي.
ومن هذا المنظور فإن ضعف قيادة حفتر السياسية والعسكرية قوضت الطموحات المصرية. وبحسب مقابلات مع مصادر مصرية غير رسمية فإن الولاء لحفتر له علاقة أكثر بالأموال التي تأتي من المانحين الخارجيين أكثر من القناعة بإمكانياته كزعيم.
إضافة إلى ذلك فإن هزائم حفتر العسكرية مثل قاعدة الوطية وترهونة وغيرها من الإخفاقات في الحرب مع حكومة الوفاق الوطني تبرز بعض الأسباب الأخرى لعلاقتهما المتوترة.
فأولا، مصر غير راضية عن عمليات حفتر العسكرية في غرب ليبيا وخاصة سنة الحصار لطرابلس والتي لم تثمر.
ثانيا، حكومة السيسي منزعجة من حفتر من غزله التكتيكي مع حلفائه الخليجيين في ليبيا. وأخيرا وما له علاقة بما سبق فإن مواقف حفتر الغامضة يمكن أن تتسبب بإضعاف صورة مصر في منطقة الجوار الاستراتيجية وتهدد بتقويض إمكانية تحديد سياسة خارجية مصرية قادت إلى أن تنأى بنفسها عن الهيمنة الإماراتية والسعودية في الشرق الأوسط. ومع ذلك فليس بعيدا أن تكون هناك مبالغة في برودة العلاقات بين حفتر والسيسي.
فماذا يمكن أن نتوقع من الصراع؟
إن تحركات روسيا الأخيرة في ليبيا والمبادرات المصرية متعددة الطبقات – مثل ما يدعى إعلان القاهرة وصفقة الأسلحة بمليارات الدولارات مع إيطاليا – قد تضيف تعقيدات إضافية.
ويمكن للشخص أن يتخيل أن موسكو كانت لتفضل أن تتجنب المزيد من التورط في الصراع، ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن تسمح بهزيمة كاملة لحفتر.
وإن كانت استراتيجية الكرملين هي أن تتفاوض من موقف قوة مع تركيا فيمكن أن يكون حفتر بطاقة تفاوض خارج الديناميكية الليبية الداخلية.
وهذا سيكون له تداعيات في السياق الإقليمي، بما في ذلك ربما الصراع السوري، والذي تقف فيه روسيا وتركيا على طرفي نقيض بالرغم من قيادتهما للجهود الدبلوماسية.
وقد يدق مثل هذا الوضع ناقوس الخطر بالنسبة لحفتر ومؤيديه ويجعلهم يسعون لتقوية وضعهم في الشرق الليبي للمفاوضات المستقبلية مع تركيا وحكومة طرابلس.
أما دول الخليج، التي كانت الأكثر دعما لحفتر فقد تسير في الخط الذي اقترحته موسكو – وهو عدم الاهتمام بالاستمرار في حرب لن تؤدي إلى انتصارهم.
ولذلك يمكن أن تستغل مصر الوضع للابتعاد عن حفتر وتحاول التواصل مع بدائل سياسية يمكن الاعتماد عليها بشكل أفضل، على الأقل على المدى المتوسط والبعيد، لأنه لا توجد بدائل مناسبة.
وفي نفس الوقت فإن دعم حفتر هو الطريقة العملية الوحيدة لاحتواء الأنشطة البحرية والأمنية التركية في ليبيا وفي البحر الأبيض المتوسط من وجهة نظر السياسة الخارجية المصرية.
وفي الخلاصة فإن هناك عاملين أكيدين في هذا السيناريو المعقد؛ الأول، القاهرة لن تنجر إلى حرب مفتوحة بالوكالة في ليبيا، لأن ذلك قد يؤدي إلى تداعيات على أمنها بسبب حدودها الطويلة مع ليبيا وخاصة في الجنوب..
وثانيا، أنها ستكشف تحركات حفتر القادمة إن كانت العلاقات بينه وبين القاهرة بردت أم إن ليبيا تواجه ما بعد الصدمة في سراب هو تكتيكي أكثر من كونه استراتيجيا.