هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو من كل عام، تعود إلينا الذكريات والمناسبات الهامة المتعلقة بالصراع مع الصهاينة وبقضية فلسطين (القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية).
ففي الخامس عشر من شهر أيار/ مايو كانت النكبة الأولى بالاحتلال الصهيوني لفلسطين وقيام الكيان الغاصب والحرب الأولى الفاشلة في هذا الصراع، لكن في العشرين منه شهدنا أول تحرير لأرض عربية من الاحتلال، من خلال انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان دون أي اتفاق أو تنازل.
وفي السادس من شهر حزيران/ يونيو من العام 1967، كانت النكسة الجديدة من خلال حرب الأيام الستة، والتي انتهت بهزيمة جديدة للدول العربية مجتمعة وأدت لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، وسقوط الحلم القومي الناصري والبعثي.
وتكررت الهزيمة مجددا في حزيران/ يونيو من العام 1982 عبر الاحتلال الصهيوني للبنان وصولا للعاصمة بيروت. وورغم انتصار تشرين الأول/ أوكتوبر في العام 1973 من قبل الجيشين المصري والسوري على الجيش الصهيوني، فإن هذا الانتصار لم يكن كاملا وأدى إلى اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من الصراع، في حين لا يزال معظم الجولان السوري محتلا، وخرج الأردن من الصراع عبر معاهدة وادي عربة، في حين أن فلسطين تشظت بسبب اتفاقية أوسلو وتوابعها؛ بين سلطة هشة في الضفة الغربية وقطاع غزة محرر بفضل المقاومة، وزادت السيطرة الإسرائيلية على كل أراضي العام 1948 والقدس.
واليوم وفي هذا الشهر، تنتشر المعلومات والمعطيات عن استكمال تطبيق صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر السيطرة على غور الأردن وبقية مناطق الضفة، في حين تزداد التساؤلات عن موقع قضية فلسطين في الوجدان العربي والإسلامي، وهل لا تزال هذه القضية القضية المركزية لدى هذه الشعوب، أو أن الصراعات والحروب في العالم العربي والإسلامي قد أنهت هذه القضية وجعلتها في أسفل سلم الأولويات من الاهتمامات، وأن الطريق الوحيد للنهضة والتنمية والتقدم من خلال الخلاص من هذه القضية وأعبائها والتطبيع والصلح مع العدو الصهيوني كما يطرح البعض.. في حين يعتبر آخرون أن هذه القضية لا تزال الطريق الوحيد للتحرر وللوحدة مجددا ولتجاوز الأزمات، وأن لا تطور ولا تنمية ولا تقدم طالما الكيان الصهيوني قائما، وأن طريق المقاومة والصمود والمواجهة هي الحل، في ظل فشل كل الاتفاقيات والمعاهدات التي عقدت مع الكيان الصهيوني، والتي لم تحرر فلسطين ولم تؤد إلى نهضة الدول العربية التي دخلت في مسيرة الصلح والتطبيع.
لقد شكّلت قضية فلسطين، منذ ما قبل نشوء الكيان الصهيوني وطوال مراحل تاريخية طويلة؛ محور الصراع في المنطقة، ومن يسيطر عليها يستطيع التحكم بكل الدول المحيطة. ومن هنا أهمية هذه القضية ليس فقط للفلسطينيين بل لكل دول العالم، سواء بسبب البعد الديني أو البعد الاقتصادي والجيو- سياسي، أو بسبب موقعها في الصراعات الدولية والإقليمية. وعلى ضوء ذلك كانت محور اهتمام كل حركات التحرر والتيارات العربية والإسلامية والقومية والناصرية واليسارية، ومن يسقط هذه القضية من مشروعه السياسي أو التحرري لا يستطيع تحقيق أي تطور أو تنمية، بل يصبح جزءا من المنظومات الدولية التي تسعى للسيطرة على المنطقة بحجج مختلفة.
ومن هنا أهمية أن نستعيد اليوم هذه القضية في برامجنا السياسية والفكرية والتحررية، لكن بشرط أن لا يكون ذلك على حساب الاهتمامات الأخرى، كبناء دولة المواطنة وحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحقيق التنمية والتطور التكنولوجي والعلمي، لأنه لا يمكن الانتصار في هذا الصراع التاريخي إلا من خلال بناء المجتمع المتطور أو الدولة القوية، والتي تقدم للإنسان ما يحتاجه.
فشعار: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، لم يعد مجديا أو مفيدا، بل إن نجاح أية مقاومة أو دولة في مواجهة العدو الصهيوني، يتطلب الحصول على أفضل مستوى من التعليم، وأفضل مستوى من التنمية والاقتصاد، وحماية الحريات وحقوق الإنسان، والعكس صحيح، فالفشل في هذا الصراع يعود إلى غياب الحريات والعلم والتنمية والديمقراطية، وليس هناك اي تناقض بين القضيتين.
نحن اليوم بحاجة لاستعادة قضية فلسطين كي تكون طريقنا نحو مستقبل أفضل، بشرط أن لا يكون ذلك على حساب بقية القضايا. وإن نجاح المقاومة في لبنان وفلسطين في تحرير قسم من الأراضي المحتلة لأنهما استفادتا من هامش الحرية، ومن امتلاك منظومات علمية وتكنولوجية جديدة، وتوفير الحد الأدنى من الحياة لعناصرهما. وإن تحقيق الانتصار الجزئي في حرب تشرين الأول/ أوكتوبر 1973 كان بسبب امتلاك التكنولوجيا والقدرات العلمية والعسكرية الجديدة، وتوفر حد أدنى من التنسيق بين دولتين عربيتين كبيرتين.
واليوم كي تعود قضية فلسطين إلى الأولوية لدى شعوبنا العربية والإسلامية، علينا وقف كل الصراعات والحروب الجانبية، وأن نعود لبناء الإنسان الحر، وأن نمتلك كل التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، وأن نكون أحرارا حقيقيين. وبذلك تكون فلسطين طريقنا نحو مستقبل أفضل، بدل أن تكون سببا للصراعات والتخلف والعودة إلى الوراء.