قضايا وآراء

عودة محمد علي

عزة مختار
1300x600
1300x600
وسط حالة من الجدل غير المبرر، أعلن الفنان والمقاول محمد علي منذ عدة أيام عودته للحديث مع الشعب عبر رسائل البث المباشر على صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي، وفي الموعد الذي أعلنه يوم الأحد الماضي (أول أيام عيد الفطر المبارك) عاد علي بفيديو ينتقد فيه الأداء الحكومي في مواجهة جائحة كورونا، مرجعا السبب في انتشار المرض لممارسات الدولة وتقصيرها في مواجهته منذ البداية. وقارن بين تعاطي الحكومة مع الإجراءات الواجب اتخاذها مع ما تم في دول أخرى استطاعت أن تتحكم في أعداد المصابين حتى وصلت الإصابة للرقم صفر، وأن السبب ليس قلة وعي الشعب المنشغل بالبحث عن لقمة عيشه والتي يحصل عليها بشكل يومي ولا يجدها. انتقد أيضا التفرقة بين فئات الشعب في تلقي العلاج والاهتمام، خاصة الفرق الطبية التي تتعامل معه بشكل مباشر.

وقد رحب الكثيرون بتلك العودة، بعد إعلان "محمد علي اعتزاله للعمل السياسي بعد أزمة كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث وعدت بعض تيارات المعارضة مشاركته في الدعوة للنزول للتظاهر في ذكري 25 يناير وحلحلة الوضع المتجمد من 2015 وحتي اليوم، ثم خذلانه من قبل تلك التيارات، فبدا وكأن الرجل قد تم تسليمه للأحداث ليواجهها منفردا، ليعلن على إثرها اعتزاله للعمل السياسي، وهو نفسه الذي أعلن مرارا أنه ليس رجل سياسة، وإنما هو مواطن غيور على بلاده وأهلها الذين طحنهم النظام في دائرة الجوع والفقر والمرض والجهل.

وعلى الوجه الآخر كانت هناك أصوات استقبلت عودته بسخرية كبيرة، متهمة إياه بالضعف وانعدام الرؤية واللعب بعاطفة الشعب، بينما هو في الحقيقة لا يملك حلا ما. ثم يظهر صوت ثالث متهما إياه بأنه جزء من وظيفة محددة له ولغيره لامتصاص حالة الغضب المكبوت داخل الشارع المصري، والتي تتنامي يوما بعد يوم.

فأين هي حقيقة محمد علي؟ وما هي ملابسات عودته وحيثيات بقائه؟ ومن المستفيد من إبعاده عن المشهد وإسكاته للأبد؟

مهمة محمد علي

من هو محمد علي؟ ومن الجهة التي أتت به فتظهره وتغيّبه وقتما تريد؟ وما المهمة الموكولة له؟ هل هي مهمة التخفيف من الضغط الواقع على الدولة في فشلها المتراكب والمتعدد والمتوالي؟ هل هي عملية تنفيس مجتمعي للتقليل من تبعات الغضب المكبوت والذي يمكن أن ينفجر في أي وقت؟

تلك وغيرها تساؤلات كثيرة طرحها المتابعون مع ظهور الرجل ثم بعد انسحابه واتهامه بالعمالة وتنفيذ "مهمة" لجهة ما، وأن هذه الجهة تخضع لصراع أجنحة داخل المؤسسة الأمنية في مصر.

ولست هنا في خضم الدفاع عن محمد علي وإثبات براءته من تهم تعرض لها، أو إثبات إدانته بعد انسحابه الغريب من المشهد السياسي، إنما لعرض حالة من ردود الفعل الأغرب مع ظهور كل متحدث ضد الحكم الانقلابي الجائر، ومحاولة إلصاق مجموعة من التهم الجاهزة بصورة عجيبة توحي وكأن الجميع متفق مسبقا على بقاء الوضع على ما هو عليه، ثم الهجوم الحاد على تلك الأصوات، وكأن مقاومة الانقلاب يجب أن لا يقوم بها إلا فصيل بعينه، شرط أن تكون في الوقت الذي يريد، وبالكيفية التي يحددها.

والحقيقة البسيطة أنه سواء كان محمد علي يتبع جهة "ما" تحركه في وقت معين، أو أن الرجل مجتهد تحرك برد فعل فردي للظلم الذي تعرض هو نفسه له فخرج بعفوية دون تنظيم أو تخطيط، أو ظهير شعبي أو غير شعبي، وظن أن الطريق ممهد لحراك شعبي قد يساهم بشكل كبير في إسقاط الانقلاب، فإن كل صوت يساهم في التسبب بقلق لهذا النظام هو مطلوب، وأن كل جهد هو واجب، ولو كان مجرد فيديو يفضح ممارسات يعرفها الجميع ولا يستطيعون التعبير عنها مع القبضة الأمنية الشرسة التي تتعرض لها البلاد، علاوة على الجائحة العالمية التي أظهرت الفشل الكلي في إدارة شؤون الدولة تجاه مواطنيها، وترتيبهم لديها في سلم أولوياتها.

الحقيقة أن مهمة محمد علي أو غيره يجب أن تثمن من كافة الأطراف التي تحرص علي تغيير الوضع القائم ولو قيد أنملة، كي يتنفس الناس، ويعلموا أن هناك أمل، وأن هناك من يبحث عن حل ويستطيع التكلم، بينما هم منهمكون في استجلاب أسباب بقائهم على قيد الحياة بصعوبة وعناء.

أين المعارضة الفعلية منذ 2015؟

ويطفو على السطح سؤال هام لكل هؤلاء الغاضبين والمشككين في كل صوت يعارض خارج بوتقة المعارضة القديمة تحت راية الشرعية، والتي اختفى صوتها تماما في 2015 بعد عدة اعتصامات في المطرية وعين شمس؛ عجز النظام عن فضها أو حتى الاقتراب منها، وتم فضها بقرار، توقفت بعده المسيرات التي كانت تجوب شوارع مصر كل يوم تقريبا، وتحول الإعلام في الخارج لمعارضة ناعمة مستأنسة، دورها التطبيع مع النظام باتخاذ موقف المعارض من الحكم، وليس موقف المناوئ له، وتحولت البرامج الثورية لبرامج اجتماعية، وكأنه لا يوجد وطن مغتصب، ولا عشرات الألوف من المعتقلين ينتظرون الخلاص.

وتم الموت الفعلي لتلك القنوات إلا من أصوات متناثرة هدأت بعد عاصفة، وسكنت بعد حراك، وانعكس عليها وقف الحراك بوقف الفكرة الثورية ككل، لتتوقف عند ملاحقة أي صوت يخرج منفردا، وكيل الاتهامات له وتعجيزه ومطالبته بما لم تقدر عليه تلك المعارضة لسنوات.

إن المصيبة الكبرى هو أن تطلب من فرد أن يسقط نظاما لن يسقطه إلا حراك شعبي كلي؛ مدعوم بحراك خارجي على التوازي يخفف الضغط الواقع على الشعب المصري، ولن يحدث كل هذا إلا بمعركة توعية كبيرة تتضافر فيها كافة الجهود للوصول لكافة الشرائح المجتمعية التي يمثل محمد علي أهمها، وهي فئة الشباب والبسطاء من الشعب الذين يريدون حديثا مبسطا من رجل يشبههم، حتى ولو كان مقاولا يعمل مع الجيش، يعرف خباياه، ويتحدث بلغة يفهمونها.

إنه من الغريب أن يهاجم أصحاب الطرف الواحد بعضهم بعضا، هذا إذا كانوا في نفس الطرف، ومن الغريب أن لا تُقبل معارضة إلا تحت مظلة واحدة، ومن الغريب أن نقدم نماذج لا تقل في تشوهها عن النظام نفسه في عدم قبول الآخر بينما الساحة تسع الجميع، والقضية أكبر من أن يتحملها فصيل، وكل نقطة مياه تهبط بانتظام على حجر يمكن أن تقصمه نصفين إن هي استمرت.

فبدلا من البحث عن اتهامات لكل صوت معارض، والبحث عمن وراءه، يجب دعمه لتكتمل عملية التوعية الشعبية، وتتبلور لتصل لعمل إيجابي يمكن أن يبنى عليه حراك مؤثر يلفت انتباه العالم الذي ينتظر تغييرات كبرى، خاصة في ظل كورونا.

فلمصلحة من تتم ملاحقة الأصوات المعارضة بالاتهام والتشويه؟ ولمصلحة من يجب أن يسكت الجميع؟ ومن وراء تلك الحملات شبه المنظمة؟ إننا إن استطعنا تقديم إجابة لتلك التساؤلات، فلسوف نعرف وقتها من هي الأطراف، ومكان كل طرف منها.
التعليقات (2)
فين احنا..؟
الثلاثاء، 02-06-2020 04:48 ص
كل التحية لعزة مختار والكلام حقيقي وصحيح محمد علي الانسان العادي والطبيعي ومخاطبته الناس بأسلوبهم ورفضه للظلم والتسلط والذي كان من ضحاياه جعله يسرق أنظار واهتمام كل المصريين حتى بتوع البتاع وربما هذا شكل خطرا أو غيرة على المخضرمين فهناك من اضطر لقبوله خوفا من الشعب لكن لم يدعمه أحد دعما قويا وواضحا لتجاوز مصيبة الكل وتلك الانتفاضة التي دعا لها محمد علي كانت ستنجح مائة بالمائة ان هم قاموا بكل واجباتهم...لكن بعض الناس للأسف تفكر في القعدة وبروتوكولاتها ومراسيمها وحتة الجاتوه التي ستأكلها ونحن مازلنا نفتش عن المقادير ونحاول تجميعها...
مفارق مخدوع
الثلاثاء، 02-06-2020 02:20 ص
وماذا بعد ؟!!! أفلا يتوبون إلى الله ويستعفرونه ؟!!! اللهم توبة