هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد "المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية ـ مسارات"، أنَّ العلاقات بين السودان و"إسرائيل"، بعد اللقاء الذي جرى بين البرهان ونتنياهو، تسير نحو التعاون وتعزيز العلاقات بين البلدين، مما يؤثر بالسلب على القضية الفلسطينية من خلال تراجع الدعم العربي والإسلامي لها.
وذكرت ورقة أعدتها الباحثة لينة أبو خبيزة ضمن برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" الذي ينفذه "مركز مسارات"، أن لقاء البرهان ـ نتنياهو، الذي جرى مطلع شباط (فبراير) الماضي بدعوة من الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، أفرز نتائج عملية على أرض الواقع، تمثلت في تحليق طائرات مدنية إسرائيلية في سماء الخرطوم، ثم تصريحات سودانية ببدء التنفيذ الفعلي لتطبيع العلاقات بين البلدين.
لقاء البرهان ـ نتنياهو
وأشارت الورقة، التي أرسلت نسخة منها لـ "عربي21"، إلى أنه وعلى الرغم من أنه لم تكن هناك علاقات ديبلوماسية رسمية بين السودان وإسرائيل في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، لكن كانت هناك بعض التلميحات وفقًا لتصريحات سابقة في العام 2016، لإبراهيم الغندور، وزير خارجية السودان، حول أن التطبيع مع إسرائيل قابل للدراسة، مؤكدة أن "هذه التصريحات اعتُبرت آنذاك انقلابًا في سياسة النظام السوداني السابق التي تعدّ مجرد الحديث عن إسرائيل بصورة إيجابية جريمة".
لكن التحول المعلن في العلاقات السودانية ـ الإسرائيلية جرى بعد الثورة السودانية التي اندلعت في كانون الأول (ديسمبر) 2018، وبعد تسلّم البرهان رئاسة مجلس السيادة بتاريخ 21 آب (أغسطس) 2019، حيث التقى البرهان بنتنياهو، وأشار نتنياهو عقب اللقاء إلى الاتفاق على التعاون الذي سيؤدي إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان.
وأضاف نتنياهو في تغريدة له على تويتر: "مؤتمر الخرطوم ـ مؤتمر اللاءات الثلاث (في العام 1967) التي رفضت وجود إسرائيل والاعتراف بها والسلام معها. يحدث اليوم في العالم تغيير هائل ونحن نقوده من أجل تغيير علاقاتنا مع جميع الدول العربية والإسلامية، إسرائيل تحولت إلى دولة عظمى ودول إسلامية وعربية كثيرة تريد الاقتراب منا".
ونقلت الورقة عن البرهان وصفه للقائه مع نتنياهو بأنه خطوة في المسار الصحيح، مشيرًا إلى أن مجلس الوزراء "سيتولى ترتيب الاتصالات المقبلة وإدارة العلاقات الديبلوماسية بمجرد التوافق على قيامها"، ومؤكدًا أن "تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل يلقى تأييدًا شعبيًا واسعًا، ولا ترفضه إلا مجموعات أيديولوجية محدودة".
إقرأ أيضا: هكذا تفاعل السودانيون مع لقاء البرهان ونتنياهو (صور)
وبرر البرهان خطوته هذه بأنها تأتي في سياق العمل الدؤوب لحفظ وصيانة الأمن الوطني، مشيرًا إلى أن "موقف السودان المبدئي ثابت من القضية الفلسطينية وحق شعبه في دولته المستقلة".
وأكدت الورقة أن لقاء البرهان ـ نتنياهو له دلالة مهمة على دخول السودان نادي الدول العربية المُطبعة، ونقلة جديدة في تاريخ العلاقات الإسرائيلية ـ السودانية. وأنها تأتي في إطار السعي الحثيث لإسرائيل لكسر الجمود السياسي في علاقاتها بالدول التي كانت تعاديها من قبل وترفض التطبيع معها.
الدوافع السودانية والإسرائيلية
وقدمت الورقة عرضا لأهم الأسباب التي دفعت الطرفين السوداني والإسرائيلي للإقدام على هذه الخطوة، وذكرت من مبررات البرهان الحصول على وساطة إسرائيلية لدى واشنطن حذف السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وتعزيز العلاقات السودانية الأمريكية.
وقالت الورقة: "يسعى السودان الجديد إلى فك العزلة الدولية المفروضة عليه من خلال هذه الخطوات التطبيعية، وتحسين العلاقات الخارجية، والانخراط في المجتمع الدولي، وهذا ما عبر عنه نتنياهو في تغريدة له على تويتر بقوله: "يريد (البرهان) مساعدة دولته في الدخول في عملية حداثة، وذلك بإخراجها من العزلة ووضعها على خريطة العالم"".
أما إسرائيل فترى أن أي تقارب في العلاقات العربية والإسلامية إنجاز كبير لها، لذلك رأت الأهمية الإستراتيجية للتقارب مع السودان، وذلك لتحقيق بعض الدوافع، ومنها: التأسيس لمرحلة جديدة من التحالفات الإقليمية، بما يعكس التقاء مصالح تل أبيب في أفريقيا بالمصلحة السودانية لدى الولايات المتحدة، ويفتح المجال لتطبيع العلاقات بين البلدين.
وسمح لقاء البرهان ونتنياهو للطيران الإسرائيلي باستخدام المجال الجوي السوداني للرحلات من وإلى أمريكا اللاتينية، وهو المسار الذي سيقلص مدة الرحلات الجوية بنحو 3 ساعات، إضافة إلى حل أزمة طالبي اللجوء السودانيين في إسرائيل، التي يوجد فيها نحو 6500 مواطن سوداني، وما يمنع عودة طالبي اللجوء السودانيين عدم وجود علاقات ديبلوماسية بين البلدين.
ولفتت الورقة الانتباه إلى أنها ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها الطيران الإسرائيلي أجواء السودان، فقد استُخدمت أجواء السودان في حكم الرئيس السابق جعفر النميري في العام 1984، لنقل "يهود الفلاشا"، بطلب من الموساد الإسرائيلي.
والأهم من ذلك أن اللقاء وفق الورقة سـ "يضمن منع تهرب الأسلحة لقطاع غزة. فلطالما اعتبرت إسرائيل السودان تهديدا أمنيًا؛ إذ كانت صواريخ فجر 5 تأتي إلى قطاع غزة، عبر شبكة إمداد من السودان عبر الأحمر إلى مصر وحتى سيناء".
الدعم الأمريكي للقاء البرهان ـ نتنياهو
في الموقف الدولي أكدت الورقة أن لقاء البرهان ـ نتنياهو وجد دعما أمريكيا، فقد هاتف مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، البرهان، وشكره على مبادرته لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل". وأصدرت الخارجية الأمريكية بيانًا جاء فيه أنَّ الطرفين لديهما الرغبة المشتركة في تحسين مشاركة السودان الفعالة في المنطقة والمجتمع الدولي. وأكدَّ البيان التزام الولايات المتحدة بالعمل من أجل إقامة علاقة ثنائية أمريكية سودانية أقوى وأكثر صحة.
الموقف الفلسطيني من لقاء البرهان ـ نتنياهو
قدمت الورقة رصدا للموقف الفلسطيني، وذكرت بأنه كان موحدا في رفضه القاطع للقاء نتنياهو والبرهان، فقد اعتبرت الفصائل اللقاء خطوة في مسار تطبيعي بين العلاقات السودانية الإسرائيلية، لما له من تداعيات ودلالات على القضية الفلسطينية.
ونقلت موقف صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي وصف "اللقاء بأنه طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني، وخروج صارخ عن مبادرة التسوية العربية، في وقت تحاول فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصفية القضية الفلسطينية".
من جهته، أشار رياض المالكي، وزير الخارجية وشؤون المغتربين الفلسطينيين، إلى أن اللقاء يأتي في سياق محاولات إحداث اختراقات في أفريقيا، ومرتبط بضغط أمريكي لرفع الحظر عن السودان.
أما بالنسبة إلى الفصائل الفلسطينية، فقد اعتبر جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، أن اللقاء يتناقض مع موقف الشعب السوداني المناصر على الدوام لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته. بينما رأت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن اللقاءات التطبيعية تشجع الاحتلال على مواصلة جرائمه وعدوانه بحق شعبنا الفلسطيني، مشيرة إلى أنَّ "الاحتلال هو الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي"، لذا يجب وقف مسلسل التطبيع.
بدورها، أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنَّ اللقاء يضرب مصالح الشعب السوداني، وموقفه الذي لم يتوقف عن دعم الشعب الفلسطيني، وانخراط الكثير من أبنائه في صفوف المقاومة الفلسطينية.
موقف المجتمع السوداني من لقاء البرهان ـ نتنياهو
كما عرضت الورقة لمواقف الأحزاب السودانية التي رفض غالبيتها اللقاء، من الحزب الشيوعي، وحزب المؤتمر الشعبي، وحزب الأمة القومي، والاتحاد العام للصحفيين السودانيين.
إقرأ أيضا: "مجلس السيادة السوداني": حمدوك نسّق لقاء البرهان ونتنياهو
يذكر أن أول طائرة إسرائيلية، حلّقت على نحو رسمي معلن، للمرة الأولى فوق سماء السودان، بتاريخ 16 شباط (فبراير) 2020، وجاء ذلك بعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برئيس مجلس السيادة السوداني الانتقالي الفريق الأول عبد الفتاح البرهان، بتاريخ 3 شباط (فبراير) 2020، بدعوة من الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني.
بعد اللقاء حدث تقدم آخر، فقد أعلن البرهان على شاشة التلفزيون السوداني، بتاريخ 27 نيسان (أبريل) 2020، أن "قرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو الآن قرار تنفيذي حكومي". وقد أشار في وقت سابق، بأن بحث وتطوير العلاقة بين السودان وإسرائيل مسؤولية المؤسسات المعنية بالأمر وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية.
وفي إطار سعي إسرائيل إلى تطبيع العلاقات مع الدول العربية واستغلال وباء كورونا المستجد، غرّد نتنياهو على تويتر، بتاريخ 20 نيسان (أبريل) 2020، بقوله كورونا تغيّر العالم، ويمكن أن تغيّر الشرق الأوسط، وآمل أن يكون بشكل إيجابي. و"سنعزز أكثر علاقاتنا مع الدول العربية والإسلامية المعتدلة".
إقرأ أيضا: دبلوماسية إسرائيلية: تطبيع العلاقات مع السودان ليس سهلا