قضايا وآراء

إرهاب زمن كورونا في تونس: تهديدات لشخصيات سياسة

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600

إنما سمّي "الإرهابُ" إرهابا لكونه لا يخضع لمنطق الصراع وقانون الحروب وأخلاق المنافسة، ولكونه لا يخضع لمنطق عقلي يمكن فهمه به وتفسيره بناء عليه، هو إرهاب لأنه ينهج نهج الترهيب والضغط النفسي ويهدف إلى سلب الناس أمنهم واستقرارهم.


الإرهاب يستغل كل الأزمات يتسلل منها لممارسة أفعاله الإجرامية، وهو يخشى التجارب الديمقراطية ولا يحب استقرار شعوب ودول، ولا يقبل باحتكام الشعوب إلى العقل وإلى صناديق الانتخاب في فضّ مشاكلها السياسية وفي اختيار حكامها.

لقد رافق الإرهاب التجربة التونسية بعد 2011، وظل يعكر المشهد السياسي حتى أوقف التجربة الديمقراطية وأدخل البلاد في سياقات أخرى للحكم، حين اضطرت حركة النهضة لترك السلطة والبحث عن "توافقات" مع النظام القديم لمنع انزلاق البلاد نحو العنف والفوضى.

اغتيال زعيم حركة الوطنيين الديمقراطيين شكري بلعيد يوم 6 شباط/ فبراير 2013، ثم اغتيال زعيم التيار الشعبي الحاج محمد البراهمي يوم 25 تموز/ يوليو من نفس السنة، ثم تنفيذ عمليات تفجير ضد عسكريين وأمنيين في أكثر من مكان وأكثر من مناسبة، كلها كانت محاولات لفرملة المسار الثوري والتمشي الديمقراطي لحساب مشاريع تخدم أعداء الحرية والخائفين من التجربة الديمقراطية الناشئة في تونس.

لم يتأخر الإرهاب عن تذكير التونسيين (حتى وهم يواجهون كورونا) بكونه يرصدهم ولا يكف عن تهديدهم، ولا حرج في التحالف ضدهم مع وباء يتهدد حياتهم ويسلبهم الأمان والاستقرار.

وزارة الداخلية أعلمت خلال الأسبوع الماضي كلا من أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، والنائب في البرلمان عن حركة الشعب سالم الأبيض، وأمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي، والنائبة في البرلمان عن التيار الديمقراطي سامية عبو .. بوجود تهديدات إرهابية تستهدف حياتهم وعرضت عليهم المرافقة الأمنية. وقد سبق أن أعلنت وزارة الداخلية في شهر كانون الثاني/ يناير عن إحباط محاولة اغتيال مباركة البراهمي، أرملة المغدور محمد البراهمي والنائبة السابقة في البرلمان.

ولعل أسوأ ما في "اللامنطق" الإرهابي أنه لا يساعد في فهم أولياته وأهدافه، سواء بخارطة تحركاته أو بقائمة الأسماء المستهدفة، فهو يتحرك في قلب العاصمة حينا ليُفاجئ القوات العسكرية والأمنية بحركة أخرى في جبل الشعانبي، وهو يهدد شخصية سياسية عروبية ليربطها على عجل بشخصية ليبيرالية أو يسارية وأحيانا دينية.

ظهور الإرهابيين في كل مرة وبأشكال متعددة وفي مواقع متباعدة ومختلفة داخل المدن وفي الجبال يثير أسئلة عديدة: هل يشتغل الإرهاب لخدمة رؤية أيديولوجية معينة ولحسابها الخاص؟ هل يشتغل لحساب لوبيات داخلية ذات مصالح مالية واستراتيجيات سياسية؟ هل يشتغل لحساب جهات أجنبية معادية للتجربة التونسية متخوفة من حظوظ نجاح المسار الديمقراطي التوافقي؟ ما الحكمة من إعلام الرأي العام بوجود تهديدات إرهابية لزعماء سياسيين؟ هل يستفيد السياسيون المهددون بالاغتيال سياسيا من ذلكم التهديد؟ هل تتأثر الساحة السياسية والمسار الديمقراطي بمثل هذا التهديد؟ هل تُعيد تلكم التهديدات الصدارة للأجهزة الأمنية بدل النخبة السياسية؟

من المؤكد أن كل هذه الأطراف مستفيدة من التهديدات الإرهابية، سواء كان التنسيق حاصلا مسبقا أو ليس حاصلا.

وللإجابة عن سؤال حول أهداف الإرهابيين من ممارسة التشويش في كل مرة على المشهد السياسي، كتب الإعلامي لطفي الحيدوري: "لقد عرفت التنظيمات الإرهابية الدولية التي لها امتدادات محلية ضربات قوية خلال عام مضى، أبرزها دحر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من أهم معاقله التي سيطر عليها في سوريا والعراق وتصفية رأس التنظيم أبو بكر البغدادي، غير أنّ التنظيم سرعان ما التف حول خليفة البغدادي ونشر حملة دعائية في الخريف المنقضي أظهرت مناصري الجماعة في مختلف البلدان، بما فيها تونس، يبايعون القائد الجديد. وشملت الحملة هذه المرة فروعاً في أفغانستان وأذربيجان وبنغلاديش وبوركينا فاسو والكونغو ومصر وإندونيسيا والعراق وليبيا ومالي وموزمبيق ونيجيريا وباكستان والفلبين والصومال وسوريا وتونس واليمن ، فلا يتعلق الأمر بمجرّد إحياء تنظيم مهزوم، بل بإثبات الوجود ميدانيا أو دعائيا".

ورغم ما يقال دائما من أن قواتنا العسكرية والأمنية تحقق انتصارات متتالية على المجموعات الإرهابية (رغم ما تتعرض له أحيانا من عمليات "إلهاء" غير متعمدة بسبب التحركات الاحتجاجية في بعض الجهات المهمشة والأحياء الشعبية ذات النّسب الأعلى في الفقر والبطالة والعنف والجريمة)، فإنه وجب التنبيه إلى كون الإرهاب لا يحقق اختراقات إلا في بيئاتٍ هشة سياسيا واجتماعيا وأمنيا، وهو يسجل حضوره كلما كانت الأحزاب السياسية متنافرة وكلما تعالت أصوات التخوين والترذيل.

تبرير حالة التشنج السياسي في تونس بـ"قصر عمر التجربة الديمقراطية" لم يعد مقبولا بعد مُضِيّ تسعة أعوام من التجريب والتدرب، ومحاولات المواءمة بين الحرية والنظام أو بين الشرعية الانتخابية وسياسة التوافق التشاركي أو بين أشواق الثورة ومقتضيات الدولة.

تسعة أعوام كافية لإنتاج نظام سياسي مستقر وطبقة سياسية متوازنة وائتلاف حكومي متضامن، خاصة وبلادنا تواجه وباء عالميا ستكون له بالتأكيد تداعياته السلبية على الاقتصاد تحديدا، وربما على العلاقات الإقليمية والدولية.

التعليقات (0)