أزمة الحركة الإسلامية بين العمل الدعوي والعمل السياسي

طرحت الأحداث والتحديات التي تعاقبت إبان "الربيع العربي" أسئلة محورية على حركات الإسلام السياسي، كان أبرزها، هل هي أحزاب سياسية حقاً أم جماعات دعوية؟ وهل يمكن أن يكون حامل الدعوة رجل سياسة، أم ينبغي الفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي؟ 

للإجابة عن السؤال الثاني تحديداً، فلا بد من الوقوف على واقع كل من حامل الدعوة ورجل السياسة ابتداء.
 
فحامل الدعوة يؤمن بمجموعة من الأفكار التي تشكل مبدأه في الحياة، يعيش من أجلها ويحملها للآخرين، ولا يضير إيمانه كثرة مخالفيه، فهو صاحب رسالة، لا يغير ولا يبدل، ولو سار وحده، ولو مضى على دعوته عشرات أو مئات السنين. 

أما رجل السياسة، فإنه يتحرك ضمن أهداف مطلوب تجسيدها في واقع محدد ضمن جدول زمني وظروف معينة، بالتالي فإن حيز اهتمامه ومحل حساباته هي العوامل التي تؤثر في إنجاز تلك الأهداف. لهذا تكون حساباته عملية، وفق الفرص المتاحة فعلاً، وضمن موازين القوى المفروضة في الوضع القائم.

هل يمكن أن يكون حامل الدعوة رجل سياسة؟

هكذا يتكشف لنا الفرق بين مفهوم حمل الدعوة بشكل مجرد وبين مفهوم ممارسة السياسة في عالم الواقع، وعليه نرجع للسؤال: هل يمكن أن يكون حامل الدعوة رجل سياسة؟

الإجابة هي بكل تأكيد نعم، بل إن ممارسة السياسة بدون مبدأ وقضية ودعوة، تفقد السياسة نبلها وقيمتها، وتحول السياسي إلى ذئب بشري ينهش أقرب الناس إليه ناهيك عن خصومه وأعدائه، لذلك نقول: يجب على حامل الدعوة أن يحرص على أن يكون رجل سياسة، لكنه يجب أن يمارس السياسة بمتطلباتها، أي أن يتعامل مع الواقع المحسوس، كبقية الأنشطة الإنسانية المتعلقة بحياة الإنسان على هذه الأرض، حيث يقوم بما من شأنه تحقيق مراده بشكل مادي، تماماً  كالطالب الذي يريد تحصيل شهادات علمية عليا أو كالتاجر الذي يريد أن يكسب المال الوفير، فإن كلا من هؤلاء يأخذ بالأسباب التي من شأنها أن تحقق له ما يريد. 

عندما تتم مراجعة آداء حامل الدعوة في خطأ ارتكبه أو محاسبته على تقصير وقع فيه، فإنه لا يصح أن يجعل من محاسبته محاسبة للدعوة أو المبدأ، إنما هي محاسبة لأفكاره وأعماله وخططه وأساليبه هو

فإيمان التاجر بأن الله هو الرزاق وإيمان الطالب بأن الله هو الموفق، لا ينبغي أن يقعدهم عن الجد والاجتهاد لنيل مطالبهم، كذلك فإن إيمان السياسي بأن النصر من عند الله ينبغي أن لا يقعده عن الأخذ بالأسباب المادية التي توصله للسلطة وممارسة الحكم. فمهمة المفاهيم الإيمانية هنا أن تضع لصاحبها أحكاماً تضبطه، فالتاجر المؤمن لا يتعامل بالربا ولو كان مظنة لكسب المال، والطالب المؤمن لا يغش في الامتحانات لأن الغش حرام، والسياسي المؤمن لا يكذب على الناس لتحقيق مآربه. كما تمنح المفاهيم الإيمانية صاحبها قوة روحية تضاعف من همته وتمنحه الطمأنينة وتحول دون انحرافه أو انتكاسه ويأسه.

وعليه، فعندما يتم سؤال حامل الدعوة عن إنجازاته الميدانية أو عن مدى قربه أو بعده من تحقيق أهدافه السياسية، فإنه يتوجب عليه التوقف على المعطيات الحسية وعلى النجاحات التي حققها فعليا وعلى العوامل والتحديات والمشاكل التي تمثل عوائق تحول دون تحقيقه الهدف. 

ولا ينبغي أن نخلط أياً من ذلك بالمفاهيم الإيمانية والمبشرات الغيبية التي تتحدث عن النصر والظفر. فإيمان حامل الدعوة بانتصار دعوته، قد يتم على يديه أو على يد غيره، إنما الواقع الماثل أمامه سينتصر فيه هو أو ينهزم فيه هو، سينجح أو يفشل في تغييره هو، أي أنه هو المسؤول عن الإخفاقات وكيفية مواجهة التحديات. ولا يصح أن يحال أي شيء من ذلك للغيب الذي اختص الله سبحانه نفسه بعلمه.
 
كذلك الأمر عندما تتم مراجعة آداء حامل الدعوة في خطأ ارتكبه أو محاسبته على تقصير وقع فيه، فإنه لا يصح أن يجعل من محاسبته محاسبة للدعوة أو المبدأ، إنما هي محاسبة لأفكاره وأعماله وخططه وأساليبه هو، بالتالي لا يكفي القول هنا "فعلنا كل المستطاع"، و "كل بني آدم خطاء"، أو "اجتهد فأخطأ" وهو مأجور! فالمطلوب رصد موطن الخلل أو القصور وكيفية تلافيه.

ومن نافلة القول، إن حامل الدعوة يحاول بطبيعة الحال، لا سيما عندما يطول الأمر بدعوته، تلمس الإشارات والبشارات المتعلقة بانتصارها، كمحاولة لتغذية استمراره في طريقه وتثبيت الأنصار والأتباع، كما يحاول أن يربط أية تغيرات تحدث في العالم على نحو ما برسالته وأحقيتها بالتفوق والظهور. إلا أن إقحام أي شيء من هذا في العمل السياسي أو الفهم السياسي أو التحليل السياسي خطر عظيم، يؤدي إلى تعطيل دور العقل والإرادة والإبداع في التعامل مع الأزمات والمشكلات وبالتالي شل العمل السياسي وتقويضه.