هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الأزمة الاقتصادية في اتجاهها إلى سابق حدتها على ما كانت عليه قبيل اعتماد الإصلاحات الاقتصادية من قبل المجلس الرئاسي في أيلول (سبتمبر) الماضي، والأسباب معلومة للجميع أهمها إغلاق الحقول والموانئ النفطية، شريان الحياة والمصدر الوحيد للدخل.
خلافات تنذر بهزة كبيرة
غير أن حدة الأزمة ربما قد ترجع في أحد أسبابها إلى الخلاف بين الحكومة، ممثلة في رئيسها ووزير ماليتها، كمعنيين بصنع وتنفيذ السياسة المالية، وبين المصرف المركزي، المسؤول عن وضع وتنفيذ السياسة النقدية.
فمنذ تشكيل حكومة الوفاق واستلامها مهامها مطلع العام 2016م والخلاف مع محافظ المصرف المركزي هو الغالب، وكان ملف الإصلاحات الاقتصادية من أبرز مظاهر الخلاف، ولم يتسن تحقيق اتفاق حوله إلا بعد تدخل البعثة الأممية وممارستها لضغوط أدت إلى الوصول إلى صيغة توافقية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي.
وتوقع كثيرون انتهاء الخلاف بعد الاتفاق على اعتمادات الترتيبات المالية للعام 2020م بصيغة ومبالغ قريبة من اقتراح المصرف المركزي، إلا أن الخلاف امتد وعلم به القاصي والداني بل وتغذت عليه وسائل إعلام معادية محليا وخارجيا.
أوجه الخلاف
وجه الخلاف اليوم يتمظهر حول اتهام الحكومة للمصرف المركزي بتجاوز اختصاصاته ورفضة تنفيذ طلباتها بتمويل أوجه الإنفاق المختلفة وفق الترتيبات المالية المتفق عليها، خاصة بعد انتشار جائحة كورونا.
اتهامات الحكومة وردت على لسان وزير المالية في مؤتمر صحفي، أما موقف الرئاسي فقد كشفت عنه مراسلات رسمية، وردود المصرف المركزي المستفيضة في أكثر من كتاب موجه للرئاسي، حتى إن وزيرا مبرزا في الحكومة ذكر أن المحافظ "مسكرها" في إشارة إلى وقفه كثير من طلبات الإنفاق، وتوج المركزي موقفه بإغلاق منظومة الاعتمادات.
منذ تشكيل حكومة الوفاق واستلامها مهامها مطلع العام 2016م والخلاف مع محافظ المصرف المركزي هو الغالب، وكان ملف الإصلاحات الاقتصادية من أبرز مظاهر الخلاف
ويطالب المركزي الحكومة بترشيد الإنفاق وبإعادة النظر في نسبة الرسوم المفروضة على الدولار بموجب الإصلاحات الاقتصادية من 167% إلى 200% أو أكثر، وهو ما لم تقره الحكومة برغم أنه يوفر لها سيولة كبيرة، وعادة الحكومات أن لعابها يسيل مع التدفقات المالية المجزية.
الرئاسي، ولأجل ممارسة ضغوط على المحافظ، دعا إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس إدارة المصرف المركزي، والذي يضم ضمن عضويته محافظ المصرف المركزي الموازي بمدينة البيضاء، الخصم العنيد لمحافظ طرابلس، ومع تعذر أن يتحقق ذلك في ظل الانقسام الحاد الذي عمقته الحرب على طرابلس، فإن الرئاسي لم ينل شيئا من دعوته هذه إلا الكشف عن حدة الخلاف وإحراج المحافظ.
وساطة وضغوط
هذا الوضع المأزوم، والذي يأتي في توقيت خطير تتزاحم فيه مصيبة الحرب مع كارثة إغلاق النفط مع جائحة كورونا، يتطلب احتواء سريعا وإلا فإن الاستمرار فيه قد يفتح أبواب الجحيم على العاصمة وعلى المؤسسات وقياداتها.
وعليه فإن وساطة فاعلة مطلوبة اليوم لحلحلة الخلاف والاتفاق على مسار اقتصادي يكافئ التحديات الجديدة، ويمكن للبرلمان (بطرابلس) كونه مرجعية المصرف المركزي، أن يتدخل عبر رئيسه من خلال الجمع بين الفاعلين في الوزارة والمصرف للتوصل لتفاهمات حول الخلافات، أو تقديم مقاربة يشرف على تصميمها فريق من الخبراء الاقتصاديين والماليين المبرزين تركز على مناقشة نقاط الخلاف وتقديم حلول مبتكرة لها.
وجه الخلاف اليوم يتمظهر حول اتهام الحكومة للمصرف المركزي بتجاوز اختصاصاته ورفضة تنفيذ طلباتها بتمويل أوجه الانفاق المختلفة وفق الترتيبات المالية المتفق عليها، خاصة بعد انتشار جائحة كورونا.
ومطلوب أن يتبنى تمرير المقاربة الاقتصادية فريق ضغط يتكون من أعضاء بارزين في البرلمان ومجلس الدولة ومدراء بعض المؤسسات السيادية الهامة وسياسيين لامعين ورموز وأعيان معروفين لإقناع الطرفين بالامتثال لها للعبور إلى مرحلة العمل الجاد والمتناغم لمواجهة الظرف القاهر.
هذه الوساطة، وبهذا الحجم والمضمون المهم، يمكن أن تشكل اختراقا مهما، وفي حال رفضها فإن المسؤول عن ذلك سيكون في مواجهة الرأي العام الليبي بشكل عام، والمنطقة الغربية بشكل خاص، وليتحمل هو التبعات والنتائج التي من المتوقع أن تكون كبيرة وخطيرة.