هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا مشتركا، أعده كل من فرناز فصيحي وديفيد دي كيرباتريك، تحت عنوان "إيران تتصدع مع زيادة الاحتجاج على إسقاط الطائرة".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى طلب قائد عسكري كبير يوم الأحد المغفرة والعفو، في وقت تعاملت فيه قوات الأمن مع المتظاهرين بطريقة عنيفة، الذين خرجوا احتجاجا على إسقاط الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ، ما أدى إلى زيادة الغضب حتى بين قاعدة المحافظين الداعمة للنظام الإيراني الحاكم.
ويقول الكاتبان إن إيران شهدت يومها الثاني من الاحتجاجات بعد إعلان الجيش الإيراني يوم السبت عن إطلاق صاروخ بالخطأ أصاب الطائرة، وقتل ركابها الـ176 شخصا، مشيرين إلى أن هذه الكارثة الجوية جاءت في وقت تشهد فيه إيران مواجهة مع الولايات المتحدة بسبب مقتل الجنرال قاسم سليماني، وهو أهم قيادي عسكري إيراني، في غارة أمريكية قبل أكثر من أسبوع في العراق.
وتذكر الصحيفة أن الحكومة الإيرانية أنكرت في الأيام الثلاثة الأولى أي علاقة لها بتحطم الطائرة، ونسبته إلى عطل فني، في وقت تزايدت فيه الاتهامات الدولية بأن الطائرة أسقطت بصاروخ، ولهذا ظهرت إيران بأنها تحاول التستر على الجريمة، وتمسكت برواية الخطأ الفني، ورفضت التعاون مع المحققين، وبدأ المحققون الإيرانيون بإزالة بعض الأدلة من مسرح الحادث.
ويستدرك التقرير بأن النظام الإيراني اضطر وسط الشجب والدعوات للتحقيق الشفاف للاعتراف بأن الطائرة سقطت بفعل صاروخ أطلق بالخطأ، مشيرا إلى أن اعتراف الحكومة أدى إلى احتواء الغضب الدولي، لكنه أشعل الوضع المتفجر في داخل البلاد، في الوقت الذي هدأت فيه التظاهرات المعادية للحكومة وتوحد الجميع بعد مقتل الجنرال سليماني، وخرج الإيرانيون بأعداد كبيرة للمشاركة في جنازته.
ويلفت الكاتبان إلى أن بعض المحللين يرون أن التظاهرات الحالية قد تقوي المعسكر الداعي للمواجهة مع الولايات المتحدة، الذي بدأ في لوم الولايات المتحدة على الكارثة، مشيرين إلى أن الاحتجاجات بدأت في طهران لكنها انتشرت يوم الأحد إلى عدة مدن أخرى في البلاد، وأطلقت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع، ومن ثم القنابل المطاطية، ثم الرصاص الحي على المتظاهرين في طهران، وقال شهود عيان إن عددا من المحتجين أصيبوا بجراح في نهاية يوم من التظاهرات.
وتجد الصحيفة أنه على خلاف الاحتجاجات السابقة، فإن الأخيرة جاءت من القواعد المحافظة الداعمة تقليديا للنظام، بالإضافة إلى نقاد النظام المعروفين، ودعت صحف المعسكر المتشدد إلى عزل المسؤولين عن الكارثة، فيما أصدر قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي اعتذارا نادرا للرأي العام الإيراني، وناشد الإيرانيين في خطاب متلفز العودة إلى الحماسة الوطنية التي ملأت البلاد عقب مقتل سليماني.
وينوه التقرير إلى أن إيران ردت على مقتل سليماني بإطلاق سلسلة من الصواريخ على القواعد العسكرية في العراق ترابط فيها القوات الأمريكية، مشيرا إلى قول سلامي: "لقد حققنا الانتصار" مع أن الهجمات لم تقتل أحدا، لكنه اعترف قائلا: "إلا أن تحطم الطائرة شوه هذا كله"، وتمنى أنه كان من الذين "سقطوا واحترقوا" في الحادث.
وينقل الكاتبان عن رئيس تحرير وكالة أنباء "تسنيم" التابعة للحرس الثوري، كيان عبد الله، قوله إن محاولة المسؤولين الحكوميين الكذب عما حدث للطائرة كان "كارثة" مثل تحطمها، وقال في تغريدة على "تويتر": "إن المسؤولين الذين ضللوا الإعلام هم مذنبون أيضا"، و"نشعر بالخجل أمام الناس"، إلا أن المعلقين استبعدوا أن تكون الكارثة لوقف شهية الإيرانيين للمواجهة مع الغرب.
وتفيد الصحيفة بأن المتشددين عادة ما يشيرون إلى أصابع أمريكية وراء الاحتجاجات، والفرحة التي تعتري البيت الأبيض لرؤية الأحداث وهي تتكشف في إيران، مشيرة إلى قول الرئيس دونالد ترامب في تغريدة يوم الأحد: "نحن نتابع الاحتجاجات عن قرب وتلهمنا شجاعتكم".
ويورد التقرير نقلا عن مسؤول برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية، علي فائز، قوله إن القادة الإيرانيين الذين اتخذوا إجراءات قاسية ضد المحتجين قد يردون على واشنطن بطريقة سرية أو غير ذلك، وأضاف: "إنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة هم من يغذون ويستغلون السخط الداخلي في إيران.. ستعود اللعبة للساحة المريحة لها: هجمات غير مباشرة ضد الولايات المتحدة وحلفائها بطريقة تسمح لها بالإنكار وبأدنى حد من المخاطر والانتقام".
ويشير الكاتبان إلى أن إدارة ترامب فرضت في العام الماضي ما أسمته سياسة "أقصى ضغط"؛ بهدف دفع إيران للموافقة على قيود جديدة تتعلق ببرامجها العسكرية والنووية.
وتنقل الصحيفة عن سنام وكيل من معهد "تشاتام هاوس"، قولها إن الصقور في البيت الأبيض لو تعاملوا مع التظاهرات الأخيرة بصفتها علامة على نجاح استراتيجيتهم فإنها ستعمل ضد الإيرانيين الذين يحبذون التسويات مع الولايات المتحدة، وبالتالي تقوية معسكر المتشددين، وأضافت: "يرى المحافظون الذين يهمهم الأمن أنهم ليسوا قادرين على الذهاب إلى طاولة المفاوضات لأنهم سيكونون في حالة ضعف".
ويلفت التقرير إلى أن مناشدة الجنرال سلامي، واعتذاره للإيرانيين، ودعوتهم للوحدة، جاءت محاولة لتعبئتهم ضد المنافسين للثورة الإسلامية، وقال: "نحن في حرب مع الولايات المتحدة.. لا نعد النزاع منتهيا مع الولايات المتحدة، ونحن جنود الشعب وسنضحي بأنفسنا من أجله"، وتحدث عن الغارات التي لم تقتل أحدا، لكنها أظهرت للعالم قوة إيران.
ويجد الكاتبان أن اعتراف الجيش المتأخر بإسقاط الطائرة جنب طهران العزلة الدولية، وبدأت الحكومات الأوروبية التي حاولت مساعدة طهران أو التوسط بينها وبين واشنطن بالحديث عن اعتراف الجيش الإيراني ومسؤوليته عن كارثة الطائرة، مشيرين إلى أن كندا، التي كانت وجهة الطائرة النهائية، خسرت 57 راكبا في الحادثة، ووصف رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو الكارثة بأنها "كارثة كندية حقيقية"، وقال في تجمع ليلي لإحياء ذكرى الضحايا في جامعة ألبرتا في إدمنتون: "أريد طمأنة العائلات كلها والكنديين كلهم: لن نرتاح حتى نحصل على أجوبة.. لن نرتاح حتى تتحقق العدالة والمحاسبة".
وبحسب الصحيفة، فإن مجلس سلامة الطيران الكندي أرسل محققين إلى طهران؛ للمشاركة في التحقيق وتحليل البيانات والأصوات.
ويستدرك التقرير بأن حجم التظاهرات التي اندلعت بسبب الكارثة ربما فاجأ المسؤولين، وقامت الحكومة بنشر عناصر الشرطة والمليشيات لمنع يوم ثان من التظاهرات في المدن الإيرانية، وذكر شهود عيان أن عددا من المتظاهرين جرحوا بعد إطلاق الأمن النار عليهم وهم يهربون، فيما قال آخرون إن عناصر المليشيات أحاطت بهم وضربتهم.
ويورد الكاتبان نقلا عن المحاسب سيماك قاسمي، الذي يعيش في طهران، قوله: "تحولت المدنية إلى محور أمني، وتنتشر القوات الخاصة في كل ساحة"، وأضاف: "يبدو أن المدنيين هم الذين أسقطوا طائرة عسكرية".
وتقول الصحيفة إنه رغم ذلك، فإن المتظاهرين تجرأوا وخرجوا للشوارع وهتفوا بهتافات ضد المرشد الأعلى، قائلين: "المرشد الأعلى قاتل ونظامه عفا عليه الزمن"، وهتف آخرون: "عدونا هنا"، ونشروا أشرطة فيديو تحت عنوان "لقد كذبوا علينا وقالوا إنها أمريكا"، مشيرة إلى أن متظاهرين دخلوا إلى الجامعات لأن معظم الضحايا طلاب تخرجوا حديثا كانوا في طريقهم إلى كندا لمواصلة دراستهم هناك، وهتف الشباب والشابات الذين دخلوا جامعة شيراز، قائلين: "لقد قتلوا عباقرتنا واستبدلوهم بالملالي".
ويذكر التقرير أن فنانين ومخرجين سينمائيين ومفكرين أصدروا بيانات شجبوا فيها الطريقة التي أدارت فيها الحكومة ملف الطائرة المتحطمة، وقالت الممثلة تراني علي دوتسي على صفحتها في "إنستغرام": "نحن لسنا مواطنين لكننا رهائن، ملايين الرهائن"، وأعلن أحد أعضاء مجلس بلدية طهران عن استقالته احتجاجا على الكذب وخيبة أمله من الإصلاح، وأعلنت حاملة الميدالية الأولمبية الوحيدة كايما علي زاده عن انشقاقها عن النظام.
ويفيد الكاتبان بأن المسؤولين حاولوا التغلب على المشاعر الغاضبة بسبب تحطم الطائرة، مشيرين إلى أنه تم نزع لوحة إعلانية عليها صورة سليماني، واستبدلت بها أخرى سوداء تحمل أسماء ضحايا الطائرة، وفي تبريز شوهد بعض المتظاهرين وهم يمزقون صور سليماني، وقام مسؤولون وقادة الحرس الثوري وغيرهم بزيارة عائلات الضحايا.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن آية الله علي خامنئي حاول حرف الغضب نحو أمريكا، ففي زيارة لأمير قطر إلى طهران، قال خامنئي على صفحته في الإنترنت إن مشكلات المنطقة "خلقتها أمريكا وأصدقاؤها".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)