قضايا وآراء

قاسم سليماني.. بين الفعل الأمريكي والرد الإيراني

عادل راشد
1300x600
1300x600

لا شك أن عملية اغتيال الولايات المتحدة الأمريكية لقاسم سليماني وأبي مهدي المهندس هي الحدث الأهم على الإطلاق وخاصة من جهة الآثار المترتبة عليه.

 

وقد ذهبت التحليلات كل مذهب سواء من حيث الدوافع أو التوقيت أو ردود الفعل المتوقعة ضمن موازين القوى وحسابات المصالح في كل من أمريكا وإيران.. فمن هو قاسم سليماني الذي حظي بكل هذا الاهتمام العالمي؟ وهل الحدث مفاجئ أم رتبت له وأنذرت به الولايات المتحدة؟ وهل هي تمتلك قوة الردع الكافية واستيعاب ردود الفعل المتوقعة؟

قاسم سليماني هو قاسم مشترك مجمع عليه من كل الشركاء والفرقاء الإيرانيين ومحل اتفاق الأغلبية الإيرانية الكاسحة.

وهو القائد الأعلى لفيلق القدس (التابع للحرس الثوري الإيراني)، وهو أنشط المؤسسات العسكرية في الشرق الأوسط، وهو منطلق النفوذ الإيراني المؤثر في عدد من دول المنطقة منها العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، وقد نعتبر أن حزب الله اللبناني والعراقي والحشد الشعبي العراقي والحوثيين في اليمن وغيرهم ليست أذرعا لفيلق القدس وحسب، بل هي أفرع مرتبطة ارتباطا وثيقا ولصيقا به.

وأرى أن التمدد الإيراني في مراحله المختلفة كان تحت سمع وبصر الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها تركت لإيران حرية الحركة لتأكل أكثر مما تستطيع أن تهضم وتتمدد أكثر مما تستطيع أن تسيطر عليه، وتمتلك قوة تشكل في ظاهرها تهديدا لدول المنطقة فتبتز أمريكا بها هذه الدول، وعلى رأسها السعودية ودول الخليج باعتبارها الحامية لها من الخطر الإيراني، وكذلك تحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع سني شيعي، ثم عند اللحظة الحاسمة التي ترى فيها إيران تجاوزت الخطوط الحمر وجهت لها الضربات المنهكة وليست المهلكة لتظل حالة الاستفادة من وجودها على هذا النحو مستمرة في منطقة يُراد لها أن تظل قلقة ومضطربة.

ولذلك رأت الولايات المتحدة أن إيران تجاوزت الخطوط الحمر عندما قامت بالمناورة العسكرية الإيرانية الصينية الروسية لتأمين الملاحة البحرية في مضيق هرمز –الخليج العربي- المحيط الهندي في ديسمبر 2019 واعتبرت أن ذلك يعني إنهاء الهيمنة الأمريكية.

وقبلها القتل المتوالي للأمريكان على فترات متقطعة في السنوات السابقة، ومع ذلك كان الرد الأمريكي في السابق على قتل المارينز أو إسقاط الطائرة الأمريكية الأغلى في العالم وغيرها أشبه بالغزل غير العفيف فبدأت عملية التأديب والتهذيب بالغارات الأمريكية والإسرائيلية التي استهدفت قوات الحشد الشعبي العراقي الشيعي، وقد قتلت 25 شخصا في إحدى هذه الغارات في شمال العراق فجاء رد الحشد الشعبي سريعا، إذ قتلت متعهدا أمريكيا وأخرجت المظاهرات ضد أمريكا واستباحت باحة السفارة الأمريكية في بغداد، ما اعتبره ترامب إهانة لكبرياء أمريكا فكان الرد الأمريكي الخارج عن سياق قواعد الاشتباك التي حددها الطرفان ضمنا - دون إعلان- بهذه الغارة التي استهدفت قاسم سليماني ومعه أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي لترتفع إلى الحد الأقصى والأقسى في عملية الكر والفر بين الطرفين.

هل أمريكا لديها قوة ردع بالمنطقة؟

القيادة المركزية الأمريكية لديها قرابة 80 موقعا عسكريا في 18 دولة في المنطقة؛ فمركز قيادة الأسطول الخامس الأمريكي ومركز قيادة القوات الخاصة موجود بقاعدة الجفير العسكرية بجوار العاصمة البحرينية المنامة. وتتواجد القوات الأمريكية في الكويت والدوحة، حيث قاعدة العديد العسكرية بقطر، وهي من أهم القواعد العسكرية.

وكذلك القواعد العسكرية في سلطنة عُمان سواء في الموانئ والمطار، وكذلك في أبوظبي والفجيرة وجبل علي بدبي بخلاف التواجد العسكري بالعراق والسعودية، فالواقع أن أمريكا تهيمن إلى حد بعيد على المنطقة فهذه القوات لاشك تمثل قوة ردع هائلة، ومع ذلك فإن ترامب فتح فورا باب المفاوضات بقوله (إن إيران لم تكسب أي حرب دخلتها ولم تخسر في أي مفاوضات).

وفي تقديري أنه يريد الاستفادة من الحالتين، فأن كانت حربا شاملة –وأنا أستبعدها- فلا رئيس يسقط في حالة الحرب في الغالب فيخوض الانتخابات والشعب ملتف حوله، وإن كانت مفاوضات فسيقول للأمريكيين أنه حقق لهم كل المكاسب بتأديب الخصوم وتهذيبهم وإدخالهم حظيرة الطاعة الأمريكية ويحمل حلفائه في المنطقة أي تكلفة، وخاصة أنه لم يفته أن يوجه بومبيو وزير خارجيته للاتصال بمحمد بن سلمان موحيا بالتشاور بشأن عملية الاغتيال والاتصال بمحمد بن زايد شاكرا له التعاون في هذه العملية ليتحملا التكلفة الناتجة عن المفاوضات ويرضخا للمطالب الأمريكية المراد تنفيذها.

فماذا عن الموقف الإيراني؟

أولا: إيران ظهرها إلى الحائط الآن، وعلى سبيل القطع تفكر في الرد المناسب للحدث ليس لسمعتها وهيبتها فقط، وإنما لطمأنة حلفائها وأذرعها بالمنطقة وحماية مصالحها، وكذلك رسالة للداخل الإيراني الملتهب بأنها قادرة على الرد والثأر الذي رفعت علمه الأحمر.

ثانيا: إيران معنية أن ترد باسمها مباشرة، فضلا عن وكلائها الذين أعلنوا مواقهم فور العملية.

ثالثا: إيران لها تواجد مخابراتي واسع في المنطقة وخاصة في دولة الإمارات العربية، ولها شبكة تجسس كبيرة في السعودية ومنطقة الخليج بأسرها.

رابعا: إيران تفكر بطريقة استراتيجية مهما كان الحدث وتأخذ في اعتبارها كل الحسابات والمصالح الاقتصادية والأمن القومي الإيراني، ولذلك أرى أن ردها ربما يكون سريعا في أجزاء منه، ولكن ليس متسرعا في مجمله، وأنها ستحاول تحقيق أكبر المصالح ودفع أكبر الأضرار الواقعة عليها.

خامسا: يخدم إيران حالة الهلع التي فيها دول الخليج والسعودية تحديدا وحالة القلق التي يعاني منها الغرب والخوف على مصالحه بالمنطقة مما يدفعه لترضية إيران عبر الوساطة لمفاوضات تحقق لإيران أكبر قدر مما تريد.

ولكن ذلك لا يعني بحال عدم قيام إيران برد مناسب –طبعا دون الحرب الشاملة التي لا تريدها ولا تستطيعها- وتظل الشخصيات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك المصالح والشركات سواء لأمريكا أو للدول الحليفة مثل السعودية والإمارات ومنطقة الخليج بأسرها موضع استهداف إيران بالأصالة أو الوكالة، وكذلك بعض أماكن تواجد القوات الأمريكية بالمنطقة ولا يخلو الأمر من بعض الاستهداف لأهداف صهيونية من الفصائل المدعومة من فيلق القدس الذي لا يحمل من اسمه إلا بعضا من معاونة فصائل المقاومة، والتي وضحت من تعاطيها مع خبر عملية الاغتيال وتعبيرها عن موقفها بطريقة أغضبت الكثيرين.

وتظل الأيام القادمة حُبلى تلد كل يوم جديدا.

التعليقات (0)