قضايا وآراء

ماذا بعد اغتيال الجنرال سليماني؟

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600

التصعيد الخطير الذي انتهى به عام 2019 في العراق بعد جولة مواجهة بين حلفاء إيران والإدارة الأمريكية، انتقل إلى عام 2020 الجديد لتتخذ طابع مواجهة مباشرة مع إيران بعد اغتيال رجلها الأقوى في الخارج، وأبرز جنرالاتها، الفريق قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، فجر أمس الجمعة في غارة أمريكية أثناء خروجه من مطار بغداد الدولي، ما يجعل هذه السنة حبلى بتطورات دراماتيكية على مختلف الأصعدة في المنطقة بين أطراف الصراع، إيران وحلفائها وأمريكا وحلفائها. 

ثمة نقاط مهمة حول ملابسات العملية الأمريكية وتداعياتها الخطيرة، يمكن تناولها كالتالي:

أولا، فيما يتعلق بقائد فيلق القدس، لاشك أن غياب جنرال بحجم سليماني، يمثل خسارة كبيرة لإيران، في توقيت حساس للغاية، لا يمكن تعويضها بسهولة، فسواء اختلف معه البعض أو اتفق، إلا أنه كان مخلصا للمشروع والفكرة التي كان يؤمن بها، ويعمل من أجل ذلك ليل نهار بغير كلل ولا وجل.

ثانيا، ينظر البعض إلى هذه الحادثة في سياق الرد على مهاجمة السفارة الأمريكية في بغداد واقتحامها، احتجاجا على قصف مقرات "كتائب حزب الله" العراقي، والذي وجهت واشنطن اتهاما مباشرا لطهران بتنظيم ذلك، إلا أن هذا الرأي لا يبدو موضوعيا، إذ أن ثمة مؤشرات برزت خلال الشهرين الأخيرين، أظهرت أن الأمريكيين يتجهون نحو تصعيد الموقف مع إيران، ويحضرون لهذا الفعل منذ اشهر، وأن التطورات الأخيرة في العراق أوجدت ظروفا ملائما لتنفيذه. بالتالي فإن ما اقدم عليه  الأمريكيون هو جزء من مخطط تصعيدي في مواجهة إيران.

 

الحادث أنسى الإيرانيين ولو مؤقتا مرارة الغلاء والحالة المعيشية الصعبة، وحقق انسجاما وموقفا موحدا بين كافة القوى السياسية الداخلية في مواجهة الخطوة الأمريكية،


ثالثا، يحمل اغتيال قائد فيلق القدس دلالات واضحة في تطوير استراتيجية الضغوط القصوى الأمريكية، التي طالما تركزت خلال الشهور الـ 19 الماضية على الحرب الاقتصادية بعد الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) لتتخذ طابعا عسكريا، دون سقف الحرب أو المواجهة الشاملة، بغية زيادة الضغط على طهران، لمواجهة دورها في المنطقة، والذي أرادت واشنطن تغييره من خلال الحرب الاقتصادية، لكنها لم تنجح في ذلك، الأمر الذي يبدو أنه دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إعطاء نكهة عسكرية لاستراتيجة الضغط الأقصى، على أمل أن تحقق نتائج في عامه المصيري الذي يواجه فيه استحقاقا انتخابيا، بينما في الملفات الخارجية، منها ملف كوريا الشمالية وإيران والصراع في فلسطين لم يحرز أي تقدم بل وسجل إخفاقات. 

 

الرد الإيراني


رابعا، السؤال الملح اليوم هو عن طبيعة الرد الإيراني، على ضوء التهديدات المتزايدة من كبار قادة البلاد على المستويين السياسي والعسكري بأن الرد سيكون "مروعا ومزلزلا وصعبا". خلال 24 ساعة الماضية، طرحت احتمالات وسيناريوهات عسكرية متعددة، فلا داعي في التكرار، لذلك يمكن اختصارها في عنوانين، الأول رد إيراني مباشر من الأراضي الإيرانية، والثاني رد غير مباشر في ساحات المواجهة بالمنطقة سواء ضد واشنطن نفسها أو حلفائها أو الإثنين معا. لكل احتمال، مقوماته المنطقية، لكن بما أن حادثة الاغتيال لم تقع داخل الأراضي الإيرانية عبر مهاجمتها، قد لا تقوم إيران برد مباشر من أراضيها، وأن ترد بالطريقة التي اختارتها أميركا، أي في ساحة أخرى. على أي حال، فإن مسارات التوتر بين طهران وواشنطن ما بعد اغتيال الجنرال سليماني، يرسمها شكل الرد الإيراني، إن كان مباشرا أو غير مباشرا، لكن لا شك، أن أيا كان طابع وطريقة هذا الرد، فإنه قادم، ولايمكن أن تتغاضى إيران عن ذلك لما يترتب على عدم الفعل أيضا تداعيات خطيرة.  

خامسا، من الخطأ التصور أن الرد الإيراني، سيكون عسكريا فحسب، وإنما هناك أيضا خيارات غير عسكرية، يمكن تتخذها طهران، في مقدمتها فيما يتعلق بالملف النووي، إذ أن الاغتيال جاء قبل أيام من انتهاء مهلة الستين يوما الرابعة، الإثنين المقبل، وهي مهلة إضافية، منحتها طهران قبل نحو شهرين للأطراف الأوروبية لتنفيذ تعهداتها تجاه الاتفاق النووي. على ضوء عدم قيام أوروبا بأي خطوة. في هذا اليوم يفترض أن تنفذ إيران الخطوة الخامسة من خفض التزاماتها النووية، لذلك على الأغلب ستقدم على إجراءات كبيرة خلال هذه المرحلة، وما يشجعها في ذلك، هو موقف الأوروبيين من عملية اغتيال الفريق سليماني، وتأييدهم لها، وخصوصا من قبل شريكي الاتفاق النووي، أي بريطانيا وألمانيا. وهذه الإجراءات قد تشمل حتى الإعلان عن الانسحاب من الاتفاق نفسه. 

 

من الخطأ التصور أن الرد الإيراني، سيكون عسكريا فحسب، وإنما هناك أيضا خيارات غير عسكرية، يمكن تتخذها طهران


سادسا، أن ما قامت به واشنطن يغلق تماما باب التفاوض معها نهائيا، وإذا كانت هناك فرصة ما للتفاوض ولو في إطار مجموعة الخمسة زائد واحد، فإنها ذهبت أدراج الرياح، بالإضافة إلى إنهاء الوساطات، التي نشطت أخيرا عبر العمانيين واليابانيين. 

سابعا، أن الحادث أنسى الإيرانيين ولو مؤقتا مرارة الغلاء والحالة المعيشية الصعبة، وحقق انسجاما وموقفا موحدا بين كافة القوى السياسية الداخلية في مواجهة الخطوة الأمريكية، وحتى تلك القوى التي لا تشارك في الحكم، ولديها موقف من السلطات، مثل "نهضت آزادي"، (منظمة نهضة الحرية) اليسارية الإسلامية، التي أصدرت بيانا نعت فيه سليماني، منددة باغتياله. علما بأن هذا المكسب الداخلي يأتي بعد نحو شهرين من احتجاجات واسعة شهدتها البلاد على خلفية رفع أسعار البنزين بنسبة 3 أضعاف. 

إن المتابع لسياسة الإدارة الأمريكية لا يصعب عليه استنتاج التخبط في الأداء، فخطوة بهذا الحجم تجاوزت الكثير من قواعد اللعب الإقليمية والدولية والأعراف الدولية من خلال اغتيال شخصية تشكل أحد أهم رموز السلطة في إيران، ومن هنا فإن القادم في العام الجديد يمكن أن يكون أي شيء، ولكن حتما من غير المتوقع أن يكون ما قاله ترامب في تغريدته "Happy new year"...

التعليقات (0)