هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على كرسيه المتحرك يحاول الفلسطيني حاتم أبو ريالة جاهداً أن يمنع دموعه من التساقط أمام جنود الاحتلال الذين جاؤوا مدججين بأسلحتهم كي يحرموه من منزله؛ فبقي يشاهد الجرافات من بعيد وهي تهدم شقاء عمره، وتحوّل تعب السنين إلى ركام في لحظات.
وليست حكاية أبو ريالة من بلدة العيسوية شمال شرق القدس المحتلة هي الوحيدة من نوعها؛ فالهدم بات أكثر ما يؤرق المقدسيين ويحرمهم حقهم الطبيعي في العيش.
ويقول أبو ريالة لـ"عربي21" بأن منزله تعرض للهدم أربع مرات؛ حيث كانت المرة الأولى عام 1999 بحجة أنه غير مرخص رغم أنه كان جاهزا للسكن، وبعد ذلك هُدم مرتين كانت آخرها عام 2009 حين كان يقطن المنزل مع زوجته وأطفاله.
ويوضح بأن جرافات الاحتلال حينها قامت بهدم البيت متجاهلة مصير العائلة ورغم استمرار وجود ملف الهدم في أروقة المحاكم الإسرائيلية، مبينا بأن الجنود جاؤوا لتنفيذ الهدم واعتدوا عليه وعلى أفراد العائلة ما أدى إلى حدوث مناوشات بين الطرفين.
ويضيف: "خلال المناوشات سقطت أرضا عن سطح منزل عائلتي فأصبت بجراح ورضوض؛ وحين نقلت إلى المستشفى تبين أنني أعاني من شلل نصفي ما زال يلازمني إلى الآن".
ورغم حالته الصحية الصعبة إلا أن بلدية الاحتلال في القدس استمرت في استهداف منزل أبو ريالة، حيث قامت قبل أيام قليلة بإعادة هدمه للمرة الرابعة بحجة أنه غير مرخص.
ويؤكد أبو ريالة بأنه حاول عدة مرات استصدار رخصة لبناء منزله ولكن الاحتلال كان يرفض ذلك في كل مرة، بينما يستغلون وجود القضايا في المحاكم الإسرائيلية من أجل إيقاع الخسارة المادية بالمقدسيين.
ويتابع:" منذ عام 1999 وأنا أجوب المحاكم وأروقة القضاء الإسرائيلي محاولا منع هدم منزلي ولكنه تعرض للهدم أربع مرات رغم كل الجلسات والمداولات؛ فلم أستفد من محاكمهم شيئا بل على العكس كانت متآمرة مثلها مثل بلدية الاحتلال التي لا تريد سوى هدم منازلنا بأي حجة وأي طريقة".
اقرأ أيضا: وقفة بالقدس احتجاجا على تنكيل الاحتلال بأهالي العيسوية
أما الخسائر المادية التي يتكبدها المقدسيون جراء محاولة إلغاء قرارات هدم منازلهم فكبيرة جدا إلى جانب خسائرهم من عملية الهدم، فأبو ريالة وخلال الأشهر الماضية القليلة دفع مبلغا يقارب 30 ألف شيكل (تسعة آلاف دولار) مقابل أتعاب المحامين فقط.
ويؤكد بأنه كان يعيش مع عائلته المكونة من سبعة أفراد في المنازل التي تم هدمها؛ بينما تضرر الطابق السفلي جراء عمليات الهدم المتكررة وأصبح غير صالح للسكن.
وحول إصراره على بناء منزله في كل مرة؛ يقول:" حين تتوفر معي السيولة المادية سأعيد بناء المنزل من جديد، فكما هم يريدون العيش نحن كذلك نريد أن نعيش ونريد أن نقوم بكل شيء يحلو لنا في أرضنا، وكما يريدون توسيع مستوطناتهم نحن كذلك نريد أن نتوسع ونبني".
أما المقدسي عمران شقيرات فتلقى اتصالا من محاميه في ساعات مساء الإثنين الماضي يبلغه فيه بأن بلدية الاحتلال رفضت الالتماس الذي تقدم به لمنع هدم منزله، وأن عملية الهدم قد تتم في أي لحظة.
ولم تكد تمر ساعات قليلة حتى حاصرت قوات الاحتلال منزله في بلدة جبل المكبر شرق القدس في الساعة الرابعة فجراً وشرعت بهدمه بعد طرد أصحابه منه.
ويقول شقيرات لـ "عربي21" بأن الجنود داهموا منزله الذي يقسمه لعدة مساكن لأفراد من عائلته؛ وأبلغوه بأنهم سيهدموه فلم يدر ما يفعل في مثل هذه الساعة، ثم قام بإخلاء أطفاله وجميع من في البيت وبعض الأغراض الأساسية التي تمكن من إنقاذها.
ويوضح بأن عملية الهدم بدأت في الرابعة فجرا واستمرت حتى السابعة صباحا وأسفرت عن تحويل المنزل إلى ركام، مبينا بأن الاحتلال يتعمد أن يقرر رفض الاعتراضات في ساعة متأخرة بعد أن تغلق المحاكم من أجل عدم إعطاء فرصة للمقدسيين للاعتراض وبالتالي هدم منازلهم.
ويضيف:" نحاول استصدار ترخيص منذ عدة سنوات ولكن الاحتلال لا يريد أن نحصل على ذلك لأن هدفه الأول والأخير هو الهدم وترحيلنا من أرضنا، وأنا الآن لا أدري ماذا سأفعل وأين أذهب بأطفالي وأفراد عائلتي الذين تم تشريدهم، فليس لنا الآن إلا رحمة الله".
ووفقا لمؤسسة "بيتسيلم" الإسرائيلية فإن عدد المنازل التي تم هدمها في القدس منذ بداية عام 2019 وحتى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وصل إلى 165 منزلا ومنشأة بينها 40 حالة هدم ذاتي بأيدي أصحابها من أجل تجنب دفع الغرامات المالية الباهظة لطواقم بلدية الاحتلال.
اقرأ أيضا: كابوس جديد للمقدسيين.. الاحتلال يصادق على "تلفريك القدس"
وتوضح في تقرير لها بأن عمليات الهدم خلال هذا العام ساهمت في تشريد 317 مواطنا مقدسيا أكثر من نصفهم أطفال، مبينة بأن هذا العام شهد تزايدا كبيرا في عمليات الهدم عن العام الماضي الذي تضمن هدم 59 منزلا.
وتشير المؤسسة إلى أن 974 منزلا مقدسيا تم هدمها منذ عام 2004 معظمها بحجة عدم الترخيص متسببة في تشريد 3166 مقدسيا.
بدوره يؤكد عضو هيئة العمل الوطني في القدس سليمان شقيرات بأن عدم الترخيص هو بالفعل ما يؤرق الفلسطينيين في المدينة ويحسبون له كل حساب في ظل امتناع بلدية الاحتلال عن إعطائهم التراخيص اللازمة، بينما تقدم للمستوطنين كافة التسهيلات المتعلقة بذلك في صورة مجحفة للحياة في القدس.
ويقول لـ"عربي21" بأن الأمر تعدى حجج عدم الترخيص حتى باتت منازل المقدسيين في بلدة جبل المكبر مهددة بالهدم تحت حجة أخرى وهي إقامة شارع استيطاني قرب منازلهم، حيث تقوم بلدية الاحتلال بهدم العديد من المنازل بحجة إقامة الشارع رغم أن معظمها شيّد في سبعينيات القرن الماضي.
ويؤكد بأن الشارع والمسمى بالشارع الأمريكي سيقام بعرض 32 مترا معرّضا أكثر من 52 منزلا لخطر الهدم وبدأ العمل فيه منذ عامين تقريبا.
ويضيف:" الشارع سيلتهم مساحة كبيرة من أراضي جبل المكبر بنسبة 44 مترا بطول ثلاثة كيلومترات؛ وكلها أراض مشيد عليها منازل أو زراعية ستتعرض للسلب والتجريف، بينما حاول الاحتلال إسكات الغضب الشعبي على هذا الشارع بإرفاق خطط وهمية حيث أنها منطقة وعرة جغرافيا وغير صالحة للسكن أو حتى الاستفادة بأي مشاريع أخرى".
ويشير شقيرات إلى أن الشارع جاء ضمن سياق مخطط تفصيلي لافتتاحه وأرفقت فيه إجراءات وهمية تتحدث عن نسبة السكن حتى 2020 وإقامة مكاتب وفنادق وغيرها؛ ولكن الأراضي وعرة ولا تصلح لكل ذلك.
وكان أهالي البلدة نظموا العديد من المسيرات الرافضة لإقامة الشارع على حساب منازلهم وأراضيهم ومطالبين بتقليص عرضه؛ ولكن الاحتلال أصر على استكمال افتتاحه بنفس المساحة، حيث أن تقليصه كان من الممكن أن ينقذ عددا من المنازل ويقلل الأضرار نسبيا.
ويبين شقيرات بأن الأهالي توجهوا إلى محاكم الاحتلال على أمل إنصافهم ولكنها كما في كل مرة تواطأت مع بلدية الاحتلال وباتت جهود الفلسطينيين بلا نتيجة، خاصة وأن الشارع هدفه خدمة المستوطنين وربط عدة مستوطنات ببعضها.