صحافة دولية

هيرست: انتخابات بريطانيا مصيرية والجميع فيها خاسر

هيرست: انتخابات بريطانيا لعبة خاسرة للجميع- أ ف ب
هيرست: انتخابات بريطانيا لعبة خاسرة للجميع- أ ف ب

كتب رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، ديفيد هيرست، مقالا عن الانتخابات البريطانية المزمع عقدها في 12 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ووصفها بأنها لعبة خاسرة للجميع. 

 

ويشير هيرست في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن التسامح والنزاهة والديمقراطية غائبة بشكل كبير في وقت تشن فيه حملة تشويه ضد زعيم حزب العمال جيرمي كوربين

 

ويرى الكاتب أن "الانتخابات المقبلة ستقرر مصير بريطانيا ولجيل قادم، في وقت تموت فيه الرأسمالية الليبرالية بعدما فشلت في تقديم أجوبة على التغيرات المناخية، فنموذجها للنمو الاقتصادي أدى إلى تسميم الكرة الأرضية وخلق دورات عنيفة من الازدهار والإفلاس". 

 

ويلفت هيرست إلى أنها "فشلت بصفتها نموذجا سياسيا واجتماعيا، ولم يعد ممثلوها من يمين الوسط ويسار الوسط قادرين على تمثيل قطاعات واسعة من السكان، ولم يعد بإمكانها ردم الهوة بين الفقراء والأغنياء، التي تزداد في كل عام اتساعا، وفي الغرب لم يعد مركز السياسة قادرا على الحديث مع الفقراء الذين تجاوزهم سوق العمالة قصيرة الأمد والحرة والعولمة، فهي تستطيع تحفيز الوضع القائم لكنها لا تشعر بالحاجة لتغييره". 

 

ويفيد الكاتب بأن "هذا النموذج أثمر قادة فشلوا في الداخل والخارج، لكنهم يعدون مع ذلك رجالا ونساء لديهم مواقف رغم فشلهم، مثل جون ميجر وتوني بلير وغوردون براون وتيريزا ماي، والآن بوريس جونسون، أما من يقف أمامهم ويتحداهم فيتم التدقيق فيهم و(يشكك في مواهبهم القيادية)، وحتى خارج الحكم أصبح (القادة الأقوياء) منفصلين عن المهازل التي تسببوا بها". 

 

ويقول هيرست إن "الشرق الأوسط شاهد على مهازلهم من أفغانستان إلى العراق واليمن وليبيا وسوريا، وعلاوة على هذا كله فإن الرأسمالية الليبرالية أنتجت دولا فاشلة في الغرب، وتعني الدولة الفاشلة في الغرب ان عملها يتراجع إلى نشاط رمزي لا قيمة له، ولا علاقة لذلك بتعطل إشارات المرور أو عدم معالجة المياه وانهيار حكم القانون". 

 

ويبين الكاتب أن "تقلص الدولة يتضح من عدة أشكال، بما فيها صغر وضعف السلطات المحلية التي تكون أصغر من الشركات التي تشتري الأرض والخدمات العامة الموجودة على الورق، لكن ليس في الواقع". 

 

وينوه هيرست إلى حادث في منطقة بريكستون، جنوب لندن، حيث تعرضت امرأة لهجوم، واتصلت مع خدمة 999، وعندما سئلت إن كانت لا تزال ترى المعتدي عليها، فإن الجواب كان لا، وطلب منها الذهاب إلى الإنترنت وتعبئة استمارة من 23 صفحة عن الحادث، لكنها حاولت مع شريكها الاتصال بخدمة أخرى، وبعدما مضى على الحادث 12 ساعة، جاء الرد: كيف تريدين منا التعامل مع حادث مضى عليه وقت طويل؟

 

ويعلق الكاتب قائلا إن "الجميع في بريطانيا لديه التجربة ذاتها، خاصة لو تعرضت سيارته للسرقة، أو حاول الاتصال بخدمات البلدية، فهي ليست موجودة، فهذا هو حال النموذج الليبرالي الذي يشعر مركز السياسة بالسعادة لوجوده طالما بقي النظام ولم يتأثر". 

 

ويجد هيرست أنه "مع انهيار الروح الاجتماعية والمجتمعية حلت السياسة التي تقوم على الهوية، محولة بريطانيا إلى سلسلة من المجموعات الإلكترونية، تحاول كل مجموعة صناعة واقعها الخاص باعتبارها مظلومة أو ضحية تهديد وجودي، ويحل الغضب محل العقل والقرار القائم على الدليل، فهشاشة المجتمع باعتباره متسامحا ومتعدد الإثنيات وما بعد الصناعي لا يمكن المبالغة فيها، وهو عرضة بشكل حقيقي للفوضى". 

 

ويقول الكاتب إنه "مع انحطاط الخطاب السياسي تزداد مخاطر العنف السياسي، وهذا لا يحدث في مكان بعيد أو غريب مثل الشرق الأوسط، بل يحدث الآن وهنا وفي الشوارع القريبة منا، وربما تلاشى الاستقرار الذي تمتع به جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية".

 

ويرى هيرست أن "الرهانات التي تحملها انتخابات الشهر المقبل عالية والخيارات خطيرة، فهناك مرشح لن يواصل النظام النيوليبرالي فقط، بل سيعمقه بقوة، وفرح بعد تحرير بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والدخول في علاقة تجارية حميمة مع الرئيس دونالد ترامب، أما منافسه الرئيسي فيعد بقلب النظام النيوليبرالي وتقديم تدخل للدولة، وهذا بعيد البعد كله عن الاشتراكية لكنه يمثل تغييرا حقيقيا، وسيحصل العمال على أسهم من شركات أصحاب العمل، وستتم إعادة المنافع في ظل إدارة الحكومة، وعقد أخضر، ودخل أساسي عام، وستفرض ضرائب على الأغنياء".

 

ويقول الكاتب إن "الرجل الأول، جونسون، يعد معروفا ومقبولا لدى المؤسسة الحاكمة لأنه واحد منها، وهو خريج مدرسة إيتون وصحافي ومتخصص في الكلاسيكيات، الذي قدم صورة رجل مهلهل الشعر تخفي وراءها هدفا فولاذيا، وسجله يحتوي على الكذب والعنصرية الصريحة التي عبر عنها في مقالاته الصحافية، ويعد متلونا بالنسبة للطبقة الوسطى، و(صندوق بريد) بالنسبة للمحافظين ويمكن للمؤسسة التحكم فيه، ووصف جونسون الأفارقة بـ(الأطفال السود) بضحكة تشبه البطيخة، عندما كان محررا لمجلة (سبكتاتور)، وقال إن نساء المسلمين اللاتي يرتدين النقاب هن بمثابة (صندوق رسائل)، وقال إن الأطفال الذين تريبهم أمهم (سيئو التربية وجهلة وعدوانيون وغير شرعيين)". 

 

ويعلق هيرست قائلا إن "كلام جونسون ليس عشوائيا أو مجرد تعبير عن جهل، بل هو محاولة للتودد إلى الطبقة العاملة البيضاء، مثلما يفعل ترامب، ولا حاجة للقول إن الرجل الثاني، كوربين، لو قال هذا الكلام عن اليهود، لتعرض للسحل منذ وقت طويل، لكننا لسنا في ساحة لعب متساوية، وأهم ملمح للانتخابات الحالية هو عدم التعامل مع المرشحين بالمعيار ذاته، فالعنصرية مقبولة ويتم التسامح معها بالنسبة لمرشح وغير مقبولة مع المرشح الثاني، وقد ثبت كذب جونسون المتكرر، وأهم محطتين في البلد (بي بي سي) والقناة الرابعة ترفضان الاعتراف بهذا وتقومان بنشر أكاذيبه، بل إن اسمه الحقيقي هو أليكس وليس بوريس".

 

ويقول الكاتب: "أما الرجل الثاني فمقارنة مع شخصية جونسون الملونة فهو متواضع ومبدئي وعنيد، ويتم التعامل معه على أنه تهديد وجودي، ولو استطاعت المؤسسة منع التصويت لمنعته، لكن ما ستقوم به المؤسسة المكونة من تحالف رجال الأعمال والقانون والسياسة والأمن والمؤسسات الدينية هو منع فوزه". 

 

ويفيد هيرست بأن "حملة كوربين لا تعرف بعمل الحزب بقدر ما يعبر عنها البيان الذي تلقاه أعضاؤه بشكل جيد، الذين يعدون الأكبر عددا بين أحزاب أوروبا، ولديهم خبرة بالحملات، خاصة أثناء المواجهات التي تعرض لها كوربين داخل حزبه، ووصفته مراسلة (هآرتس) الإسرائيلية بـ(المتطرف اليساري، ولم يقابل كارها لليهود لم يقع في حبه، وهو لم يسمح لمعاداة السامية بالمرور دون عقاب فقط، بل إنها ازدهرت تحت قيادته)، وقالت إن كوربين لديه ميل للإرهابيين حتى الذين قصفوا بريطانيا أثناء الأحداث في إيرلندا، وينتعش على منصة الكراهية والحسد، وهو مؤيد من الناحية الأيديولوجية للخروج من الاتحاد الأوروبي".

 

ويقول الكاتب: "لنكون منصفين، فإن كوربين لم يدافع عن نفسه، وحذره محاميه من أنه لو لم يتعامل مع الدعوى في المحكمة العليا ضده واتهامه بالعنصرية من النائبة مارغريت هودج في مقال في صحيفة (الغارديان) فلن ينتهي الهجوم عليه أو يخفف بالاعتذار، وهذا بالضبط ما حدث". 

 

ويشير هيرست إلى أنه "بدلا من ذلك فإن كوربين تبنى مخطئا -من وجهة نظري- طريقة دفاع تعتمد على كيس منفوخ جزئيا لتلقي اللكمات، وظن أنه لو قدم نفسه بصفته هدفا سهلا، فإن أعداءه سيقومون بضرب أنفسهم إلى درجة التعب، وهذا ما لم يحدث، بل إنهم واصلوا الهجوم عليه". 

 

ويعتقد الكاتب أن "الفجوة بين ما يتم تكراره عن كوربين بصفته حقيقة والتشويه المنتشر عنه مهمة حتى لو هزم أو أطيح به من زعامة الحزب". 

 

ويرد هيرست على تهمة ميل كوربين للإرهاب من معرفته بإيرلندا الشمالية، التي عمل فيها خمسة أعوام مراسلا لصحيفة "ألغارديان"، متسائلا عن حال مسؤولين آخرين كانوا على علاقة مع الجيش الإيرلندي الحر، فيما أجرى توني بلير محادثات مع مدير المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل. 

 

ويتساءل الكاتب عن السبب الذي يجعل من بلير بطلا دوليا وكوربين إرهابيا، وبلير هو نفسه من ألقى خطابا في جنازة أرييل شارون وهو يرتدي الطاقية اليهودية، و"لماذا يعد كوربين، الذي طرد كين ليفنغستون من حزب العمال بسبب معاداة السامية، معاديا للسامية، وبلير الذي أعاده للحزب ليس كذلك". 

 

ويقول هيرست إن "حوادث معاداة السامية في ظل إد ميليباند، وهو يهودي، أكثر مما سجل في ظل كوربين، فلماذا لا يتم ذكر هذا؟ ولماذا تمت شيطنة كوربين لزيارته ثلاث قيادات في حركة حماس اعتصموا في خيمة في القدس، ولم تتم شيطنة نائب آخر وهو أندي سلوتر زارهم". 

 

ويلفت الكاتب إلى أن "ذروة (التخلص من كوربين) تمثلت في تصريحات الحاخام إفرايم ميرفيس، الذي كتب في (التايمز) مقالا، قال فيه إن كوربين لا يصلح لقيادة البلد، ولقي ميرفيس دعما من أسقف كانتبري، الذي لم يستهدف كوربين بشكل خاص، وفعل قادة مسلمون وهندوس وسيخ الشيء ذاته". 

 

ويستدرك هيرست بأن "مشكلة ميرفيس أنه لا يمثل يهود بريطانيا كلهم، ونسبتهم 0.5% من مجمل السكان، ونصف من يعدون أنفسهم يهودا يذهبون للكنيس، وأنا منهم، وميرفيس لا يمثلني، كما أن الحاخام خاض في أمر تحظره القوانين الروحية، وحتى تلك المتعلقة بمعاداة السامية، فمن حقه بصفته زعيما يهوديا التحذير من سموم العنصرية، ويستطيع عمل هذا كونه زعيما دينيا عندما يشجبها كحالة تطال الأديان كلها، مثل الإسلام والكراهية التي يتعرض لها المسلمون من حزب المحافظين، وبالتأكيد تلك الصادرة من فم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لم يخف كلامه العنصري عندما يتحدث عن المسلمين والقائمة المشتركة ذات التمثيل في الكنيست". 

 

ويجد الكاتب أن "انتقائية ميرفيس في الهجوم على العنصرية استهدفت كوربين وليس غيره، وإذا لم يكن ميرفيس يتصرف بصفته زعيما دينيا فعليه الكشف عن ولائه السياسي، هل هو مع جونسون ونتنياهو؟ وعليه الإجابة على هذه الأسئلة؛ لأن الفارق بين الديني والسياسي مهم جدا، فهذا هو النقد الذي يقوم عليه الغرب للإسلام السياسي". 

 

ويتساءل هيرست إن "كانت معاداة السامية منتشرة بشكل كبير في حزب العمال، فلماذا لم توجه اتهامات لأي شخص؟ ولماذا لم نشاهد أي محاكمات بمعاداة السامية في المحاكم المدنية؟ ولماذا تم اعتماد تعريف واسع لمعاداة السامية دون العودة إلى البرلمان؟ وكيف نوازن بين التعبير وحرية التعبير؟ وفي ظل غياب الإطار القانوني يترك الأمر لأي شخص ليقرر ما هو الصحيح أو الخطأ، فقد اضطر الحاخام ماير واينبرغر للذهاب إلى الشرطة بعد تلقيه تهديدات لأنه كتب رسالة عدد فيها مواقف كوربين المؤيدة لليهود". 

 

ويقارن الكاتب بين منع لطفور رحمان من تسلم عمدية تاور هاملت في شرق لندن قبل أربعة أعوام؛ لأنه "مارس تأثيرا روحيا" على الناخبين المسلمين البنغاليين هناك، وما فعله الحاخام ميرفيس. 

 

ويختم هيرست مقاله بالقول إن "هذه معركة خاسرة للجميع: كوربين الذي تضررت شخصيته وموقفه الدولي، واليهود الذين توزعوا بين الليبرالية والصهيونية، والمساجد والكنس التي زادت من حماية نفسها بدلا من دعم بعضها، والخاسر الأكبر هو التسامح والصدق والديمقراطية؛ لأن التشويه يبقى، والكل خاسر، وهذا ما يحدث في بريطانيا اليوم".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)