هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافيين ديكلان وولش وماكس فيشر، يقولان فيه إن الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات في تشيلي كانت رفع أسعار تذاكر قطارات الأنفاق، أما في لبنان فكانت فرض ضريبة على مكالمات "واتساب"، فيما كان الأمر في السعودية يتعلق بالشيشة، وفي الهند هو مرتبط بالبصل.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الاحتياجات المعيشية البسيطة أصبحت محل تركيز للغضب الشعبي في أنحاء العالم في الأسابيع الأخيرة، حيث ملأ المواطنون الشوارع لتظاهرات غير متوقعة، تحولت إلى نبع من الغضب تجاه طبقة من النخبة السياسية ينظر إليهم على أنهم فاسدون ولا يمكن إصلاحهم، أو أنهم يفتقرون إلى العدالة، أو الأمرين معا، لافتا إلى أن هذه الاحتجاجات جاءت بعد مظاهرات شعبية في بوليفيا وإسبانيا والعراق وروسيا، وقبل ذلك في جمهورية التشيك والجزائر والسودان وكازاخستان.
ويقول الكاتبان إنه للوهلة الأولى، فإن تلك المظاهرات ارتبطت فقط بالتكتيكات، مشيرين إلى أن أسابيع من المظاهرات في هونغ كونغ شكلت نموذجا يحتذى في المواجهة.
وتجد الصحيفة أنه "مع ذلك فإنه في كثير من البلدان المضطربة يميز الخبراء نموذجا لنهج المواجهة: احتجاج بصوت أعلى من العادي ضد النخبة في بلدان، حيث أصبحت الديمقراطية مصدر خيبة أمل والفساد مفضوح.. والطبقة السياسية تعيش في ثراء في الوقت الذي يعاني فيه الشباب من الفقر".
وينقل التقرير عن المدير العام لمجموعة صوفان للاستشارات الأمنية، علي صوفان، قوله: "إنهم الشباب الذين بلغ الأمر لديهم حده.. هذا الجيل الجديد لا يصدق ما يراه من نظام فاسد للطبقة السياسية والاقتصادية في بلدانهم، ويريدون التغيير".
ويلفت الكاتبان إلى أن قليلا من تفاجأوا بتلك الاحتجاجات، مثل زعماء تلك الدول، مشيرين إلى أن رئيس تشيلي، ساباستيان بنيرا، تباهى يوم الخميس بأن بلده هي عبارة عن واحة استقرار في أمريكا اللاتينية، وقال في مقابلة نشرت في "فايننشال تايمز": "نحن مستعدون أن نفعل كل شيء حتى لا نقع في الشعبوية والديماغوجية".
وتذكر الصحيفة أن المتظاهرين قاموا في اليوم التالي بمهاجمة المصانع، وحرقوا محطات قطار الأنفاق، ونهبوا الأسواق، في أسوأ اضطرابات في تشيلي منذ عقود، مجبرين بنيرا على نشر قوات الجيش في الشوارع، مشيرة إلى أنه مع حلول يوم الأربعاء قتل 15 شخصا، وتحدث بنيرا، الذي بدا عليه القلق، عن "الحرب ضد عدو قوي وعنيد".
وينوه التقرير إلى أنه في لبنان، استطاع رئيس الوزراء، سعد الحريري، أن ينجو من فضيحة محرجة، بأنه أهدى 16 مليون دولار لعارضة ملابس سباحة التقى بها في منتجع فاخر في جزر السيشيل عام 2013، وهو ما شكل بالنسبة لبعض المنتقدين تجسيدا للطبقة السياسية في لبنان، مشيرا إلى أن عقودا من الغضب انفجرت بسبب عدم المساواة والركود والفساد في الشارع، ما جر حوالي ربع البلد إلى مظاهرات متحمسة ضد الحكومة تسودها صيحات "الثورة".
ويقول الكاتبان بأنه بصفته واحدا من البلدان ذات الدين العام الأعلى والتوظيف المتدني، فإن لبنان يبدو غير قادر على توفير الخدمات العامة الأساسية، مثل الكهرباء وماء الشرب وخدمات الإنترنت الجيدة، وأدت إجراءات التقشف إلى القضاء على الطبقة المتوسطة، في الوقت الذي يحظى فيه أغنى 0.1% من الشعب بعشر دخل البلد، وكثير من هذا الدخل، بحسب المنتقدين، يأتي من سلب موارد البلد.
وتشير الصحيفة إلى أن الحريري قام يوم الاثنين بإلغاء الضريبة المخطط لها، وأعلن عن حزمة إصلاحات لإنقاذ اقتصاد البلد، ووعد باستعادة ثقة الشارع، لافتة إلى أنه مع أن انتشار الاحتجاجات الواسعة يبدو دراميا، إلا أن المتخصصين يقولون بأنه استمرار لتوجه متزايد، فعلى مدى عقود أصبحت المجتمعات في أنحاء العالم أكثر احتمالا للسعي للتغيير السياسي من خلال النزول إلى الشوارع.
ويفيد التقرير بأن وتيرة الاحتجاجات تسارعت في الفترة الأخيرة بشكل كبير؛ وذلك بسبب تجمع عدد من العوامل: تباطؤ في الاقتصاد العالمي، وفجوة ضخمة بين الفقراء والأغنياء، وتزايد في نسبة الشباب في كثير من البلدان أنتج جيلا جديدا متحفزا تفور داخله الطموحات المحبطة، وبالإضافة إلى ذلك فإن امتداد الديمقراطية تعطل على مستوى العالم، متسببا بإحباط المواطنين من حكومات لا تستجيب لمطالبهم، وناشطين يعتقدون أنه لا سبيل للتغيير إلا من خلال الاحتجاج في الشارع.
ويستدرك الكاتبان بأنه مع تنامي حركات الاحتجاج، إلا أن معدلات النجاح تراجعت، فقبل 20 عامت فقط حصلت 70% من الاحتجاجات التي طالبت بتغيرات سياسية على ما تريد، وهي نسبة بقيت تتصاعد منذ خمسينيات القرن الماضي، بحسب دراسة قامت بها عالمة السياسة في جامعة هارفارد إريكا تشينويث، مشيرين إلى أنه في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة انخفض هذا التوجه، وأصبحت نسبة النجاح 30% بحسب الدراسة، وهو تراجع وصفته البروفيسورة تشينويث بأنه صاعق.
وتجد الصحيفة أن هذين التوجهين مرتبطان ببعضهما ارتباطا وثيقا، فكلما زادت الاحتجاجات أصبح احتمال فشلها أكبر، وكلما طالت تصبح أكثر إثارة للجدل وأكثر ظهورا وأكثر عرضة للعودة إلى الشارع عندما لا تتم تلبية المطالب، والنتيجة قد تكون عاملا تفقد فيه الانتفاضات الشعبية أهميتها، وتصبح جزءا من المشهد الطبيعي، مشيرة إلى قولت تشينويث في مقابلة: "لقد تحول شيء ما".
وينقل التقرير عن العالم المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، والي ناصر، الذي ترك منصبه مؤخرا بصفته عميدا لكلية الدراسات الدولية المتقدمة التابعة لجامعة جون هوبكينز في واشنطن، قوله: "يمكنك القول بأن هذه الاحتجاجات تعكس ما يجري في أمريكا"، ففي البلدان التي تكون فيها الانتخابات حاسمة، مثل أمريكا وبريطانيا، ولد التشكك بالنظام السياسي القديم نتائج شعبوية وقومية ومضادة للمهاجرين في الانتخابات، وأضاف: "في الدول الأخرى، حيث لا يوجد صوت للناس، تجد احتجاجات شعبية تثور".
ويؤكد الكاتبان أن انفجار الاضطرابات لفت انتباه الأمم المتحدة، حيث طرحها الأمين العام، أنتونيو غوتيريش خلال اجتماع لصندوق النقد الدولي خلال نهاية الاسبوع الماضي، بحسب ما قال المتحدث باسمه، ستيفان دوجاريك، يوم الثلاثاء، لافتين إلى أن المنتقدين يتهمون صندوق النقد الدولي بأنه يفاقم الصعوبات الاقتصادية في بلدان مثل الإكوادور، من خلال إجراءات تقشف تفرض لتقليل الديون.
وتورد الصحيفة نقلا عن دوجاريك، قوله: "نرى مظاهرات في أماكن مختلفة، لكن هناك عوامل مشتركة.. الناس يشعرون أنهم يعيشون تحت ضغط مالي شديد، وقضية عدم المساواة، وقضايا بنيوية أخرى".
وينقل التقرير عن بعض الخبراء، قولهم بأن الاحتجاجات العالمية المتهورة مختلفة جدا ولا يمكن تصنيفها أو عزوها إلى فكرة واحدة، مشيرا إلى أن رئيس جامعة (سنترال يوروبيان يونيفيرسيتي) مايكل إغناتيف، كان في برشلونة الأسبوع الماضي في الوقت الذي احتشد فيه أكثر من 500 ألف في الشوارع، بعد أن حكمت محكمة بالسجن على زعماء انفصاليين سابقين.
ويلفت الكاتبان إلى أنه مع أن مظاهرات برشلونة كانت شبيهة بتلك في مدن أخرى، إلا أن إغناتيف يقول إنه من الخطأ جمعها معا، ويضيف: "الناس لا ينجرفون خلف جنون الحشود.. إن هذه سياسة لها أسباب محددة وقضايا محددة، وإن لم تعترف بذلك، فإنك تجعل سياسة الشعب وكأنها سلسلة من التقليعات المجنونة، مثل السراويل ذاتها وغطاء الرأس ذاته".
وتجد الصحيفة أنه مع ذلك فإنه داخل بعض المناطق تتشابه الاحتجاجات، مشيرة إلى أنه في الشرق الأوسط هناك مقارنة بين الاضطرابات الآن وتلك التي حصلت خلال ثورات الربيع العربي عام 2011، إلا أن الخبراء يقولون بأن الاحتجاجات الجديدة يحركها جيل جديد ليس لديه اهتمام بالحواجز الأيديولوجية والطائفية القديمة، وبدلا من المناداة بزوال ديكتاتور، كما فعل المتظاهرون العرب عام 2011، فإن المتظاهرين اللبنانيين يتهمون طبقة سياسية كاملة.
ويورد التقرير نقلا عن داني يعقوب، البالغة من العمر 22 عاما، قولها يوم الاثنين، وهو اليوم الرابع الذي تظاهرت فيه في وسط بيروت: "إنهم يسرقون ويدعون أنهم لا يفعلون ذلك، فمن هو المسؤول إن لم يكونوا هم؟"، وأضافت داني التي درست لتكون معلمة موسيقى، لكنها لم تجد وظيفة لأن الوظيفة تحتاج إلى واسطة: "لم نعد نصدقهم".
ويقول الكاتبان إن الكثير من العرب أصبحوا حذرين من الاحتجاجات منذ الربيع العربي، حيث رضخوا لتحذيرات الحكام المستبدين من أن تصيب مجتمعاتهم الفوضى التي أصابت ليبيا وسوريا واليمن، لكن موجة المظاهرات مؤخرا في لبنان ومصر والعراق -بالإضافة إلى الثورات التي أطاحت بالديكتاتوريين في الجزائر والسودان هذا العام- تشير إلى أن جدار الخوف بدأ ينهار.
وتنقل الصحيفة عن مديرة مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت، مها يحيى، قولها: "شكلت سوريا البعبع لفترة طويلة.. لكن الجزائر والسودان أظهرتا بأنه ليس بالضرورة أن تكون الفوضى هي الحل".
ويفيد التقرير بأنه حتى في السعودية، حيث التهديد بقمع الحكومة يجعل المظاهرات غير معقولة عمليا، فإن هناك تمردا غير عادي انفجر على منصات التواصل الاجتماعي عندما أرادت الحكومة فرض ضرائب بنسبة 100% على مقاهي الشيشة.
ويرى الكاتبان أنه "إذا كانت إثارة الاحتجاجات أسرع وأكثر انتشارا من العقود السابقة، فإنها أيضا أكثر هشاشة، وكان التحشيد التقليدي، الذي هو من خصائص حركات القاعدة الشعبية، بطيئا ولكنه متين، ويمكن للاحتجاجات التي تنظم على مواقع التواصل الاجتماعي العمل بشكل أسرع، لكنها تنهار بسرعة أيضا".
وتورد الصحيفة نقلا عن تشينويث، قولها بأن الحكومات الاستبدادية تعلمت أيضا توظيف الإعلام الاجتماعي لصالحها، وتستخدمه لنشر الدعاية ولحشد المتعاطفين، أو ببساطة لنشر الارتباك.
وبحسب التقرير، فإنه حتى عندما تكون هناك احتجاجات فإنها تأخذ وقتا طويلا للتحول إلى حركة معارضة كاملة، ففي الهند أدى ثمن البصل الباهظ إلى قيام المزارعين بإغلاق الطرق السريعة، والقيام باحتجاجات لم تدم طويلا.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن هذا الإحباط لم يتحول إلى مظاهرات شعبية عارمة؛ لأنه لا يوجد من يوجهه، فالمعارضة في الهند في حالة من الفوضى، وتسيطر الانقسامات الطبقية والدينية على السياسة، وتقوم حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي باستمرار بإثارة تهديد الجارة باكستان للفت أنظار الشعب.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)