هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رغبة في الهروب من بحث الأسباب الحقيقية التي دعت لجنة نوبل إلى منح
جائزتها للسلام عن هذا العام لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، سارع البعض كالعادة
إلى الحديث عن مؤامرة كونية على مصر، ولأن هؤلاء لا يريدون النظر إلى ما تحقق في
إثيوبيا خلال الـ18 شهرا الماضية، ذهبوا إلى أن اللجنة النرويجية كافأت «أبي»
لتعمده الإضرار بحقوق مصر المائية، أو لتقربه من إسرائيل وزيارته لحائط المبكى.
اللجنة
ذكرت في بيان مطول حيثيات منح رئيس الوزراء الإثيوبي جائزة نوبل، وذكرت عددا من
الأسباب الخارجية على رأسها وضع مبادئ اتفاقية سلام مع جارته اللدود إريتريا،
ومشاركته في عمليات السلام والمصالحة في دول شرق وشمال شرق إفريقيا أهمها إعادة
المجلس العسكري والمعارضة السودانية إلى مائدة المفاوضات .
أما
محليا ووفقا للأسباب التي ذكرتها لجنة نوبل، فقد شرع «أبي» في عدد من الإصلاحات
المهمة التي منحت الكثير من المواطنين الأمل في حياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقا،
وهذا السبب هو مربط الفرس، بدلا من النظر إلى الطريق الذي جعل العالم يتعاطف مع
هذا السياسي الشاب، وهو ما سيصعب موقفنا معه في جولات المفاوضات المقبلة.
قبل
عام وفي ميدان «ميسكل» الشهير بوسط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تجمع ملايين
الإثيوبيين في انتظار رئيس وزرائهم الجديد. صعد «أبي» الذي ينتمي إلى قومية
الأورمو إلى خشبة مسرح زجاجي تحيطه هتافات ولافتات تصفه بـ«النبي» أو «المخلص»
بحسب ما نقل توم جاردنر الصحفي البريطاني الذي يعيش في إثيوبيا.
«هناك حماسة دينية تقريبا وصلت إلى حد الهوس برئيس الوزراء الجديد..
الناس يتحدثون بصراحة عن رؤية ابن الله أو نبي، والبعض يتحفظ قليلا فيسميه نبي
الديمقراطية»، يقول جاردنر في تقرير نشره في «الجارديان» حينها.
لم
تكن كلمات «أبي» وخطبه هي سر الشعبية الجارفة التي دفعت عددا كبيرا من الإثيوبيين
إلى وضع صوره على سياراتهم ومنازلهم وعلى حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي،
فالخطوات التي سارع في اتخاذها في وقت قصير كانت كافية ليلمس الجميع أن أوان
التغيير قد بدأ، لينهي سنوات طويلة من الصراعات العرقية واستبداد الأقلية، وهو ما
عرضه إلى أكثر من محاولة اغتيال، منها ما تعرض له على خشبة مسرح «ميسكل» خلال
المؤتمر السابق الإشارة إليه.
بدأ
«أبي» حكمه بالإفراج عن نشطاء المعارضة المحبوسين، وتواصل مع رموزها في المنفي،
وكلف بعضهم بحقائب وزارية ومناصب هامة في الدولة، وأنهى حالة الطوارئ، كما قام
برفع الحظر المفروض على المواقع الصحفية، وسمح لوسائل الإعلام بالعمل دون رقابة أو
وصاية.
وقبل
أن ينتهي الجدل حول تلك الإجراءات، أقال «أبي» خمسة من أبرز مسئولي السجون وأحالهم
للتحقيق بعد تورطهم في قضايا تعذيب، كما أوقف عمل عدد من الشركات المملوكة للجيش
في مشروعات كبرى على رأسها سد النهضة.
لم
يصل «أبي» لطريق الإصلاح والتغيير من فراغ، فالسياسي الشاب قطع مسيرة شاقة وصعبة،
واكتسب خبرات أثقلته حتى صارت تجربته ليست فقط حديث إفريقيا، بل العالم كله، فهو العسكري
الذي انضم إلى ميليشيا مسلحة ضد نظام منجستو هيلي ماريام، وهو أيضا المهندس العقيد
الذي تولى منصب نائب مدير وكالة أمن المعلومات الإثيوبية «إنسا».
درس
العلوم السياسية وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية وإدارة
التغيير وحل النزاعات، وانتخب نائبا بالبرلمان الإثيوبي لدورتين، واختاره رئيس
الوزراء السابق ديسالين وزيرا في حكومته، وفي 2016 تولى منصب نائب رئيس إقليم
أوروميا.
في
تلك الفترة كانت إثيوبيا تمر بموجة احتجاجات غير مسبوقة، بدأت بنزاع بين مواطنين
غالبيتهم من عرقية أورومو وحكومة ديسالين حول ملكية بعض الأراضي، ثم سرعان ما
اتسعت رقعة المظاهرات لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الإنسان، وأدت إلى
مقتل المئات واعتقال الآلاف.
على
وقع هذه الاحتجاجات اتفقت قوى ائتلاف «الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب
الإثيوبية» الحاكم على الإطاحة بـديسالين من رئاسة الائتلاف، وبالتالي من رئاسة
الوزراء، وتعيين «أبي» بدلا منه، ونصب في إبريل 2018 رئيسا للائتلاف والحكومة.
جمع
أبي أحمد خبرات العسكري والأكاديمي، رجل الدولة والثائر، فخبر كيف يتعامل مع خصومه
قبل شركائه، احتوى المعارضة المسلحة وفتح لها باب المشاركة في الحكم، وأطلق
الحريات العامة ،ورسم طريق بناء نظام ديمقراطي تعددي، فجعل من إثيوبيا نموذجا
يتحدث عنه العالم، وأصبح هو أيقونة يحتفي بها البعض ويكرهها البعض الآخر.
عن صحيفة الشروق المصرية