هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا، أعده كل من شون هاريس وجون هدسون، يتحدثان فيه عن الدور الذي قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إعادة تأهيل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دوليا، عقب الجريمة البشعة لمقتل صحافي "واشنطن بوست" جمال خاشقجي.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ظهور ولي العهد في قمة الدول العشرين التي عقدت في اليابان، في شهر حزيران/ يونيو، وسط صورة جماعية، ويقف بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، هو إحدى الخطوات التي تم تصميمها لإعادة تأهيل ولي العهد السعودي، بالإضافة إلى جلسته مبتسما مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومصافحته الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن بفرح، بعدما وقع بلداهما عقدا بـ 8.3 مليار دولار.
ويرى الكاتبان أن ترحيب قادة العالم بالأمير الشاب، الذي توصلت المخابرات الأمريكية "سي آي إيه" إلى أنه هو الذي أمر بقتل الصحافي خاشقجي، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2018، هو إشارة قبول، وإن كانت مترددة، من قادة العالم بعودته إلى مجتمع الدول، مشيرين إلى أن هذه العودة لم تكن ممكنة دون دعم ومساعدة من الرئيس ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو.
وتقول الصحيفة إنه في يوم الأربعاء ستمر الذكرى الأولى على اختفاء وقتل وتقطيع الصحافي في قنصلية بلاده في إسطنبول، وهي الجريمة التي أصبح الأمير محمد بعدها شخصية منبوذة دوليا، بعدما حظي بدعم من مديري الشركات والمعلقين الأمريكيين لوعوده الإصلاحية في بلده الاستراتيجي لسوق الطاقة، مستدركة بأن ترامب وبومبيو تمسكا به وبالسعودية، وأكدا أهمية البلد الاستراتيجية.
ويجد التقرير أنه بالنسبة لترامب، فإن العلاقة مع السعودية تلخصت بالدولار، وهو لم يحاول التغطية على حقيقة قتل الصحافي البشعة، ووصف الشرق الأوسط بالمكان الشرير، مبررا مقتل خاشقجي بأنه حدث مؤسف لا يدعو للتخلي عن العقود المربحة، وقال ترامب لشبكة "أن بي سي": "لست مغفلا للقول: لا نريد التعامل معهم.. بالمناسبة لو لم يتعاملوا معنا فمع من سيتعاملون؟ سيعقدون صفقات مع الروس والصينيين".
ويلفت الكاتبان إلى أن بومبيو كان واضحا عندما وعد بأن الولايات المتحدة ستقوم بالتحقيق في مقتل خاشقجي ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة، وقال بعد لقائه القيادة السعودية إنهم "لقد كرروا التزامهم بتحقيق الهدف الذي حددناه لهم"، مع أن هذه الوعود لم يتم الوفاء بها بعد.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في شؤون منطقة الخليج في مركز ويلسون، ديفيد أوتاوي، قوله: "رغم المظاهر كلها، فإن استراتيجية بومبيو كانت تقوم من البداية على إنقاذ العلاقات الأمريكية السعودية، وإعادة تأهيل سمعة محمد بن سلمان بصفته حليفا مهما ضد إيران"، وأضاف أوتاوي: "لعب المسؤولون الأمريكيون والسعوديون اللعبة ذاتها، وهي انتظار موت الجدل الذي أثير حول جريمة قتل جمال مع مرور الوقت، أو يتم تجاوزها بأحداث أخرى، مثل هجمات الدرون الإيرانية هذا الشهر ضد المنشآت النفطية السعودية"، وفي رد على هذه الهجمات، التي قالت إدارة ترامب إنها جاءت من إيران، أرسلت قوات أمريكية لحماية المنشآت النفطية السعودية.
ويجد التقرير أن بومبيو نجح في استراتيجيته لتحقيق الاستقرار في العلاقات الأمريكية السعودية، وإخراج محمد بن سلمان من عزلته، فاختفت عناوين الأخبار عن جمال خاشقجي، فيما أدار السعوديون محاكمة المتهمين بالجريمة، التي وصفها المراقبون سخرية من العدل، خلف الأضواء.
ويذكر الكاتبان أن محمد بن سلمان قام في الوقت ذاته بجولة علاقات عامة خاصة به، ففي لقاء مع شبكة "بي بي أس" الأمريكية اعترف بمسؤوليته عن مقتل خاشقجي، لكن بصفته زعيما للبلاد دون أن يشير إلى دوره في الجريمة، وقال: "أتحمل المسؤولية كلها، لأنها حدثت تحت نظري"، كما برز في الإعلانات الترويجية لمقابلة مع الشبكة عرضت ليلة الأحد.
وفي المقابلات التي أجرتها الصحيفة مع مسؤولين في وزارة الخارجية دافعوا عن بومبيو، وأشاروا إلى قراره لمنع 21 سعوديا لهم علاقة بذبح خاشقجي من دخول الولايات المتحدة، وقال أحدهم إن وزير الخارجية دفع نحو "محاكمة عادلة وشفافة دون تأخير"، إلا تقييد سفر المتهمين كان مدعاة لسخرية النقاد، خاصة أن المتهمين لن يخاطروا بالسفر إلى الولايات المتحدة.
ويورد التقرير نقلا عن معارض سعودي لم يكشف عن هويته، قوله إن السعودية تغلبت على موجة الشجب عقب الجريمة؛ لأن إدارة ترامب وقفت مع الأمير محمد، وأضاف معلقا: "أعتقد أنهم أفلتوا من الجريمة".
ويرى الكاتبان أن إدارة ترامب لم تقم بعمل ما يجب عمله للكشف عن النظام القانوني السعودي الغامض، فبعد عام من الجريمة لم تصدر المحكمة حكما بإدانة أي من المتهمين.
وتنوه الصحيفة إلى أن محاكمة 11 متهما تستمر في وقت منع فيه الصحافيون من حضور الجلسات، وسمح للدبلوماسيين بحضورها، بشرط عدم الكشف عن فحوى ما جرى فيها، ويشمل هؤلاء أعضاء في مجلس الأمن الدول، وممثلين عن تركيا، بحسب مسؤولين سعوديين.
ويشير التقرير إلى أن الحكومة السعودية لم تكشف عن أسماء المتهمين، إلا أن المقررة الخاصة في الأمم المتحدة أغنيس كالامار حصلت على قائمة بأسمائهم من مصادر حكومية، التي تضم ضابط المخابرات السعودي ماهر المطرب، والطبيب الشرعي صلاح الطبيقي، المتهم بتقطيع خاشقجي، ونائب مدير المخابرات السابق أحمد عسيري، لافتا إلى أنه بحسب تقرير كالامار بشأن مقتل خاشقجي، الذي صدر في حزيران/ يونيو، فإن خمسة من المتهمين، بينهم الطبيقي والعسيري والمطرب، يواجهون حكم الإعدام.
ويستدرك الكاتبان بأن مستشار ولي العهد السابق سعود القحطاني، والمتهم بالتخطيط للعملية التي قادت إلى قتل خاشقجي، وأكد للمشاركين فيها أن الصحافي يمثل تهديدا على المملكة، ليس من بين المتهمين، بحسب ما ورد في تقرير كالامار وأشخاص على اطلاع على مجريات المحاكمة، مشيرين إلى أن الحكومة السعودية رفضت الإجابة عن أسئلة حول مصيره ومكان وجوده منذ عزله من منصبه بصفته مستشارا إعلاميا للأمير.
وتقول الصحيفة إن استبعاده من المحاكمات قاد إلى اتهام الحكومة السعودية بأنها تحاكم شخصيات من مستويات دنيا؛ أملا في تهدئة منتقدي المملكة في الخارج، فيما كتبت كالامار في تقريرها أن "المحكمة الجارية في السعودية لن تؤدي إلى محاسبة حقيقية"، مشيرة إلى أن إدارة ترامب لا تزال تتعامل مع مقتل خاشقجي على أنه جريمة لم تحل بعد.
وينقل التقرير عن مسؤول في الخارجية، قوله: "لا نزال نحاول البحث عن كل حقيقة أو تفاصيل يمكن أن توسع معرفتنا بمن له علاقة بهذا الفعل الوحشي ودورهم فيه".
ويورد الكاتبان نقلا عن مسؤولين أمريكيين، قولهما إن "سي آي إيه" لم تغير تقييمها، الذي توصلت إليه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، ويظهر تورط محمد بن سلمان، وكانت "واشنطن بوست" أول من نشر معلومات عن التقييم وعلاقة محمد بن سلمان القطعية بالجريمة، مشيرين إلى أن ترامب قال في ذلك الوقت مخطئا إن "سي آي إيه" لم تتوصل إلى نتيجة، وألمح أن الأمر لا يزال قيد التحقيق.
وتقول الصحيفة إن المخابرات الأمريكية كانت حتى قبل مقتل خاشقجي قلقة من صعود الأمير محمد بن سلمان السريع داخل القيادة السعودية، ورأى فيه رجال الاستخبارات الأمريكية قبل وصوله إلى ولاية العهد تهديدا لولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، وهو وزير الداخلية الذي كان على علاقة قوية مع المخابرات الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب.
ويلفت التقرير إلى أن بعض المسؤولين الأمنيين الأمريكيين رأوا في محمد بن سلمان تهديدا لعلاقتهم مع بنية السلطة في السعودية، وشكوا في أنه سيتصرف بناء على المصالح الأمريكية، ورأوا فيه شخصا غير منضبط ومتهور، ولديه نظرة مبسطة عن ديناميات السلطة في الشرق الأوسط.
وينقل الكاتبان عن مسؤول أمني، قوله: "كانت لديه رسالة مختصرة، وهي أن إيران تعد مصدر المشكلات كلها"، لافتين إلى أن هذه الرؤية التي قالها المسؤول قبل صعود محمد بن سلمان إلى السلطة تعبر عن قلق مراقبين للعلاقات الأمريكية السعودية من أنه سيضلل زوج الرئيس جارد كوشنر، المكلف بملف الشرق الأوسط.
وتفيد الصحيفة بأن ابن سلمان وكوشنر التقيا في لقاءات خاصة، ولا توجد هناك سجلات عما دار فيها، فلم يفهم الجانب الأمريكي نية محمد من هذه اللقاءات وإن كان يحاول التأثير على كوشنر والسياسة الأمريكية، بحسب مسؤولين أمريكيين مطلعين على الموضوع.
وينوه التقرير إلى أن المسؤولين الأمريكيين وجدوا أن توقعاتهم ثبتت صحتها، فالولايات المتحدة في مواجهة خطيرة مع إيرانـ وفي اليمن يخوض محمد بن سلمان حربا مدمرة أدت إلى كارثة إنسانية في البلد الفقير.
ويرى الكاتبان أن دعم ترامب لمحمد بن سلمان وإعادة تأهيله على الساحة الدولية جاءا بثمن كبير، مشيرين إلى أنه بعد مقتل خاشقجي خالف أعضاء الكونغرس الجمهوريين الإدارة في موقفها الداعم لحرب اليمن، واضطر ترامب في نيسان/ أبريل لاستخدام الفيتو ضد قرار في الكونغرس يدعو لوقف دعم أمريكا الجهود السعودية في اليمن، وكان هذا بمثابة تقريع للرئيس الذي حظي بدعم الجمهوريين في المواقف المثيرة للجدل كلها.
وتورد الصحيفة نقلا عن المحلل السابق في "سي آي إيه"، بروس ريدل، قوله: "ردة الفعل السلبية كانت تسير في طريقها"، فيما عبر المشرعون عن غضبهم من حرب اليمن وتصرفات محمد بن سلمان، مثل حصار قطر، التي تعد حليفا مهما للولايات المتحدة، بالإضافة إلى سجنه لمعارضيه في الرياض بذريعة مكافحة الفساد، ويضيف ريدل: "لم يكن ترامب ليواجه معارضة قوية دون مقتل خاشقجي".
وبحسب التقرير، فإن ترامب يواجه إمكانية استخدام الفيتو مرة ثانية بشأن ميزانية نفقات دفاعية يناقشها الكونغرس مشروطة بالكشف عن تقرير خاشقجي.
ويقول الكاتبان إنه على المستوى القريب فإن محمد بن سلمان يبدو مستعدا للخروج من ركام الجريمة، إلا أن وضع البلد غير مستقر، وهو ما يتطلع إليه معارضو ابن سلمان، مشيرين إلى قول المعارض السعودي: "لم تعد السعودية قضية أمن قومي أمريكي للأحزاب كلها، لكنها مرتبطة الآن بدعم ترامب فقط.. عندما تنتهي فترة ترامب ستزداد الضغوط عليها".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أنه في الوقت ذاته فإن ذكرى جمال خاشقجي لم تختف، فجريمة قتله تظل الصرخة الموحدة لناشطي حقوق الإنسان، وقصته تظل مصدر سحر للصحافيين وصناع الأفلام، وربما حاول ترامب نسيان خاشقجي لكن العالم لا يريد، وبحسب ريدل فهو "كابوس يلاحق السعودية حتى اليوم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)