كتاب عربي 21

ملاحظات على الفيديوهات

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
أما الفيديوهات المقصودة.. فهي تلك التي أطلقها تباعا رجل أعمال مصري اسمه "محمد علي"، وفضح فيها كيفية إدارة العسكر لاقتصاد مصر، وفضح فيها "سيسي" شخصيا، وزوجته، وأبناءه، وكيف يعيشون حياة الأباطرة، يكلفون الدولة مليارات لا حصر لها، وذلك لمجرد إشباع شهوات ومظاهر فارغة. وكانت وما زالت تلك الفيديوهات حديث المصريين، بل حديث كل المهتمين بالشأن المصري.

ملاحظاتي من واقع متابعة الفيديوهات التي أذيعت، ثم مسحت، ولتعليقات الجمهور عليها، ولرد فعل سلطة الأمر الواقع عليها، مع الإشارة إلى أن المقالة تكتب في مساء يوم الجمعة، وتنشر ظهر يوم الأحد.

* * *

الملاحظة الأولى: لم يندهش أحد

في أي مجتمع سويّ (أو شبه سويّ) يؤدي نشر مثل هذه الفضائح إلى حالة من الدهشة، فترى المجتمع يتساءل: هل وصلنا إلى هذا الحضيض بالفعل؟ هل يعقل أن يكون المسؤولون في الدولة على هذه الدرجة من الفساد؟

ولكن في حالتنا هذه ترى العكس تماما، فمن يتابع ردود الفعل والتعليقات سيجد حالة من "عدم الاندهاش" تسيطر على غالبية المتلقين، وكأن السيد "محمد علي" يخبرنا بأمر نحن على يقين منه، وكل ما في الأمر أنه يعرف مزيدا من التفاصيل.

مصر (في عهد العسكر) فيها مُسلمات لا ينطق بها أحد، ومن يثبتها بالدليل لا يضيف لغالبية المصريين "يقينا" بأمر غائب عنهم، بل هو يضيف لهم مجرد "معلومة"، أما اليقين فهو راسخ رسوخ الجبال ولا يحتاج إثباتا.

ما فعلته هذه الفيديوهات يشبه ما تفعله الأشعة المقطعية، حين تسلطها على بطن أي إنسان سترى أعضاءه الداخلية، وهو أمر نعلمه جميعا.. كل إنسان يعلم أن لديه رئتين، وقلبا، ومعدة، ومشاهدتها عبر جهاز الأشعة المقطعية لا يضيف له "يقينا" جديدا، بل هو يطلعه على ما يعلم.. ليس أكثر!

* * *

الملاحظة الثانية: رد السلطة لم يُدهش أحدا

من الغريب أن صاحب الفيديوهات توقع (كما توقع غالبية المصريين) أن يُتهم بأنه من الإخوان المسلمين، وتوقع أن يتم قصفه بالمدفعية الثقيلة، وتم ما توقعه الجميع فورا، وهو ما ينبئ ويؤكد على أن خلايا الإبداع لدى هذا النظام قد وصلت إلى حالة التليّف الكامل!

لقد تمكنت الأجهزة الأمنية (بالتواطؤ مع فيسبوك غالبا) من حذف الفيديو، ولكن الطلقة كانت قد أطلقت، وتلقف الناس الفيديو ونشروه آلاف المرات، وحقق ملايين المشاهدات، وهو ما حدث مع الفيديوهات التالية.. كل ما حدث كان مسلسلا مكررا، لم يحاول أي ضابط أن يبدع فيه.. الاتهامات المعلبة نفسها، وبالطريقة نفسها، وعبر المنصات فاقدة المصداقية نفسها، فأثبتوا جميع التهم التي حاولوا نفيها.

* * *

الملاحظة الثالثة: استغلال الأقارب أصبح نهجا مؤسسيا

خرج والد رجل الأعمال على الشاشة مع "مخبر/ مذيع"، وتبرأ من ابنه بشكل أو بآخر، وهو أمر أصبح نهجا مؤسسيا لدى العصابة الحاكمة لمصر.

ظهور الوالد أثبت كل ما أرادوا نفيه، وهو ما يعود بنا إلى الملاحظة الثانية.

المعارضة السياسية اليوم تعني أن تخاطر بكل شخص له أدنى علاقة قرابة بك، وهي سابقة في التسفّل لم يصل لها أي نظام قبل هذا النظام..

* * *

الملاحظة الرابعة: ليست بطولة

بعض المنتمين لمعسكر الثورة شاركوا إعلام النظام في قصف صاحب الفيديوهات.. وهو أمر مستغرب!

وجهة نظرهم (حسبما عرفت) تتلخص في أن هذا الرجل مجرد رجل أعمال فاسد، فلماذا تصنعون منه بطلا ثوريا؟ إنه شريك للنظام في فساده وجرائمه!

والحقيقة أنه لا أحد صنع من الرجل بطلا!

إنه رجل "شعبوي" خلق حالة من الشماتة في النظام، ولم يزعم أحد (فيما أعلم) أن السيد محمد علي زعيم سياسي، سواء على طريقة سعد زغلول، أو حتى على طريقة "روبن هود"!

لقد تكلم الرجل، فتحول في نظر الناس إلى "شاهد ملك"، ومسألة البطولة ليست إلا خيالا أو افتراضا في ذهن البعض.

هناك بعض الأصدقاء في معسكر الثورة يضايقهم أيضا أن يتحدث مقاول "فاسد" عن ثورة يناير، والحقيقة أن هذا الأمر يحتاج إلى مراجعة أيضا؛ لأن هذه النظرة الضيقة تقضي على إنجاز من أهم إنجازات ثورة يناير، أعني كونها "ثورة شعبية"، ليست ثورة للصالحين فقط، ولا لتيار بعينه، أو طبقة بعينها، بل هي تحرك اجتماعي اخترق جميع الطبقات، والمهن، والأعمار، والطوائف، والمحافظات، والقبائل، وسائر المكونات المجتمعية.. بلا استثناء!

لقد جمع الميدان شبابا ينتمون إلى أغنى الأسر المصرية وأفقرها كذلك، وأكثرها ولاء للنظام وأشدها معارضة، وجذبت الثورة كثيرا من الذين لم يتمكنوا من العيش باستقامة في ظل عصور الفساد المقنن.

لذلك.. ليس من الحكمة حين يخرج رجل (أيا كان رأينا فيه) ليدلي بشهادته على فساد النظام؛ أن نطلق الرصاص على رأسه بتهمة الفساد.. لأن نادي الفاسدين مغلق على الفاسدين، وإذا أردنا شاهدا "عدلا" لن نجد، وبالتالي.. سينجو الفساد بجرائمه.

إن أقصى أمنيات "سيسي" ونظامه في اللحظة الحالية هو أن تطال يده هذا المقاول لكي يجهز عليه ويخرس لسانه للأبد، وبعض الثوريين يقدم هذه الخدمة (مجانا كالعادة) للنظام، وهذا لعمري أمر غريب.

* * *

الملاحظة الخامسة: وفاة عبد الله مرسي

وفاة عبد الله مرسي ابن الرئيس الشهيد محمد مرسي رحمهما الله في هذا التوقيت، ومحاولة تشويهه بتلك الطريقة الحقيرة، في رأيي الشخصي.. ليست عملا بريئا!

لم أتمكن من التعامل مع خبر الوفاة كخبر طبيعي، وحين ظهرت نية النظام في تشويه الشاب المغدور.. تذكرت ما جرى مع أبناء الرئيس الراحل محمد نجيب.. وتذكرت كذلك فيديوهات محمد علي..

هل هناك من دليل؟

الأيام ستثبت كل شيء!

* * *

الملاحظة السادسة: الجيش صامت

ولن يفيده صمته.. وصمته لا يغتفر.. والحقيقة المرة أن الصمت في هذا المقام رضا!

موقع الكتروني: www.arahman.net
بريد الكتروني: [email protected]
التعليقات (2)
مرجان
الإثنين، 09-09-2019 09:30 ص
وشهد شاهد من أهلها
مصري جدا
الأحد، 08-09-2019 01:36 م
ملاحظات مكملة ،،، الأولى ،،، الدهشة هي أولى مراحل المعرفة كما يقول الفلاسفة ،، وعدم الاندهاش الجماهيري الواسع ليست بالضرورة انها معلومات كاشفة للواقع المؤلم ،،، فقد يكون غياب الدهشة يعبر عن عمق الغيبوبة وفقدان الوعي والعجز المعوق عن الفعل والاستسلام المحبط، وكلها مظاهر تؤكد أننا بحاجة لإنسان مصري جديد ،، إنسان سوى يندهش وينزعج ويفرح ويتألم ،،، الثانية ،،، الرد المعتاد والمعلب والمتكرر للسلطة واذرعها الأمنية والإعلامية والقانونية وذبابها الإلكتروني الفاشل يؤكد حالة الصدمة المتكررة التي تحكم عقل النظم المصرية منذ عقود عندما تتعاطى مع اي حدث ،، حالة من الصمت والخرس لعدة ساعات ثم تحرك إعلامي مرتبك وعاجز ثم تحرك قانوني ببلاغات سابقة التجهيز للمسمى بالنايب العام وبنفس التهم لجميع الأشخاص في مختلف الحالات ،، ثم رد رئاسي في أقرب فرصة عند افتتاح أي إنجاز وهمي من إنجازات الجنرال العاجز ،،، وهو ما يؤشر أننا جميعا اجرمنا في حق انفسنا ووطننا عندما سمحنا لهؤلاء ان يعتلوا منصات الحكم ،، الثالثة ،،، أن المعارضة المصرية ليست أحسن حالا من الجماهير ولا النظام ،، فهي تتحرك وفقا لنظرية القصور الذاتي وفي أحسن الأحوال بالقانون الثالث لنيوتن ،، قانون رد الفعل ،،، لكنه تطبيق فاشل كعادتنا في أي تطبيق ،،، لأنه غير مساو له في المقدار وغير مضاد له في الاتجاه ،، لذا يستمر فعل النظام ويتلاشى رد فعل المعارضة ،،،، الرابعة ،،، وهي سقوط الأصنام والالهة المصنوعة من المكرونة ، حين أصبحت سمعة خير اجناد الارض تحت الأرض بفسادهم الذي لم يصل فقط للركب بل فساد عجب العحاب كما يردد دائما الجنرال العاجز ،،، الاخيرة ، والأهم ،،، أن منصات القيادة الشعبية القادمة تتحمل مسؤلية عظمى في استعادة وطن مسلوب وبناء إنسان مهدوم واستعادة ثروات منهوبة ومكانة مفقودة ،،، أما منصات القيادة الحالية في المربع الإسلامي والمدني فالرهان عليها خاسر وضياع لما تبقى من وطن ،،،،