هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: الفقيه المتنور الحجوي الثعالبي
المؤلف الزبير مهداد
الناشر الدار المغربية العربية للنشر والطباعة والتوزيع، الرباط
الطبعة الأولى أيلول (سبتمبر) 2018
عدد الصفحات: 176
كثيرة هي الكتابات التي تناولت المشروع الإصلاحي للعالم المغربي محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، (1874 ـ 1956) فقد حاولت بعض المساهمات في كشف مفاصل من مشروعه الإصلاحي التحديثي، من خلال كتاباته، فركز بعضها على نظرته التحديثية لقضية المرأة، وانتصاره المبكر لفكرة تعليم الفتيات، فيما تعرض البعض الآخر لمشروعه في إصلاح التعليم والخطط التي اقترحها لما كان مسؤولا بوزارة االمعارف، فيما اهتم البعض المتبقي بآرائه الاجتهادية التي بسطها في كتابه :"الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي".
بواكير التحديث في المغرب
غير أن أهمية هذا الكتاب، تكمن في كون مؤلفه، حاول أن يشتغل على سؤال الموقع الذي احتله الفقيه الحجوي الثعالبي من خلال اجتهاداته ومشروعه الإصلاحي، بين رؤيتين متقابلتين كانتا تتناحران لجر المغرب الأقصى إليهما: رؤية تقليدية، تحاول أن تشكل الرؤية الوطنية من محراب التقليد والفكر السلفي الجامد، ورؤية أخرى مقابلة، كانت تحاول أن تدفع المغرب في اتجاه الالتحاق بركب الحداثة والعصرنة من خلال تمثل الأفكار التنويرية من قاعدتها وخلفيتها الفلسفية الأوروبية، وكيف حاول الفقيه الحجوي الثعالبي أن يستوعب معطيات الرؤيتين ودوافعهما، ويصوغ لنفسه رأيا اجتهاديا مستقلا، يستمد أصوله من المرجعية الإسلامية، ويمضي في اتجاه التحديث والتنوير المعقلن، الذي لا يخاصم الذات، إذ استطاع الرجل ـ حسب المؤلف ـ أن يتغلب على الموقف الحرج، بالتوفيق بين القطبين المتنازعين والتقريب بينهما من خلال اجتهاداته الفقهية، التي بين فيها بحجة منقطعة النظير، حكم الدين في التعامل مع كثير من المستجدات التقنية والإدارية والمالية، ومن خلال خطة إصلاح نظام التعليم، وتطوير التعليم بالقرويين، ودعوته المبكرة جدا لتعليم الإناث، وإدماجهن في مخطط التنمية، مؤكدا على محورية ومركزية النخبة الثقافية والعلمية في قيادة الإصلاح والمساهمة في ترشيده وتحقيقه.
الحجوي المفكر.. نقطة الفراغ في دراسات الفكر الإصلاحي
يقرر الكاتب أن هدفه من الكتاب هو التعريف بأفكار محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، الفقيه المتنور، وأول وزير للتعليم بالمغرب الحديث، لكنه يؤكد بأنه لن يعيد ما كتب حوله وحول آرائه الإصلاحية، فثمة دراسات كثيرة، حاولت تغطية هذا الجانب، وإنما سيتناول الحجوي المفكر، ذلك الجانب، الذي لم يحظ بعناية الدارسين، وذلك لاعتبارات إيديولوجية وحسابات سياسية ضيقة، لاسيما ما يتعلق برؤيته الفكرية لإصلاح التعليم، وإدخال التعليم الحديث إلى المغرب، إذ تناول الباحث في الفصل الأول حياة الحجوي الثعالبي ومصنفاته، وتوليه لوزارة المعارف، وجهوده الإصلاحية وفكره السلفي، وخصص الفصل الثاني لبسط استراتيجية الحجوي في الإصلاح، وبيان رأيه في شروط التقدم، وسرد مخطط الإصلاح الذي وضعه.
أما الفصل الثالث، فخصصه لذكر جهود الحجوي في سبيل تطوير التعليم الأساسي وتعميمه، وتجديد مناهجه، وإحصاء المشاكل التي واجهته، كما تناول في الفصل الرابع جهود الحجوي الثعالبي في ربط التعليم بمخطط التنمية، وذلك حتى يكون للتعليم دور فعال في إخراج البلاد من أزمتها، وقيادتها نحو التقدم والتحرر، وما فعله في هذا الاتجاه من تعليم البنات، ونشر التعليم التجاري والمهني، وإدخال تعليم اللغات الأجنبية. وتناول الفصل الخامس جهود الحجوي في سبيل تطوير التعليم العالي، وتحديث مؤسساته، لاسيما ما يتعلق بإصلاح جامعة القرويين، والمعاناة التي لقيها في هذا الإصلاح.
الحجوي أدرك مبكرا أن أي مشروع تحديثي، لا يمكن أن يتم من غير البدء بإصلاح التعليم في كل مستوياته
أكد على محورية ومركزية النخبة الثقافية والعلمية في قيادة الإصلاح والمساهمة في ترشيده وتحقيقه.
وقد عمد الحجوي إلى تأصيل هذا الشرط من داخل المرجعية الإسلامية، فكتب كتابه "النظام في الإسلام"، اعتبر فيه أن النظام هو القواعد الثابتة الصارمة التي تتأسس عليها المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ورأى في هذا الكتاب أن مبعث تخلف المسلمين هو الفوضى وتنازع الأهواء والانحراف عن النظام. وتساءل الحجوي حول إمكانية النهوض بالاعتماد على الذات وتطوير الأنظمة الذاتية دون استيراد نماذج التنظيمات الغربية التي استهوت المثقفين المغاربة الذين اطلعوا عليها خاصة التنظيمات السياسية (النظام الديمقراطي) مستحضرا في ذلك ثنائية الغرب المتقدم والغرب العدو، ليخلص في جوابه إلى أن التاريخ العربي غني وثري على مستوى التنظيمات التي يمكن استلهامها، لكن ذلك في نظره، لا يعني الركون إليها، وعدم الاستفادة من المؤسسات والتنظيمات الغربية
وبخصوص الشرط الثاني، فقد كان الحجوي يرى أنه لا انفصال البتة بين النظام والعلم، وأنهما معا يشكلان وسليتي الرقي والتقدم الأساسيتين والضمانة الحقيقية لاستقلال البلدان المستعمرة. فالأمية عند الحجوي الثعالبي، هي داء الإسلام الدفين وسبب تأخر الأمة، وهي أول داء وجب المبادرة بعلاجه ومحاربته، وأنه لا سبيل للتصدي له سوى بنشر التعليم وتطوير طرقه وأساليبه، حتى تغدو القراءة والكتابة أمرا سهلا ميسورا على الجميع ذكورا وإناثا صغارا وكبارا من بدو وحضر.
في المشروع الإصلاحي للحجوي الثعالبي
عمل الحجوي الثعالبي على إعادة ترصيد التاريخ العربي الإسلامي، وبشكل خاص المؤسسات والتنظيمات المعتمدة في إصلاح التعليم، كما استلهم التجارب الغربية بهذا الخصوص، وحاول تركيب رؤية إصلاحية تأسست على العناصر الآتية:
فعلى المستوى الثقافي، اشتغل على إدخال العلوم واللغات الجديدة إلى البرنامج التعليمي والعناية بالكتاب والبحث العلمي.
وعلى المستوى الاجتماعي، أصل لفكرة تعليم البنات وتشجيعهم على التعلم وتحسين ظروف المدرسين.
وعلى المستوى الاقتصادي، أكد على محورية ربط التعليم والتنمية، والعناية بالتعليم التجاري والمهني.
أما على المستوى الإداري، فقد أكد على تنظيم التعليم وهيكلة رتب المدرسين، وتنظيم هيئة الإدارة والمراقبة التربوية.
ولذلك قام مخططه في إصلاح التعليم على تعديلات جوهرية أساسية في النظام التربوي، إذ عمل على نشر التعليم الحديث على أوسع نطاق في ربوع المملكة المغربية، وإصلاح مناهج وبرامج وطرق التعليم، وإصلاح جامعة القرويين وتنظيميها، وربط التعليم بمخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإصلاح التعليم العالي وتجديد هياكل جامعة القرويين وتنظيميها.
الحجوي العقلاني الليبرالي المتنور
يرى الكاتب أن الحجوي شكل حلقة أخرى من حلقات رواد الفكر الإصلاحي النهضوي من أمثال الأفغاني ومحمد عبده وخير الدين التونسي، ممن كانوا يميلون للفكر الليبرالي دون التخلي عن مقتضيات المرجعية الإسلامية، وكانوا مهووسين بفكرة التقدم والتفكير في شروط النهضة والمشاريع الإصلاحية التي من شأنها النهوض بالأمة، بل والتفكير في الخطط الإصلاحية العملية والسياسات العمومية التي تحقق الإقلاع الحضاري للأمة، ويعتبر المؤلف أن عمل الإصلاحيين المغاربة، وعلى رأسهم الحجوي، اتجه إلى إنعاش المعنوية المغربية وإعادة الثقة المفتقدة في النفوس، والحفاظ على الهوية الجماعية للأمة، وبث الروح الوطنية في أوساط الأجيال الصاعدة التي نشأت في حضن الاستعمار الفرنسي الذي أسر بجاذبيته وثقافته البراقة الناشئة وحاول بذلك إبعادها عن الينابيع الروحية للأمة، كما اتجه إلى نقد تصرفات بعض المؤسسات الدينية كالزوايا والطوائف التي يؤثر نشاطها تأثيرا سلبيا في السياسة الوطنية وفي عقول الناس بما تبثه من أفكار خرافية، واتجه بدرجة أولى إلى القضية المركزية التي هي إصلاح التعليم في كل مؤسساته، حتى تعود ثمار هذا الإصلاح على تحرر العقول ونهضتها ومساهمتها في نهضة الأمة.