هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كانت ليلة شديدة البرودة لم تختفِ منها أصوات الرعد والأمطار الغزيرة التي أغرقت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في منطقة الأغوار الفلسطينية، ولكن ذلك لم يمنع جنود الاحتلال من تبليغ عائلة تركمان بضرورة إخلاء منزلها لمدة ثلاثة أيام بحجة القيام بتدريبات عسكرية في محيطه.
العائلة التي تقطن منزلا متواضعاً مشيدا من الصفيح في خربة ابزيق بالأغوار الشمالية بدأت جولة القلق الموسمية بحجة التدريبات العسكرية التي ترهق أيامها وتطردها من منزلها أسوة بعشرات العائلات الفلسطينية، وليس ذلك الأمر لمرة واحدة وإنما يتكرر عدة مرات كل عام.
ويقول المواطن الفلسطيني علي تركمان لـ "عربي21" إن قوات الاحتلال تقوم بتبليغهم بضرورة إخلاء منازلهم خلال أيام محددة من الشهر بذريعة القيام بتدريبات عسكرية، مبينا بأن ذلك يقلب حياة العائلة رأسا على عقب ويجعلها تخرج إلى العراء دون وجود بديل آخر للذهاب إليه.
ويشير إلى أن التدريبات تلك تعتبر من أكثر الأمور إرهاقا لحياة الفلسطينيين في الأغوار، حيث وبعد عملية الإخلاء وحين يعودون إلى منازلهم يجدون أضراراً جسيمة فيها بعد التدريبات دون اكتراث الاحتلال بذلك أو تعويضهم عنه.
ويضيف: "يبلغوننا بضرورة الإخلاء فنحمل بعض أغراضنا ونخرج من البيت إلى العراء فلا نملك مكانا آخر نأوي إليه، ومعظم العائلات من الأطفال فتتغير حياتنا جميعها وتمس التدريبات العسكرية كل أنحائها من حيث العمل والمدارس والزراعة ورعي الماشية، وهناك نبقى ننتظر انتهاء الأيام المحددة بفارغ الصبر لأن الله فقط يعلم كيف تكون ظروفنا ونحن نبيت في العراء إما في الحر الشديد أو البرد القارس".
ويعيش الفلسطينيون في الأغوار حياة لا تشبه الحياة في ظل أطماع الاحتلال بأراضيهم، فالتدريبات العسكرية ليست إلا مجرد حجة من أجل إجبارهم على الرحيل في ظل مضايقات مستمرة، فيظن الاحتلال أن استمرار إخلاء الفلسطينيين من منازلهم سيجبرهم في نهاية المطاف على ترك أراضيهم وهو ما يصر الأهالي هناك على دحضه.
ويؤكد تركمان بأن الفلسطينيين في الأغوار لا يملكون مكانا آخر للذهاب إليه، وكذلك مصرون على البقاء في أرضهم لأن معادلة النكبة التي تمت عام 1948 لن يكررها أهالي الأغوار حتى لو ارتقوا شهداء، فالخروج من الأرض وتركها للمستوطنين ليس خيارا أبداً أمامهم.
وتيرة متصاعدة
التدريبات تلك طالت كل جوانب الحياة الفلسطينية في الأغوار؛ فهي تتم على مساحة أكثر من 50 ألف دونم بما تشمله من مناطق سكنية وزراعية تتعرض بدورها للتخريب والإتلاف، حيث تم إحراق أكثر من خمسة آلاف دونم من الأراضي الزراعية خلال التدريبات وهو ما يعتبره الفلسطينيون تصرفات كيدية تهدف فقط إلى تهجيرهم.
ويقول الناشط الفلسطيني في منطقة الأغوار الشمالية عارف دراغمة إن قوات الاحتلال تتبع سياسة إخلاء الفلسطينيين من منازلهم منذ أربع سنوات؛ حيث يقوم الجنود بتبليغ الأهالي بضرورة الخروج من منازلهم بحجة التدريبات التي تستمر لعدة أيام.
اقرأ أيضا: الاحتلال يُرحل عائلات فلسطينية بالأغوار لتأمين تدريباته
ويوضح لـ "عربي21" بأن هذه السياسة تصاعدت وتيرتها خلال العامين الماضيين؛ حيث تم إخلاء أكثر من 150 عائلة فلسطينية من منازلها في قرى الرأس الأحمر، والمالح، وحمصة، وخربة ابزيق، مبينا بأن تلك العائلات لا تجد مكانا لها للمبيت خلال هذه الأيام سوى العراء في برد الشتاء وحر الصيف.
ويضيف: "يلجأ الأهالي بعد طردهم إلى مناطق تبعد عن مكان سكنهم أكثر من 24 كم ويبيتون في العراء في ظل الظروف الجوية القاسية دون مراعاة أوضاعهم، فالمطلوب هو دعم هذه العائلات ومزيد من التضامن معها قانونيا كي يتم وقف التدريبات على أراضيهم".
ولفت دراغمة إلى أن الخطر لا يتمثل فقط في طرد العائلات، وإنما كذلك في مخلفات الاحتلال بعد تدريباته؛ حيث يعثر الأهالي بعد عودتهم على قنابل وقذائف لم تنفجر أدت إلى استشهاد أربعة مواطنين خلال ثلاثة أعوام بسبب استهتار الاحتلال بأرواح الفلسطينيين هناك.
ويشير إلى أن التدريبات العسكرية تتم يوميا في منطقة الأغوار، ولكن الاحتلال يخلي الفلسطينيين عند التدريبات القوية فقط، وهو ما يعني عدم اكتراثه بحياة آلاف المواطنين خلال تدريباته التي تستثني المناطق التي يسيطر عليها المستوطنون في الأغوار ويحرص بكل وسيلة على الحفاظ على أمنهم وحياتهم.
ويتابع: "همّ الأغوار هو همّ كل فلسطيني وكرامتهم من كرامة أي فلسطيني لذلك وجب الوقوف معهم ودعمهم في وجه الإجراءات العنصرية الإسرائيلية، كما وجب أن يكون هناك تعاون جدي ووقفة قانونية حقيقية لدعمهم".