يوماً بعد يوم، تؤكد الوقائع أنّ إرهاب المليشيات العراقيّة غير المنضبطة طفح خارج البيت العراقيّ. فبعد ثبوت أنّ بعض مليشيات الحشد الشعبيّ تقاتل مع النظام السوريّ، وجدنا أنفسنا اليوم أمام مليشيات عراقيّة في ألمانيا، وربّما لديها خلايا نائمة في بقيّة أوروبا.
مليشيات أوروبا كانت علنيّة، ولم تستخدم التقيّة في طروحاتها، وأكّدت أنّها تقف ضدّ كلّ من ينتقد الحشد الشعبيّ والمرجعيّة الدينيّة في
العراق.
هؤلاء استغلّوا الحرّيّة الموجودة في أوروبا استغلالاً سيئاً، وفي العام 2016 أسّسوا عصابات بدعوى مغلّفة؛ على اعتبار أنّهم فريق درّاجات بخاريّة شبابيّة، ومع مرور الزمن ظهروا على حقيقتهم وباسم علنيّ وصريح وهو "السلام 313"، وصاروا يعتدون على كلّ من ينتقد الخراب في العراق.
وقال بعض شُخوصها، من خلال مقاطع مرئيّة، إنّهم تابعون لسرايا السلام بزعامة مقتدى الصدر، والتي نفت (على لسان المتحدّث باسمها) العلاقة بهم!
صفحة الجماعة على فيسبوك عبارة عن موقع علنيّ لاستعراض المَهَامّ، ويُظهر أفراد العصابة وهم يتباهون بدرّاجاتهم البخاريّة الباهظة الثمن (وأحياناً بسيّارات حديثة) ويقودونها في الشوارع العامّة بنسق مميّز، ويرتدون ملابس موحّدة، وغالبيّتهم بعضلات مفتولة، وكأنّهم في دولة تحت سيطرتهم!
مليشيات ألمانيا بزعامة محمد المندلاوي، أو محمد بُنْية، (واللقب كما قيل: نسبة إلى جريمة قتله لعشرة أشخاص في جامع البُنْية ببغداد)، وقد ظهر في تسجيل مرئيّ وهو يشتري سيّارة مارسيدس بقيمة 180 ألف يورو، بينما يعيش على مساعدات الحكومة الألمانيّة وراتب شهري مقداره 480 يورو فقط. فمنْ يقف وراء تمويل هؤلاء، وخصوصاً أنّ صفحات العراقيّين في أوروبا تؤكد أنّهم تلقّوا تدريبات عسكريّة وبدنيّة في دول شرقيّة لم يحدّدونها؟
ويوضح "بنية" أنّ أنشطة المجموعة لا تنحصر على ألمانيا فحسب، بل تتعدّاها إلى دول أوروبيّة أخرى مثل السويد والدنمارك وهولندا، وأنّ المجموعة "تتعامل بدون تأنيب ضمير مع أيّ شخص، وأنّ الذين يأتون إلى أوروبا يجب أن يلتزموا بالأدب والأخلاق"!
ولا ندري هل هم وكلاء لجهة دينيّة، أم مجرّد عصابة إرهابيّة في أوروبا؟
الشرطة الألمانيّة في ولاية شمال الراين ويتستفاليا ودويسبورغ وغيرها؛ شنّت قبل أسبوع تقريباً حملة أمنيّة غير مسبوقة ضدّ "السلام 313"، وهم قرابة (34) مشتبهاً به يحملون جنسيّات عراقيّة وسوريّة وغيرها، ووجهت لهم تُهم متنوّعة تتعلّق بجرائم تهريب البشر، والمخدّرات، وخروقات لقانون رقابة أسلحة الحرب، وتزوير جوازات السفر.
إرهاب جماعة "السلام 313" لم يتوقّف عند حدود ألمانيا، بل وصل إلى النمسا، واعتدت بالضرب على "مصطفى الحجية" المعروف بانتقاده للأوضاع في العراق، وكاد أفرادها أن يقتلوه لو لا تدخل المتواجدين في المكان.
ومنعت أفراد الجماعة الجالية العراقيّة في ألمانيا من ترتيب بعض نشاطاتها، بسبب توافقها مع مناسبات دينيّة خاصّة بهم. وغالبية العراقيّين يتجنّبون الحديث عن هذه المليشيا، خوفاً من بطشها، وهكذا صارت تتحكّم في الناس بكلّ صغيرة وكبيرة وتهدّدتهم، وكأنّها في أحد أحياء العراق الخارجة عن سلطة الحكومة، وليس في أوروبا!
المؤلم جداً أنّني، بعد بحث وتدقيق طوال الأسبوع الماضي، وجدت بعض صفحات التواصل الاجتماعيّة للعراقيين في ألمانيا قد نشرت حقائق مذهلة، بالصور والأسماء (لا يسع المجال لذكرها) لعشرات العناصر المليشياوية الإجراميّة التي شاركت في قتل وترهيب العراقيّين على مدى السنوات الماضية، ثمّ هاجرت إلى أوروبا بعد التدفّق البشريّ الهائل في العام 2015!
مجموعة "السلام 313" باتت الآن تحت أنظار المحقّقين الألمان، وتصدّرت أخبار اعتقال عناصرها الوكالات والصحف الألمانيّة والأوربيّة والعالميّة، ومع ذلك لم تحسم الشرطة الألمانيّة أمرها حتّى اللحظة!
الإرهاب المليشياوي تجاوز حدود العراق، وعليه، ينبغي على الدول الأوروبيّة، وبمساعدة الأطراف ذات العلاقة، العمل على تحجيم هذه المليشيات، وبالذات مع توافر الأدلة المؤكّدة لإجرامها في العراق وأوروبا، وإلاّ فإنّها ستكون قنبلة موقوتة تنشر للفوضى الأمنيّة والسياسيّة في عموم أوروبا، ويمكن أن تنفجر في أيّ لحظة!
كان الله في عون العراقيّين، فالموت الأحمر والإرهاب الأسود يلاحقهم أينما ارتحلوا، وكأن قدرهم ألا يجدوا سبيلاً لحياة مليئة بالسلام والأمان والطمأنينة.