العمليّة
السياسيّة السليمة والصافية والمنظِّمة لانتخابات حرّة ونزيهة، هي الأداة القوّية
والحقيقيّة لبناء الدولة وحماية الناس وخدمتهم، والعمليّة السياسيّة السقيمة
والملوّثة والعشوائيّة، هي المعول القوّيّ والحقيقيّ لهدم الدول وترهيب الناس
وضياعهم! والعمليّة السياسيّة الناجحة نعمة
ورحمة على الوطن والناس، بينما العمليّة السياسيّة الفاشلة نقمة وبلاء على الوطن
والناس.
ولا أدري هل
أسباب الخراب في الدول الفاشلة تقع مسؤوليّتها على الناخبين، أم على السياسيّين
المُنْتَخبين؟
ويبرز أمامنا،
ربّما، تساؤل آخر: هل "السياسيّ الصالح" يبقى على صلاحه بعد دخوله
للمعترك السياسيّ ومواجهته للواقع المليء بالمغريات المادّيّة وملايين الدولارات
والإغراءات المتنوّعة، أم سينجرف مع الآخرين؟
وصدقا، لا يمكن
الجزم بدقّة على مَن يقع اللوم، ولكنّ الإنسان الصالح يختار السياسيّ الصالح،
والمواطن السيئ يختار السياسيّ السيئ، وهنا "جوهر" النجاح والفشل في أيّ
تجربة سياسيّة.
ويشترك في
العمليّة السياسيّة العديد من الأحزاب والكيانات، وهي في
العراق موزّعة بآليّة
خاصّة اتُّفق عليها بين السياسيّين، وقد حُسِم الاتّفاق، خلافا
للدستور، بأنّ رئاسة الجمهوريّة للكرد، والوزراء للشيعة، والبرلمان للسّنّة.
ولكنّ الأمر لم
يَخْل من
صراعات بين القوى السياسيّة، وفي خطوة استندت إلى دعوى "تزوير"
اتّخذت المحكمة الاتّحاديّة، يوم 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، قرارا بإنهاء
عضويّة رئيس مجلس النوّاب محمد الحلبوسي، ومن يومها بقي هذا المنصب شاغرا!
غياب رئاسة الهرم التشريعيّ لعام كامل، نَخَر عموم مفاصل الدولة، المربكة أصلا، وبالذات في ظلّ حديث مُمِلّ، ولغايات سياسيّة وشخصيّة، عن محاولات لإقرار قانون العفو العامّ. ويبدو أنّ هذه المطبّات مقصودة لنَحْر القانون، وعدم جعله أرضيّة قوّيّة لترميم بعض الخراب السياسيّ والاجتماعيّ في البلاد.
وقد نصّ الدستور
العراقيّ للعام 2005 في المادّة 138:
"ثانيا:
1. في حال خلوّ أيّ منصب في مجلس الرئاسة، يَنتخب مجلس النوّاب بثلثيّ أعضائه
بديلا عنه".
ولم يُحدّد
الدستور متى يُنتخب البديل في حال خلوّ أيّ منصب برئاسة المجلس، ولكن يبدو أنّ
النظام الداخليّ للمجلس قد حَسَم الأمر، وأكّدت المادّة (12) "ثالثا: إذا خلا
منصب رئيس المجلس لأيّ سبب كان، يَنتخب المجلس بالأغلبيّة المطلقة خلفا له في أوّل
جلسة يعقدها لسدّ الشاغر". وهذا ما لم يحصل ولعام كامل تقريبا! وحينها صرنا أمام جلسات برلمانيّة
للانتقام وضرب المخالفين.
أمّا القول بأنّ
الحلبوسي هو الذي يُعرقل حَسْم المنصب، فهذا كلام غريب! فكيف أُقيل من المجلس
ويتحكّم بقراراته؟
وحدّدت ستّ قوى
سُنّيّة بزعامة الحلبوسي يوم 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024 مسارين لحسم انتخاب
الرئيس الجديد للمجلس، أبرزهما يتمثّل بدعم ترشيح "محمود المشهداني" دون
منافسة من أحد! وهذا الذي حصل، يوم أمس الخميس، وبطريقة ملتوية! فأين
الديمقراطية
في هذا النهج، وبالذات، ونحن نتحدّث عن مرشّح واحد وبلا منافسة حرّة؟
وتأكيدا لغياب
الديمقراطيّة، قال سالم العيساوي، المنافس الأبرز للمشهداني، خلال كلمة في
البرلمان
قبل الجولة الثانية: "أطراف أبلغوني أنّ جهات تفرض على بعض النوّاب التصويت
لمرشّح مُعَيّن".
ثمّ إنّ الدائرة
الإعلاميّة للبرلمان قالت؛ إنّ عدد المصوّتين هم 271 من مجموع 329 نائبا، وهذا يعني
أنّ 58 نائبا لم يصوّتوا، أيّ خمسة ملايين و800 ألف مواطن لم يُشاركوا في التصويت، باعتبار أنّ كلّ مقعد نيابيّ يمثّل 100 ألف مواطن.
وكان واضحا أن
الكفّة تميل للمشهداني بسبب دعم القوى الشيعيّة، وكذلك بسبب تقديم رئيس حزب
السيادة خميس الخنجر، أحد أقطاب المشهد السياسيّ السّنّيّ والداعم للعيساوي،
استقالته من رئاسة الحزب قبل أربعة أيّام، بسبب استدعائه من هيئة المساءلة
والعدالة، وذلك ضمن سياسة الاستهداف السياسيّ.
فأين
الديمقراطيّة في هذا الملف الذي مَرّروه وفقا لسياسة "تريد غزال أخذ أرنب،
تريد أرنب أخذ أرنب"، كما قال الحلبوسي أمس الأوّل، بعد مباحثاته مع الشركاء
السياسيّين؟!
بعيدا عن نجاح "المشهداني" في الرئاسة، أرى أنّ عمر العمليّة السياسيّة ليس طويلا، خصوصا مع دعوات نوري المالكي وغيره لإجراء انتخابات برلمانيّة مبكّرة، وربّما سنشهد بداية العام القادم انتخابات مبكّرة، تُنْهي "تَغوّل" حكومة محمد شياع السوداني، وفقا لرأي غالبيّة القوى الشيعيّة التي رشّحته، وسنشهد نهاية عهد الصراعات السياسيّة والشخصيّة.
غياب رئاسة الهرم التشريعيّ لعام كامل، نَخَر عموم مفاصل الدولة، المربكة أصلا، وبالذات في ظلّ حديث مُمِلّ، ولغايات سياسيّة وشخصيّة، عن محاولات لإقرار قانون العفو العامّ. ويبدو أنّ هذه المطبّات مقصودة لنَحْر القانون، وعدم جعله أرضيّة قوّيّة لترميم بعض الخراب السياسيّ والاجتماعيّ في البلاد.
وخلال المرحلة
الماضية من عُمر البرلمان، عُطّل إقرار أكثر من مئة قرار؛ وهذا يعني أنّ رُبع عمر
البرلمان ذهب أدراج الرياح
بعيدا عن نجاح "المشهداني" في الرئاسة، أرى أنّ عمر العمليّة السياسيّة ليس طويلا، خصوصا مع دعوات نوري المالكي وغيره لإجراء انتخابات برلمانيّة مبكّرة، وربّما سنشهد بداية العام القادم انتخابات مبكّرة، تُنْهي "تَغوّل" حكومة محمد شياع السوداني، وفقا لرأي غالبيّة القوى الشيعيّة التي رشّحته، وسنشهد نهاية عهد الصراعات السياسيّة والشخصيّة.
والكلام عن نهاية
الحكومة بكفّة واحتماليّة توجيه ضربات أمريكيّة- إسرائيليّة لبعض الفصائل المسلّحة
بكفّة أخرى، التي قال بعض قادتها؛ بأنّ قرار الحرب والسلم بيدها، ممّا أجبر
السوداني، القائد العامّ للقوّات المسلّحة، للردّ والقول؛ بأنّ "قرار الحرب
والسلم بيد الحكومة فقط".
الصراعات السياسيّة
والعسكريّة ستفتح الباب واسعا للعديد من السيناريوهات؛ أبسطها الانتخابات
المبكّرة، وأعقدها المظاهرات الشعبيّة الشبابيّة.
وهكذا أكّدت
تجربة اختيار رئيس البرلمان، المشهداني، بأنّ غالبيّة الساسة يُديرون البلاد وفقا
لتفاهمات شخصيّة، بعيدا عن القوانين الناظمة لعمل مؤسّسات الدولة الكبرى والصغرى.
وأثبتت المرحلة
الماضية، كذلك، أنّ مجلس النوّاب قد خالف الدستور ونظامه الداخليّ، وهذه حالة
خطيرة يفترض عدم الاستخفاف بتبعاتها وتداعياتها.
x.com/dr_jasemj67