هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أقبل شهر رمضان على ليبيا وهي ليست أحسن حالا مما سبق، بل زادت آلامهم بسبب الحروب واتساع الصراعات التي أفسدت طقوسا ليبية اعتادها المواطنون في الشهر الكريم وأهمها "لمة العائلة" والتي أصبحت مشتتة بين عدة مدن أو حتى عدة دول.
ونتج عن تكرار الحروب وآخرها الحملة العسكرية التي يشنها اللواء المنشق خليفة حفتر على العاصمة طرابلس نزوح الآلاف من الأسر بعدما تهدمت بيوتهم وقتل بعض أفرادهم أو تحولت مناطقهم لساحات حرب وقصف متبادل.
"عربي21" استطلعت آراء بعض المهتمين بنازحي الحروب وبعض النازحين والمهجرين لمعرفة آثار الحرب على "رمضان العائلة الليبية".
"إفطار في المدارس"
وتقول رئيسة منظمة "حلم الشباب" الليبية المهتمة بملف النازحين، نيروز العنيزي إن "الحروب والصراعات والاقتتال أفسد أشياء جميلة كثيرة لدى الليبيين خاصة في شهر رمضان، وتحولت الأسرة الليبية من عائلة مجتمعة على مائدة واحدة إلى نازحين في مدارس يتشاركون الإفطار مع غيرهم".
وأضافت في حديثها لـ"عربي21": "أهم الطقوس لدى الأسرة الليبية هي إفطار عائلي في منزل أحدهم أو تكراره في منازل العائلة كلها، لكن بعد الحروب تحول الوضع إلى إفطار مشترك في مدارس (أماكن النزوح) تنفصل فيه العائلة الواحدة كون النساء تتناول الإفطار بمعزل عن الرجال تحت تنظيم مفوضية الكشافة المسؤولة عن النازحين في المدارس، وهذا أثّر على الحالة النفسية لكثير من الأسر والشباب"، كما وصفت.
بدوره يشير الإعلامي الليبي، محمد عاشور العرفي إلى أن "أهم الطقوس الليبية في رمضان اجتماع العائلة على مائدة الإفطار في أول أيام الشهر واجتماعهم في بعض الأيام بعد الإفطار والسهر مع العائلة والأقارب، لكن الحروب أفسدت عليهم هذه المؤانسة لأهلهم وأقاربهم، وفي الخارج يحلم النازحون والمغتربون بالمسامرة مع أهلهم وذويهم".
"غياب التراويح وصلة الرحم"
النازحة الليبية من الشرق إلى "طرابلس"، نوارة الزيي أوضحت أن "طقوس الليبيين في رمضان من حيث التحضير للطعام والبيت الليبي وكذلك أكلات ليبية معينة لم تتغير كثيراً، لكن الشيء الوحيد والأصعب الذي تغير هو انقطاع صلة الرحم بين الأهل والجيران بسبب الفتنة الحاصلة وما سببته من شرخ للنسيج الاجتماعي لشعب معروف بترابطه".
وتابعت لـ"عربي21": "أيضا اللمة الرمضانية للعائلة وكذلك الزيارات قلت جدا خاصة في شرق البلاد، أما غرب ليبيا فقد دخل رمضان هذا العام على الكثير من العائلات بحزن شديد بسبب فقد أبنائها في الحرب الأخيرة ما غيّب الفرحة واللمة التي كانت تتم بهم".
وأشارت إلى أن "الحروب تسببت في تدمير بيوت كاملة لعائلات ما اضطرهم للنزوح إلى مدن أخرى أو مراكز نازحين ما أفقدهم الحالة المعيشية الكريمة التي كانوا يعيشونها من قبل، ومن ثم غياب كل طقوس رمضان الليبية التي كانوا يفعلونها كل عام وهم في بيوتهم".
وأضافت: "كنا نعتاد على سماع صلاة التراويح من كل المساجد، لكن بسبب سيطرة تيار "المداخلة" على أغلب الجوامع في شرق البلاد وغربها أصبح من النادر سماع مكبرات الصوت وهذا شيء أزعج الكثيرين الذين تعودوا على أصوات "التراويح" في رمضان".
نزوح بلا تعويضات
بدورها رأت الصحفية الليبية، أحلام الكميشي أنه "من الطبيعي أن تفسد الحرب طقوس الحياة اليومية فما بالك بشهر رمضان الذي يتطلب الكثير من الخصوصية والحميمية العائلية وتغيير الروتين المعيشي اليومي، فالتقارير تتحدث عن 40 ألف نازح ومئات القتلى والجرحى بسبب حرب طرابلس فقط".
وقالت لـ"عربي21": "هذا كله يلقي بغيوم ثقيلة من الهموم والأحزان على الجميع إما لكونهم من أصحاب المعاناة أو ممن قرروا التعاطف معهم واحترام معاناتهم بعدم إظهار أي من مظاهر الفرح بالشهر الكريم، ورغم هذه المعاناة شهدت العاصمة مثلا ازدحاما من أجل التسوق قبل شهر رمضان".
وعن حجم المعاناة التي رصدتها، أوضحت أن "كثيرا من العائلات تواصل تهجيرها في أكثر من حرب ولم يحصلوا على تعويضات، كما أن هناك أرامل ومطلقات وأطفالا يقيمون في المدارس حيث يتشاركون دورات المياه والممرات والساحة مع آخرين تعرفوا عليهم لأول مرة وبعد لم تتقارب طباعهم معهم"، حسب وصفها.
وتابعت: "شعور بضياع محصول سنين العمر والمدخرات مع كل "طوبة" تنسف من منزل المأوى والضياع في دروب النزوح حيث تتحطم عزة النفس تحت وطأة الحاجة، فمثلا رب أسرة يعجز الآن عن تجهيز مائدة رمضانية وسط شعوره بالإحراج من عائلته وأطفاله وعجزه عن إيجاد البديل وهذه هي المعاناة ونتيجة الحروب".
"أهم الطقوس"
أما الناشط الليبي المقيم في بريطانيا، مختار كعبار فأوضح لـ"عربي21" أن أهم الطقوس الليبية التي تحرص عليها الأسر في شهر رمضان صناعة الحلويات التقليدية من بقلاوة ومقروض وكعك وبسبوسة، لكن الظروف الحالية بسبب انقطاع الكهرباء والغاز صار كثير من الليبيين يشترون الحلويات الجاهزة.
وتابع: "من العادات التي يحرص عليها أغلب الليبيين ويشتركون مع غيرها فيها هي ختم القرآن في المساجد والزوايا، وحضور الحلق العلمية والدروس الدينية، والذهاب لصلاة التراويح وأحيانا بصحبة النساء والأطفال، لكن الحروب أفسدت أغلب هذه الأمور ودمرتها".