هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت تقارير صحفية الثلاثاء (30 نيسان/ أبريل) خبرا يتحدث عن تأكد المخابرات المصرية من أن الحكومة الإثيوبية قد بدأت فعلا في صب خرسانة الممر الأوسط في سد النهضة، والذي كان يمر منه فيضان النيل الأزرق خلال الأعوام بين 2015 و2018، وكان يعتبر هو الحجر الناقص في بناء سد النهضة، والذي إذا تم بناؤه اكتمل سد النهضة من الناحية الإنشائية تماما، استعدادا لحجز الفيضان القادم.
ووفقا لهذه التقارير، فإن وزارة الخارجية المصرية قد أرسلت رسالة للخارجية الإثيوبية تعبر فيها عن غضبها الشديد بشأن هذه الخطوة، بشكل فردي ودون الرجوع لمصر. كما عبّرت عن استيائها بسبب رفض إثيوبيا تحديد ميعاد لجلسة المفاوضات التساعية، والتي كانت مقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ولم تتم حتى الآن بسبب اعتذارات إثيوبية غير مقنعة.
وقد لوحظ خلال النصف الأول من شهر نيسان/ أبريل؛ اتخاذ عدد من المسؤولين الإثيوبيين الممر الأوسط لسد النهضة كخلفية تصويرية، أثناء إلقاء عدد من الخطب الحماسية في عمال سد النهضة، أو في الوفود الشعبية التي تزور السد بمناسبة مرور ثمانية أعوام على البدء ببنائه، في رسالة إعلامية للحكومة المصرية تظهر التزام إثيوبيا بعدم إغلاق الممر الأوسط المنفذ الوحيد الذي يمر منه فيضان النيل الأزرق للدولة المصرية.
منذ أيام قليلة، وصلني عدد من الصور الحديثة الملتقطة بالأقمار الصناعية يظهر فيها حدوث تطور إنشائي كبير بمنطقة الممر الأوسط، حيث تم كشط سطح الممر من بقايا الطمي المتراكم عليه منذ عام 2015، والبدء بصب خرسانة بهدف إغلاقه للأبد، ومنع مرور أي فيضان جديد لنهر النيل الأزرق لكل من دولتي السودان ومصر.
صورة رقم (1)
توضح الموقف الإنشائي للممر الأوسط ليوم 21 آذار/ مارس 2019
والصورة رقم (2) توضح التغيرات الإنشائية التي طرأت على الممر الأوسط، في دلالة أكيدة على بدء صب خرسانة الممر، لمنع مرور أي فيضان جديد لدولتي السودان ومصر.
الصورة رقم (2)
توضح التغيرات الإنشائية التي طرأت على الممر الأوسط
كما التقطت الأقمار الصناعية صورة لمجرى النيل الأزرق، أمام وخلف موقع سد النهضة، حيث لوحظ وجود تغيرات كبيرة في تجمعات تراكم الطين أمام سد النهضة، والتي تم قطعها وإعادة توزيعها على أماكن مختلفة يعتقد وجود وديان عميقة فيها، وذلك بهدف إغلاق تلك الوديان العميقة الموجودة بقاع بحيرة سد النهضة، لعل هذا يساعد في تقليل حجم المياه المتسربة عبر تلك الفوالق الأرضية.
الصورة رقم (3)
توزيع التراكمات الطينية على مجري النيل الأزرق أمام وخلف موقع سد النهضة
ومن المعروف أن تدفقات النيل الأزرق تعادل قرابة 48 مليار متر مكعب سنويا؛ كانت تمر عبر الأراضي الإثيوبية لتخزن بسدود دولة السودان ثم بحيرة ناصر في مصر، حيث كان يساهم النيل الأزرق بقرابة 33 مليار متر مكعب سنويا، من حصة مصر البالغة 55.5 مليار متر مكعب. ولقرابة 25 مليون عام، تمر تدفقات النيل الأزرق عبر الأراضي الإثيوبية دون أن يخزن منها نقطة ماء واحدة لتهبط إلى السودان ومصر، ولتبني حضارة وادي النيل ذات السبعة آلاف عام. فمصر هي هبة النيل، والتي تسعى الحكومة الإثيوبية اليوم لجعلها "ضحية النيل".
وعلى الجانب الآخر من سد النهضة، حيث سد الروصيرص السوداني، الواقع على النيل الأزرق، ويبعد قرابة 120 كم من موقع سد النهضة، لوحظ مؤخرا ظهور علامات جفاف ببحيرة السد، وكذلك ببحيرة سد مروي الواقع على النيل الموحد، أيضا ببحيرة سد تاكيزي الإثيوبي الواقع على نهر عطبرة، هذا في وقت يرتفع فيه المنسوب ببحيرة ناصر ليصل أعلى من 179 مترا، ويسمح لأول مرة منذ عام 1998 بملء بحيرات توشكي. إلا أن كل تلك التدفقات التي وصلت لبحيرة ناصر مؤخرا هي قادمة من سدود السودان وإثيوبيا، وليست جزءا من فيضان عام 2018، والذي انتهى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
استقبال بحيرة ناصر كل تلك التدفقات الزائدة بعد توقف فيضان عام 2018؛ يؤكد رغبة حكومتي إثيوبيا والسودان بملء بحيرة ناصر أولا، قبل بدء التخزين ببحيرة سد النهضة خلال فيضان آب/ أغسطس 2019. وهذا يعني بشكل مباشر موافقة الحكومة المصرية والسودانية على ملء بحيرة سد النهضة هذا العام، وأن كل ما يقال عن استمرار المفاوضات بشأن سد النهضة ليس أكثر من بروباعندا إعلامية؛ لإقناع الشعب المصري بجدية الحكومة المصرية في الحفاظ على حقوق مصر التاريخية في نهر النيل. كما تُظهر أيضا خضوع الرئيس السوداني السابق عمر البشير لإرادة السيسي، وتقبله فكرة تفريغ بحيرات السدود السودانية لصالح رفع المخزون ببحيرة ناصر، في خطوة قد تضر كثيرا بأبناء الشعب السوداني.
والصورة (4) تظهر علامات الجفاف ببحيرة تخزين سد الروصيرص السوداني، كما تظهر الصورة (5) ارتفاع منسوب بحيرة ناصر لأعلى من 179 مترا، وملء بحيرات توشكي.
الصورة رقم (4)
تظهر علامات الجفاف ببحيرة تخزين سد الروصيرص
الصورة رقم (5)
ارتفاع منسوب بحيرة ناصر لأعلى من 179 وملء بحيرات توشكي
والسؤال هنا الذي يتطلب ردا سريعا من نظام السيسي: ما هي البنود السرية لاتفاقية المبادئ لسد النهضة التي وقع عليها السيسي شهر آذار/ مارس 2015؟ وكيف تمكنت إثيوبيا من بدء ملء بحيرة التخزين دون موافقة الحكومة المصرية؟ وأخيرا، ما سبب عدم مناقشة اتفاقية مبادئ سد النهضة، والتي مر على توقيعها قرابة أربع سنوات لم تناقش حتى اليوم في البرلمان المصري؟
أسئلة قد تحوّل الدولة المصرية من كونها "هبه النيل" إلى "ضحية النيل".