هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
(1)
تتمتع المعارضة المصرية
بنوع من الحرية المطلقة التي يتم تدعيمها من الجميع، ولا يسعى أي طرف للانتقاص
منها، وأقصد بهذا النوع المتوفر لدرجة الإغراق: حرية الاختلاف فيما بينها. فكما
نعرف، فإن ممارسة الاختلاف من المؤشرات المهمة في المجال الديموقراطي، لكن الإفراط
كالتفريط؛ لأن الاختلاف اللاإرادي (على غرار التبول اللاإرادي) يعبر عن حالة مرضية
تحتاج إلى علاج، برغم أنها ممارسة لحق طبيعي، وبالتالي فإن مراجعة الحالة لا تعني
السعي لطمس تباينات المعارضة وتنميطها في قوالب متشابهة، بل تعني معالجة الإفراط
في الممارسة بما يضر، كما تعني التعقل والتحكم في الاختلاف، بحيث يتحول إلى فعل
إرادي عاقل؛ ينبع من إرادة المختلف، وليس نتيجة قصور في تحمل ضغوط أو عوامل من
خارجه.
(2)
تابعت ردود الفعل المتباينة
على دعوة "الحوار التأسيسي لإنقاذ مصر"، التي أطلقها المعارض المصري من
الخارج الدكتور أيمن نور، والذي حرص على توجيه دعوته بالأسماء لأكثر من 120 شخصية؛
تمثل معظم الاتجاهات السياسية والفكرية. وكنت قد تلقيت الدعوة مثل الجميع (من غير
تشاور مسبق)، لكن الدعوة نفسها توضح أن التشاور سيتم لاحقاً على مدى شهر كامل، بمعنى
أن الدعوة هي بداية لنداء التشاور وطرق الأبوب، وليس نتيجة له، لكن من ملاهي ومأسي
العمل السياسي في بلادنا حاليا؛ أننا نذهب إلى النتائج قبل أن نلعب المباريات،
ونتسرع في التخمين قبل أن يبدأ الحدث، وبالتالي فقد أصبحنا نصنع الفشل في أذهاننا
بأنفسنا، ثم ننتظر ما صنعناه على ناصية الدرب لنقول بغطرسة طبيب الفلاسفة: مش قلنا
لكم هيفشل؟!
من ملاهي ومأسي العمل السياسي في بلادنا حاليا؛ أننا نذهب إلى النتائج قبل أن نلعب المباريات، ونتسرع في التخمين قبل أن يبدأ الحدث
المؤسف أن هؤلاء صاروا يهاجمون حماس أكثر مما يهاجمون إسرائيل، وصارت المعارضة "الدولتجية المستنيرة" تصطف مع حملة مباخر إسرائيل ومروجي التطبيع، لكنها أبدا لن تنزلق للتطبيع مع مصريين يعارضون بصيغة أخرى
قد أتفق نظريا مع أن إسطنبول ليست المكان الملائم لحوار وطني تجميعي من هذا النوع، حيث تحولت "المدينة
المنفتحة" إلى مكان سيئ السمعة في أذهان المشتغلين بالسياسة في مصر، نتيجة
تأثرهم بحملات التلويث التي يشنها إعلام الكتائب الأمنية، حتى أصبحت إسطنبول أخطر
على مصر من تل أبيب، وهذا ما لمسته في بعض الأراء الصادمة التي صدرت عن بعض
السياسين ممن يفترض بهم الوعي والفهم. وبما أن آراء هؤلاء الموقرين خرجت إلى العلن،
فمن الواجب أن أنبه وأُذَكّر وأوقظ أصحاب هذه الآراء؛ التي حادت عن الصواب
واستسهلت تخوين المعارضة حسب الجغرافيا وحسب مكان الإقامة، أو التي عارضت الحوار
لذاته بينما تتسمى بالديمقراطية، والتي اختزلت الوطن في تيارات سياسية أيا كانت
عظمة وعدالة توجهاتها؛ لأن ألف باء سياسة يعني عدم التمييز بين المواطنين على أساس
عقائدهم وأفكارهم، فلا يمكن التسامح مع تيار مدني/ اشتراكي/ ديمقراطي/ دستوري يرفض
الحوار، حتى لو كان مع مواطن سيساوي، يمكنك أن ترفض الحوار مع أحزاب أو تنظيمات أو
مؤسسات أمنية، لكن من العار أن ترفض الحوار مع مواطنين لا يفرضون عليك أجندة حزبية
مسبقة.
يمكنك أن ترفض الحوار مع أحزاب أو تنظيمات أو مؤسسات أمنية، لكن من العار أن ترفض الحوار مع مواطنين لا يفرضون عليك أجندة حزبية مسبقة
(5)
من الملاحظات التي دونتها
في دفاتري منذ شهور طويلة وأتحرج الكتابة فيها؛ ملاحظة تخص الكثير من المثقفين ونشطاء
التيارات المدنية التي أميل إليها نفسياً وعقلياً، لكنني أنقدها سياسياً بأشد من
نقدي لبقية فصائل وتنويعات العمل السياسي. ومكمن الحرج عندي أن هذه التيارات لم
تعد تنطلق في عدائها للخارج (أو لحزمة التيارات الإسلامية) من منطلقات فكرية
ودستورية، ولا حتى من قناعات شخصية، لكن يبدو أنها أصيبت بمتلازمة استوكهولم،
بمعنى أنها تتصرف تحت تأثير القهر، ويترسب في وعيها الباطن رغبة دونية لإرضاء
الطغمة القامعة وتفادي عصا أجهزتها الأمنية. ومن خلال هذه المناورة النفسية الخفية،
تمارس هذه المعارضة المستلبة نوعاً من "الطاعة اللامباشرة" والخضوع
المستتر للنظام. فعندما يشجع النظام السفر إلى تركيا تتكاثر شركات السياحة في
الطرقات وتتدفق عائلات الطبقة الوسطى لزيارة إسطنبول وطرابزون، ويتفاخرون بالصور،
وعندما تخاصم تركيا مع النظام تتحول السياحة إلى سياسة، ويتم تدنيس المصري الذي
يتحرك أو يعيش في بلدان لا يرضى عنها النظام القامع.
وبالطبع، لا يمكن لمواطن
يؤمن بالدستور وحقوق المواطنة أن يميز بين المصريين في الخارج والداخل، ولا يمكن
أن يرتبهم حسب أماكن إقامتهم. وهنا تبرز الأسئلة المدنية والديمقراطية والدستورية
التي تكشف زيف الأسماء والتوصيفات التي تتزين بها تيارات؛ كان الأجدر بها أن تستقل
عن رؤية النظام، فلا تتخندق معه ولا تحسب بحساباته، حتى لا نحتار كل يوم في
تعاملنا مع حماس ومع لبنان ومع سوريا، ومع قطر ومع تركيا ومع أوروبا، ومع أولادنا
أيضا، بل ومع أنفسنا.
(6)
كانت لدي خطة لمناقشة ونقد دعوة
الدكتور نور، ليس بغرض تقويضها، ولكن من أجل دعم قيمة الحوار المفتقدة في حياتنا.
قد لا يكون توقيت الطرح مناسبا، وقد لا تكون الطريقة المتعجلة هي الأفضل، وقد يكون
التشكيل الهندسي الحريص على تنوع الأسماء يعكس رغبة في التجميع السريع، ربما لا
يحتملها الواقع العملي، وقد تكون مرحلة التمهيد اللوجيستي (غير المعلن) ضرورة
لتقليص "عصاب الخلاف" الذي يجعل الرفض هو رد الفعل التلقائي، والمضمون
في أي مبادرة تحلم بمعارضة جماعية للنظام، بدلا من معارضة بعضنا البعض. وقد يكون
للصفات التي سبقت معظم الأسماء أثر سلبي في تكريس الهوية الحزبية والفكرية
للمدعوين، بينما القصد أن يلتقي هؤلاء كمصريين مخلصين يفكرون ويعملون معاً من أجل
بلدهم. وأثناء العمل تنصهر الهويات الحزبية ليس لتنمحي، ولكن لتتخلص من بعض
الرواسب السيئة، وتتجدد وتكتسب مرونة وانفتاحا على المرحلة، وعلى التنويعات الأخرى.
لا ينبغي أن يتساهل أحد في تحقير مصري بسبب مكان إقامته، ولا يجب أن يتجاسر أحد على المطالبة بحظر معارض المصريين من خارج الحدود، ولا إعطاء مزية للعمل أو المعارضة في الداخل، حتى لا نشارك الأنظمة القمعية في سلوكها