هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت قناة المملكة حديثة الانطلاق خبرا مفاده أن البنك الدولي يتوقع نمو اقتصاديا ومطردا في الأردن خلال الأعوام الثلاثة المقبلة رغم التراجع الكبير في النمو العالمي؛ وعلقت القناة بالقول بأن رئيس الحكومة عمر الرزاز أعلن نية حكومته تحقيق نمو خلال المرحلة المقبلة يصل إلى 4 و 5% مع الإشارة إلى الإجراءات الاقتصادية المتبعة؛ التي يقف على رأسها تقليص العجز في الموازنة وخفض النفقات، وهي وصفة شهيرة لصندوق النقد الدولي، خبر استبق الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الرزاز إلى واشنطن والتي يتوقع أن يجتمع فيها بكبار مسؤولي صندوق النقد خلال الأيام القليلة المقبلة.
الحكومة ومع بداية العام أعلنت عن أهم انجازاتها بتحصيل ما يقارب المليار دينار ضرائب من المواطنين، بمعنى أنها باتت قادرة على رفد الخزينة بالمزيد من الأموال، وأنها التزمت بوصفة صندوق النقد؛ علق على ذلك الدكتور لبيب قمحاوي في مقالة له بعنوان "الأردن: إفلاس الدولة أم تفليس الشعب؟"، خلاصتها أن الزيادة لم تنجم عن ارتفاع نسب النمو وانتعاش الأعمال وإنما عن السياسة الجبائية التي تتبعها الحكومة لتهدد بمزيد من الركود في الاقتصاد الأردني؛ مضيفة أعباء جديدة على المواطنين دون مردود أو عائد حقيقي ينعكس على مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة.
إقرأ أيضا: الأردن 2018 سنة حبلى بالأحداث.. وتحديات أكبر في 2019
جدلية اقتصادية مهمة إذ تقود تلقائيا إلى جدل سياسي حول أنجع السبل لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي يخشى أن تعمق مستوى الأزمة الاجتماعية؛ فقد بات معلوما أن الحراكات الاحتجاجية في "الرابع" تمثل أحد أوجه التعبير عن الأزمة الاجتماعية، خصوصا في المحافظات، تغذيها أزمة الثقة بين الحكومة والشارع الأردني؛ كما أنها تعكس حالة من تضارب المصالح والأجندة الاقتصادية للدولة بين النظام الريعي والنظام الاقتصادي الإنتاجي؛ فالقدرة على الانتقال من نموذج إلى آخر عملية غير سهلة في الأردن وتمثل تحديا بنيويا وهيكليا؛ خصوصا وأن الحكومة هي المشغل الأكبر للأيدي العاملة في الأردن ما يعادل 46% من الأيدي العاملة يقابلها القطاع الخاص الذي يشغل ما يقارب 35% ويعاني 18% المتبقية من البطالة. فالحكومة تقف وحيدة والقطاع الخاص يعتبر نفسه مستهدفا بالسياسة الضريبية ما يجعل الشراكة بينهما مسالة غاية في الصعوبة؛ في ظل هندسة اجتماعية وسياسية بعيدة كل البعد عن مفهوم الشراكة أو حتى التمثيل المتوازن في رسم الاجندة الاقتصادية.
البطالة تحولت إلى معضلة اقتصادية دافعة الحكومة لطرح برنامج أشبه بالتجنيد الإجباري لتأهيل الشباب وإحلالهم محل العمالة الوافدة بحسب تصورها أي الحكومة؛ مشروع طموح ستتحمل فيه الحكومة عبء تأهيل وإشغال جزء من البطالة إلى حين انتعاش السوق وإحلال العمالة الأردنية مكانها؛ على أمل أن يعود ذلك بالفائدة مستقبلا على الحكومة كعائدات ضرائب تمول فيه نشاطها البيروقراطي؛ فالأردن قلق من تراجع المنح والقروض؛ ويعتمد إلى حد كبير على القروض والمنح إذ تبلغ قيمة المنح التي ترفد الخزينة 15% من وارداتها؛ رقم مر عليه أكثر من أربعة أعوام ومن الممكن أن يكون ارتفع نسبيا خلال السنوات الأربع الفائتة.
إقرأ أيضا: حقيقة الأزمة في الأردن
في كل الأحوال يستمر الجدل الاقتصادي، فالحكومة تطمح إلى تشغيل أموال المغتربين عبر صندوق استثمار وتشجيع المستثمرين لتشغيل العمالة الأردنية بخفض الضرائب على مؤسساتهم بنسبة 10% بإحلالهم مكان العمالة الوافدة؛ غير أن هناك الكثير من الانطباعات التي لم تدعمها الأرقام تتحدث عن امكانية تحويل قطاع مهم من المغتربين أموالهم إلى وجهات استثمارية خارجية منافسة للبيئة الاستثمارية في المملكة الأردنية؛ ملقيا مزيدا من الضبابية على قدرة الحكومة على جذب الاستثمارات وتحقيق طموحاتها المشروعة.
الحكومة ولمواجهة الانطباعات والحالة الضبابية الناجمة عن نقص الأرقام والثقة لجأت إلى إطلاق حرب على الشائعات في الأردن باعتبارها التهديد الأساس لمشاريعها الاقتصادية وهي أشبه ما تكون بالحرب على الأشباح؛ فالمناخ الاجتماعي والنفسي في الأردن يعتبر سلبي جدا؛ فكثير من الشرائح الاجتماعية تحمل تصورات سلبية للواقع والمستقبل؛ والشائعات باتت تضرب بقوة قناعات المستثمرين المحليين والمغتربين الأردنيين في الخارج المحرومون من حقهم في التصويت والانتخاب بسبب غربتهم؛ مفاقمة الأزمة الناجمة عن الوجبة الضرائبية الضخمة ومهددة بتصفية المزيد من الأعمال وامكانية رفع معدلات البطالة التي تخوض الحكومة معركة شرسة لمواجهتها وتبذل الغالي والنفيس لذلك؛ فخسارتها تعني تكريس الريعية ومزيد من التوظيف في مؤسسات الحكومة المتضخمة والانهاك الضرائبي والبحث عن منح وقروض اضافية؛ ديناميكية لا تعرف التوقف.
الحالة الاقتصادية في الأردن ولدت مناخا سياسيا أشد ضبابية من المناخ الاقتصادي؛ فحرب الشائعات وأزمة الثقة والمترافقة مع حراك الرابع تقود في مجموعها إلى دعوات لضرورة مراجعة النهج السياسي والدعوة إلى مزيد من الإصلاحات السياسية؛ معركة تجنبت أغلب القوى السياسية خوضها تاركة الأمر لديناميكة الاقتصاد لتقرر طبيعة الحل السياسي الممكن مستقبلا؛ خصوصا وأن المؤسسات السيادية في الأردن لا ترى حاجة وضرورة ملحة أو حقيقية لأي شكل من أشكال الإصلاح السياسي؛ دافعة بعض النخب القريبة من وجهة النظر السيادية إلى مهاجمة أي تصريح أو تعليق من أي قوى سياسية تطلق تصريحات ولو خجولة في هذا الجانب؛ علما بأن القوى السياسية تتجنب المواجهة وتتملص منها رغم الضغوط التي تعاني منها خصوصا الحركة الإسلامية في الأردن؛ إذ لا ترغب بأن تكون كبش فداء في المحصلة النهائية لأي تطور مستقبلي بحسب المراقب.
المؤسسات السيادية في الأردن لا ترى حاجة وضرورة ملحة أو حقيقية لأي شكل من أشكال الإصلاح السياسي
إقرأ أيضا: ركود تضخمي ينتظر اقتصاد الأردن بعد إجراءات تقشفية