تداعيات الانسحاب الأمريكي على الأردن

سارعت نانسي بيلوسي زعيمة الأغلبية الديمقراطية رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى زيارة الأردن مباشرة بعد أن اختتم كل من نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو زيارتهما لتركيا التي أفضت إلى اتفاق لسحب القوات الأمريكية من شرق الفرات يوم الخميس الموافق 17 تشرين أول (أكتوبر) الجاري.

 

زيارة أغضبت ترامب

زيارة أثارت غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدرجة أنه أطلق تغريدة انتقد فيها زيارة بيلوسي للأردن قال فيها: "تقود بيلوسي الآن وفداً من 9 أشخاص، بينهم الفاسد آدم شيف، إلى الأردن للتحقق من الوضع في سوريا.. يجب عليها أن تعرف لماذا رسم أوباما الخط الأحمر في الرمال، ثم لم يفعل أي شيء، لقد فقد سوريا وفقد كل الاحترام.. أنا فعلت شيئاً، أطلقت 58 صاروخاً.. لقد مات مليون شخص بسبب خطأ أوباما!"؛ تغريدة كشف ترامب من خلالها بأن الأردن لم يكن راضيا عن الانسحاب الأمريكي من سوريا؛ الموقف ذاته المتخذ من الكيان الإسرائيلي؛ الذي جعله بومبيو محطته الثانية بعد أنقرة متجاوزا الأردن ليقدم تطمينات بالتزام أمريكا وإدارة ترامب بأمن إسرائيل..

بيلوسي التي وصلت العاصمة عمّان السبت الموافق 19 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي متحدية لترامب ولسياسته في سوريا برفقة أعضاء في لجان مجلس النواب الرئيسية على رأسهم الجمهوري ماك ثورنبيري أعلى جمهوري في لجنة القوات المسلحة وبيني طومسون رئيس لجنة الشؤون الخارجية إليوت إنجل رئيس لجنة الأمن الداخلي؛ وآدم شيف رئيس لجنة الاستخبارات الذي وصفه ترامب في وقت لاحق" بالفاسد"؛ صرحت لوسائل الإعلام في بيان صحفي بأن هذه الزيارة تأتي في "وقت حرج لأمن واستقرار المنطقة.. مع الأزمة المتفاقمة في سوريا بعد التوغل التركي أجرى وفدنا مباحثات مهمة بشأن التبعات على الاستقرار الإقليمي وزيادة تدفق اللاجئين والفرصة الخطيرة التي توفرت لتنظيم داعش وروسيا وتركيا"؛ وهو التصريح الذي أثار غضب ترامب ودفعه لانتقاد الزيارة عبر تغريدة على تويتر.

 

الجهود الأمريكية لطمأنة المملكة الأردنية لم تقتصر على الديمقراطيين كما هو واضح ولم تقتصر على المساعدات الاقتصادية إذ تحولت إلى دعم سياسي يؤكد التزام الولايات المتحدة بتوفير مظلة أمنية وسياسية لحلفائها في المنطقة

في الوقت ذاته حملت زيارة بيلوسي برفقة الجمهوري ثورنبيري رسائل طمأنة للمملكة الأردنية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أعقاب الانسحاب الأمريكي من سوريا خصوصا أنها الزيارة الثانية لبيلوسي خلال أقل من ست أشهر إذ زارت المملكة مباشرة بعد أن اختتم الملك عبد الله الثاني زيارته للولايات المتحدة الأمريكية؛ الزيارة التي واجه فيها محاولات تضييق من قبل الإدارة الأمريكية على نشاطاته وتحركاته بحسب بعض المصادر الأمريكية؛ ليفسر البعض زيارة بيلوسي برسالة دعم للمملكة في الملفات التي تهمها خصوصا وأن الكونغرس الأمريكي بزعامته الديمقراطية رفع قيمة المساعدات إلى الأردن بقيمة 250 مليون دولار لتبلغ مليار ونصف المليار دولار خلافا للسياسات المتبعة من قبل إدارة ترامب والخارجية الأمريكية؛ فبيلوسي أكدت أن الانسحاب من شمال سوريا يقدم رسائل سلبية لحلفائنا في المنطقة.

 

الجهود الأمريكية لطمأنة المملكة الأردنية لم تقتصر على الديمقراطيين كما هو واضح ولم تقتصر على المساعدات الاقتصادية إذ تحولت إلى دعم سياسي يؤكد التزام الولايات المتحدة بتوفير مظلة أمنية وسياسية لحلفائها في المنطقة؛ إذ أكدت بيلوسي بأن انسحاب ترامب من شمال سوريا يزعزع ثقة الحلفاء بمكانة أمريكا وموثوقيتها؛ ويفتح الباب لتركيا وروسيا للعب أدوار كبيرة في الإقليم وهي تحذيرات عبرت عنها عواصم الإقليم بتوجيه انتقاد للعملية التركية من القاهرة إلى أبو ظبي والرياض؛ عملية أربكت السياسة الأردنية و فتحت الباب إلى إعادة التفكير بالتموضع من خلال تناول النخب المقربة من دوائر صنع القرار لتداعيات الانسحاب الأمريكي والسيناريوهات المتوقعة بالنسبة للمملكة الأردنية .

 

واشنطن مصرة على ترسيخ وجودها في المنطقة

لم تقتصر التطمينات والشكوك التي تبعت الإعلان عن الانسحاب الأمريكي من سوريا على المملكة الأردنية التي انشغلت نخبها بمناقشة آثار الانسحاب الأمريكي في الغرف المغلقة على الأرجح؛ إذ انتقل وزير الدفاع مارك إسبر إلى بغداد ليؤكد على أهمية الوجود الأمريكي في العراق وليشرف على ترتيبات إعادة انتشار قواته فيها؛ وأتبعها بزيارة إلى المملكة العربية السعودية وقاعدة الأمير سلطان الجوية مرسلا مزيدا من رسائل الطمأنة إلى حلفاء الولايات المتحدة المتشككين بالتزاماتها في المنطقة.

تداعيات الانسحاب الأمريكي تتسع وتضيق لتمتد إلى أفغانستان إذ أكد البنتاغون مرة أخرى على أن ما حدث في سوريا لن يتكرر في أفغانستان وأن أمريكا لن تتخلى عن حلفائها؛ رسائل بقدر ما تحمل تطمينات إلا أنها تثير القلق وتعكس الانقسام والارتباك الذي بلغته السياسية الأمريكية في المنطقة العربية وإقليم غرب آسيا ووسطها؛ وهي تداعيات امتدت إلى أفغانستان فكيف هي آثارها على دول جوار سوريا ومن ضمنها الأردن؟